ينعقد اليوم في الدوحة الاجتماع 61 للجنة التعاون المالي والاقتصادي لدول مجلس التعاون. وكان مدير ادارة التعاون الاقتصادي العربي والخليجي بوزارة المالية الكويتية عدنان الخضير اكد في تصريح له لوكالة الأنباء الكويتية أن اللقاء سيناقش عددا من الموضوعات الاقتصادية المهمة وسيتم رفعها الى مؤتمر القمة الخليجي المقبل.
وبين الخضير «ان الاجتماع الذي سيحضره وزراء المالية في دول مجلس التعاون سيناقش محضر الاجتماع المرفوع من لجنة محافظي المصارف المركزية وتوصيات اللجان الفنية المتعلقة بسوق السندات الخليجية المشتركة وكيفية انشائها».
واشار الى ان الاجتماع سينظر الى التقرير الصادر عن لجنة الاتحاد النقدي الخليجي إذ تدرس هذه اللجنة تقريب معايير الأداء الاقتصادي لدول مجلس التعاون ووضع الخطوات الاساسية لإقامة الاتحاد النقدي من خلال توحيد العملة الخليجية ووضع برنامج زمني لعمل اللجنة.
وذكر الخضير ان المجتمعين سيقومون بوضع برنامج زمني لاقامة السوق الخليجية المشتركة والذي يأتي تنفيذا للاتفاق الاقتصادي الموحد الجديدة الذي طبق العام 2002 والذي نص في مواده على الاتفاق على ملامح اساسية للسوق.
من جانب آخر طالب عدد من رجال المال والأعمال والمستثمرين القطريين الحكومة القطرية بضرورة فتح الباب على مصراعيه أمام أبناء دول مجلس التعاون الخليجي، والمقيمين بالدوحة كافة للتعامل بصورة قانونية في سوق الدوحة للأوراق المالية من دون اللجوء إلى استخدام اسم مواطن قطري لممارسة هذا العمل
وقبل ذلك كان الخبير الاقتصادي زياد الدباس أشار إلى أهمية الأسواق المالية بالنسبة إلى الاقتصاد الخليجي قائلا «في اعتقادي ان الأسواق المالية الخليجية يجب أن تكون من أهم مصادر الحصول على الأموال لدعم التنمية في البلاد وعدم الاعتماد على التسهيلات المصرفية مصدرا رئيسيا في تمويل المشروعات وتأسيس الشركات، إضافة إلى ضرورة دعم تأسيس الشركات المساهمة العامة في دول المجلس، أي تنشيط سوق للإصدار الأولي لتنشيط المساهمة الفردية في عملية التنمية والاستفادة من هذه التنمية والذي سيؤدي بدوره إلى تشجيع الادخار لتنمية وتنشيط الاستثمار».
لكن الدباس يحذر من الإمعان في التفاؤل أو الإقدام على خطوة غير مدروسة في هذا الاتجاه من خلال إبراز بعض ثغرات تلك الأسواق فيقول «على رغم النمو الذي شهدته أسواق الأسهم الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية فانها لا تزال غير قادرة على تلبية رغبات مختلف شرائح المستثمرين من حيث توفير الأدوات الاستثمارية المختلفة والتي تتميز باختلاف العوائد والمخاطر».
مثل هذه الدعوات المحلية وغير المحلية تضع مسألة أسواق الأموال والأسهم والسندات الخليجية أصحاب القرار المالي الرسمي أمام تحد مهم للأسباب الآتية:
1- أن الأسواق المالية السليمة هي البوتقة التي تغري رؤوس الأموال المحلية (تبلغ في الخليج مئات المليارات من الدولارات، فقد اكد تقرير اقتصادي صدر حديثا عن مصرف الامارات الصناعي ان العائدات النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي سترتفع الى 140 مليار نهاية العام الجاري بعد ان بلغت 120 مليار دولار في العام 2002 و112 مليار دولار في العام 2001) بالاستقرار في السوق المحلية والبحث عن فرص الاستثمار فيها بدلا من الهجرة، أو بالأحرى الهروب، إلى الأسواق الخارجية بحثا عن فرص استثمار أفضل توفرها أسواق أكثر استقرارا وأشد شفافية.
2- تشجع الأسواق المالية المستقرة روادها على زيادة وتيرة بيع وشراء الأسهم وتبادلها الأمر الذي من شأنه تقصير الدورة الزمنية للتداول (ليس المقصود هنا المضاربات المشبوهة) وهذا بدوره يساعد على تقصير فترة دورة رأس المال، ومحصلة ذلك كله توفير سيولة نقدية مستمرة ومتدفقة مفتوحة الشهية أمام فرص الاستثمار التي من الطبيعي، عندها، ان تمارس دورها المطلوب في تحقيق النمو في الأسواق المحلية.
3- تجذب الأسواق المالية المحلية المتينة القائمة على تشريعات قانونية متعارف عليها دوليا رؤوس الأموال العالمية والأجنبية الباحثة عن أسواق مستقرة من جهة وتعمل وفق آليات شفافة من جهة ثانية، الأمر الذي من شأنه إنعاش الأسواق المحلية أولا، وتوسيع مجالات وفرص الاستثمار ثانيا، والمساهمة في تقليص نسب البطالة والحيلولة دون تناميها ثالثا وليس أخيرا.
4- ينعكس استقرار الأسواق المالية إيجابا على القطاعات الأخرى في السوق وعلى وجه الخصوص القطاع المالي والمصرفي الذي يغتنم فرص الاستقرار والنمو تلك لطرح الكثير من صناديق وحقائب الاستثمار التي لا تستثني الشرائح العليا في السوق، لكنها بالقدر ذاته تخاطب أيضا إمكانات شرائح اجتماعية متوسطة (وهي شرائح عريضة في دول مجلس التعاون وخصوصا في البحرين) وتعمل على تنمية رؤوس أموال ضخمة تتراكم من جراء إشراك تلك الشرائح الجديدة والمتنامية في مشروعات اقتصادية مربحة وتلبي احتياجاتها في آن، الأمر الذي يساعد على إعادة توزيع نسبة من الثروات بشيء من العدالة، والذي يقود بدوره إلى تخفيف حدة الأزمات الاجتماعية وربما السياسية.
من هنا لابد ان ينظر المسئولون الذين سيلتقون في الدوحة بشيء من الجدية للنواقص والثغرات التي تعاني منها أسواق الأموال الخليجية كي يكون في وسعهم وضع سياسات واقعية قائمة على دراسات ميدانية صحيحة، تساهم في إنعاش الاقتصاد الذي لايزال دور تلك الأسواق فيه هامشيا.
وهذا ما تحذر منه تصريحات أدلى بها خبراء في مؤسسات استشارية ومالية عريقة. ففي هذا الصدد يقول علاء اليوسف من موسسة ستاندرد آند بورز: «هناك مفارقة في منطقة الخليج بوجه عام، فعلى رغم أنها مصدر رئيسي لرؤوس الأموال إذ تستثمر مليارات الدولارات من إيرادات النفط في الخارج، فانها تعاني من عدم توافر الأموال على المدى الطويل لمشروعات صناعية ضخمة».
ويضيف اليوسف «يتعين على دول مجلس التعاون أن تعيد النظر في دور الدولة في الاقتصاد... وأن تتحرر وتنفتح بشكل أكبر تجاه بعضها بعضا وعلى العالم».
أما عضو مجلس الادارة المنتدب في ستاندرد آند بورز للموارد العامة الدولية والسيادية ديفيد بيرز، فيرى المشكلة من منظار آخر، فهو يقول: «إن الاستثمارات الاجنبية المباشرة في العالم العربي منخفضة بسبب القوانين التي تقوض الاستثمار والبطء التقليدي في عملية اتخاذ القرار».
ويؤكد اليوسف أقوال بيرز فيشير إلى ان «مثل هذا النموذج الذي سبق أن ظهر في عدة بورصات أسهم إقليمية يكشف بوضوح مشكلة أموال القطاع الخاص الوفيرة التي لا تجد قنوات لاستثمارها».
ويتابع بالقول: ان «القناة الوحيدة هي سوق الأسهم... وهي صغيرة جدا لدرجة أنها يمكن أن تكون بسهولة عرضة للتضخم غير المناسب».
وأشار اليوسف إلى عوامل أخرى سلبية، منها: ان الشركات المدرجة هي في الغالب مملوكة لعائلات ولها علاقات بمصارف «تميل لأن تكون عائلية وليست عالية الشفافية».
ويؤكد اليوسف أن «المطلوب هو أسواق لرؤوس الأموال ذات قاعدة عريضة ووفرة من الفرص وشفافية وأيضا نظام منضبط».
بقيت مسألة في غاية الأهمية لابد أن تكون ماثلة أمام المجتمعين في الدوحة تلك هي ان توحيد الأسواق المالية الخليجية ليست مسألة حسابية بسيطة لا تتجاوز عمليات دمج إدارية مصدرها رغبة سياسية جامحة (إذ ربما يعطي الدمج السياسي القسري غير المدروس نتائج سلبية وخيمة)، فالمسألة أكثر تعقيدا من ذلك، وهي بحاجة إلى إصلاح وتقليص السلبيات وموانع النمو في كل سوق مالية قطرية أولا، يلي ذلك وضع الأسس السليمة المتينة لمجمع متكامل لأسواق الأموال الخليجية.
طبعا هناك الجوانب القانونية والتشريعية أولا، ثم الإجراءات الإدارية والمالية ثانيا، يلي ذلك الجوانب الفنية والتقنية. كل جانب من هذه الجوانب بحاجة إلى دراسة وتمعن. وكل ما نتمناه ألا يكون الطموح السياسي غير المدروس سببا في نكسة اقتصادية أو مالية يترنح أمامها الإنجاز السياسي الوهمي والمتسرع.
وعلى رغم النمو الذي شهدته أسواق الأسهم الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية فانها لا تزال غير قادرة على تلبية رغبات مختلف شرائح المستثمرين من حيث توفير الأدوات الاستثمارية المختلفة التي تتميز باختلاف العوائد والمخاطر
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ