العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ

الجزائر... والبحث عن جواب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سؤال العنف في الجزائر لايزال حتى اللحظة من دون جواب. الأجوبة كثيرة ولكنها في معظمها ليست مقنعة، فهي أقرب إلى الاتهامات العامة التي لا تجد لها أي سند واقعي يفسر الظاهرة ويعطيها بعدها التاريخي الدولي.

وعلى أهمية تلك الاتهامات يمكن القول إنها أغفلت أو تناست الجانب التاريخي - الدولي الذي مرت به الجزائر ودوره في تغذية عناصر العنف الاجتماعي وتثبيته كأساس للعلاقة مع الآخر. فالجانب التاريخي - الدولي لعب في فترات محددة مركز الدفع لعلاقات العنف واطلاقها من داخل النسيج الاجتماعي - الثقافي إلى خارج الأطر الضيقة التي ترعرعت فيها.

الجزائر قبل الاستقلال (حرب التحرير) عاشت في غربة كاملة عن محيطها وتعرضت من المستعمر الفرنسي إلى حملات اقتلاع لاقتصاد البلد وثقافته الأمر الذي دفع الجماعات الأهلية إلى الانكفاء الداخلي والتقوقع على نفسها خوفا من التلاشي ودفاعا عن الذات من نهب وسحق وغيرها من سياسات كانت تهدف في النهاية إلى نزع الهوية الإسلامية (العربية - البربرية) عن المجتمع تمهيدا لربطه بفرنسا من مختلف الوجوه الاقتصادية والثقافية. هذا النوع من الاستعمار - الاقتلاع لم تعرفه أية دولة (بلد) في العالم باستثناء حالات قليلة مشابهة مثل جنوب إفريقيا. إضافة إلى فلسطين التي تعرضت لنوع من الإبادة أو الطرد وحلول مجموعات مهاجرة (استيطانية) مكان أصحاب الأرض وسكان البلد.

فلسطين في هذا المعنى حال استثنائية (استيطان) وكذلك الجزائر في الجهة المقابلة من البحر المتوسط فهي أيضا تعرضت لنوع من «الاغتصاب» الذي يعتمد مبدأ السيطرة الاستعمارية من جهة والاقتلاع التدريجي من جهة أخرى.

الفارق بين فلسطين والجزائر ان الأولى تعرضت لسياسة دائمة ضمن مخطط واضح المعالم والأهداف. بينما الثانية فكانت عرضة لسياسات متعارضة بين توجه يريد فرنسة الجزائر وآخر يريد استعمار البلاد من خلال تصدير بعض المستوطنين يلعبون دور الوسيط بين المركز والطرف. هذا النوع من الاستعمار - الاقتلاع دفع علاقات الاجتماع إلى درجة من التوتر الدائم الأمر الذي انتهى إلى انفجار ثورة جزائرية كبرى انتهت بسقوط مليون شهيد في أقل من عقد من الزمن. وحين جاء الاستقلال كانت العلاقات الداخلية منفلتة وفي حال من الغليان والتقلب ولم تستقر إلا بعد مرور فترة من الزمن شهدت خلالها الجزائر سلسلة انقلابات خاضها رفاق الدرب ضد بعضهم بعضا وانتهت أخيرا باقفال حلقة السياسة على نظام حكم الحزب الواحد.

حكم الحزب الواحد انهى خلافات الرفاق وصراعهم على السلطة ولكنه لم يسهم في انهاء تلك المساحة من العنف الأهلي التي قيض لها أن تهدأ لفترة ولكنها لم تخمد. فالنار كانت بحاجة إلى من يفتح لها كوة في الحياة العامة في لحظة تاريخية كان العالم خلالها يشهد تبعثر أنظمة الحزب الواحد في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية.

عملية الانتقال من الحزب الواحد إلى التعددية السياسية لم تكن الخيار المشترك للدولة، فهناك من هو في الحزب والسلطة رفض توجه الرئيس الشاذلي بن جديد مستفيدا من مناخ دولي اتسم بنوع من الصراع الخفي بين فرنسا (المستعمر التقليدي لبلدان المغرب العربي) والولايات المتحدة (المستعمر الجديد الطامح للسيطرة على مناطق نفوذ قديمة تتمتع بثروات وطاقات وخامات استثنائية).

هذا الانقسام الدولي المدعوم بعمق تاريخي - جغرافي أعطى فرصة للقوة العسكرية المعترضة للانقلاب على الرئيس الجزائري وإفشال التجربة الديمقراطية والقضاء عليها في مهدها من خلال تنظيم سلسلة حملات اقتلاعية تذكر بتلك التي قام بها المستعمر الفرنسي في القرنين التاسع عشر والعشرين. والفارق بين الحملتين أن الأولى أجنبية والثانية وطنية خطط لها الجناح المتطرف في الحزب الحاكم ضد مجموعات أهلية متمسكة بهويتها وثقافتها وتفتخر بتاريخها النضالي وتعتز بانتماء دينها إلى محيط عربي - إسلامي ممتد من المغرب إلى المشرق.

صراع النخبة ضد بعضها واجتماع النخبة ضد الأهل قد يكون من العوامل الحقيقية التي أسهمت في تدمير التجربة الديمقراطية وتحطيم مجتمع الأهل وتفريغه من قواه الحية والفاعلة.

سؤال العنف في الجزائر يحتاج فعلا إلى قراءة تعطي الجواب الواقعي والمقنع... إلا أن تغييب الجانب التاريخي - الدولي من صورة التحليل يجعل من دوامة الدم مجرد قصة بوليسية غير مشوقة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً