لن نتحدث عن الفقر النسبي ولا الصفر في المئة الذي وصلت إليه البحرين في معالجة هذا الملف بحسب تأكيدات رسمية، فيكفينا فقط أن نقف عند الآثار التي خلفها مبلغ الخمسين دينارا على المستوى المعيشي للكثير من الأسر المحتاجة في هذا الوطن، على رغم ضآلة حجمه وعدم مقدرته على مجابهة أعاصير الغلاء التي لم تهدأ آثارها بعد.
كثيرون منا يعلم أن هذه الأسر المحدودة الدخل، تستخدم نظام الجمعيات في تغطية احتياجات الضرورية، وهي فكرة تقوم على مشاركة مجموعة من الأشخاص يدفعون مبلغا معينا في نهاية كل شهر ومن ثم يمنح لأحدهم، وهكذا إلى أن يتم السداد لجميع الأشخاص خلال فترة زمنية تتراوح بين العام أو العامين أو أكثر، من دون احتساب أية فوائد أو زوائد، وهي وسيلة نشطت كثيرا لمجابهة جشع المصارف الربوية.
والخلاصة أن شريحة واسعة من المواطنين استخدمت مبلغ العلاوة والذي وصل إلى 600 دينار خلال عام، إما لسداد ديونها أو للاشتراك في نظام الجمعيات أو لتغطية كلفة علاج أو لسداد رسوم فصل دراسي لأبنائها في إحدى الجامعات الخاصة، لذلك فإنه من غير المنطقي أن يمتنعوا عن الوفاء بكل هذه الالتزامات تحت وطأة انخفاض سعر برميل النفط والأزمة المالية العالمية، فيما ينقض الغلاء على جيوبهم من دون رحمة أو هوادة.
وما يدعو للغرابة أن أسعار النفط شهدت طفرة غير مسبوقة منتصف العام الماضي ووصلت إلى نحو 150 دولارا أو أكثر، واستمر هذا الوضع على مدى أشهر ومن ثم تراجع أواخر العام ذاته، فأين ذهبت الفوائض المالية من بيع النفط في تلك الفترة؟ ولماذا لم يكن لها رقم أو ذكر في اجتماعات لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب مع وزارة المالية لمناقشة الموازنة العامة للدولة؟ وإلى متى سيتم التكتم عليها في صندوق الكتمان والسرية؟
الرقابة على أسعار السلع مشددة، وعمليات التفتيش على المحلات مستمرة، هي مجرد مهدئات وتطمينات وقتية تزول جذوتها مع أقرب زيارة يقوم بها مواطن مسكين ينفق جل راتبه على عربة لم يمتلئ نصفها، وهو يمسك بقائمة تطول من الطلبات التي لم يتمكن بعد من تلبيتها، بدءا من احتياجات المدارس التي لا تنتهي، وفاتورة الكهرباء والماء والهاتف، وراتب الخادمة، والسيارة التي إما تحتاج إلى صيانة دورية أو قسائم للوقود، إلى جانب قروض المصارف وغيرها من الالتزامات.
والمثير للاهتمام أن هناك كتابا صحافيين شعارهم الدفاع عن المصلحة العامة وأفعالهم عكس التيار، فبدلا من أن يطالبوا بتحسين رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص لتصبح على الأقل قريبة من الدول المجاورة، تراهم بدؤوا يقرعون الطبول لزعزعة إرادة النواب وثنيهم عن الضغط باتجاه تخصيص مبالغ لعلاوة الغلاء للسنتين الماليتين (2009-2010)، وفي قلبهم خوف يتجاوز حذر الحكومة من وصول الموازنة إلى مرحلة الإفلاس أو بالأصح «البقاء على الحديدة».
الظاهر يشير إلى عدم وجود شريحة من الناس تعاني من الفقر والحرمان، ولكن الباطن يفصح عن حالات لا تملك أن تسير أمورها في بداية الشهر بعد أن تبعثرت أموالها على أبواب المصروفات، ولكنها تلتزم الصمت وتتعفف عن السؤال أو مد الأيدي للآخرين، وهؤلاء لا يعلم بحالهم إلا الله سبحانه وتعالى ثم الصناديق الخيرية التي تقدم لهم المساعدات العينية والمالية أحيانا.
ومن بين هذه المجموعة المعدمة، أناس لم يحصلوا على علاوة الغلاء لأسباب مختلفة حتى بلغوا اليوم الذي أغلق فيه باب قبول الطلبات ولم يطرأ على وضعهم أي تغيير، وبالتالي فإن المشاورات والمفاوضات إذا انتهت بعدم مقدرة الدولة على تخصيص مبالغ لاستمرار العلاوة، فلن ينالوا شيئا من الخير الذي أصاب غيرهم
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ