العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

تربية الحرية ولقطاء الثقافة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ورشة العمل للإعلاميين الخليجيين التي نظّمتها شبكة الديمقراطيين في العالم العربي، بالتعاون مع «الوسط»، كانت فرصة طيبة للتعرف على عدد من الزملاء بصحف خليجية عدة، أكثرهم من السعودية الشقيقة.

على هامش الورشة، تم توزيع عدد من الكتب والإصدارات على الحاضرين. أحد هذه الكتب شدني من اللحظة الأولى بعنوانه «تربية الحرية... بين ثقافة القصور وثقافة الشارع»، وكان خير بطاقةٍ للتعرّف على صاحبه الزميل منصور القطري.

الكتيب في 92 صفحة من القطع الصغير، في طبعةٍ أنيقةٍ تغري بالقراءة، وهكذا سهرت معه حتى الساعة الثالثة فجرا، لأكمله في الصباح.

القطري حاصلٌ على الماجستير من جامعة ويسكانسن الأميركية، ودبلوم من ماليزيا وبريطانيا، ويعمل مستشارا إداريا، وله بحوث ميدانية ومساهمات إعلامية في الصحافة والإذاعة. مع كل هذه المؤهلات لا تجد لديه عقدة في استخدام المصطلحات اللاتينية ليثبت أنه «مثقف كبير»، فلغته عربية سهلة وجميلة، وأمثلته وشواهده منتقاةٌ بعنايةٍ من مصادر عربية وأجنبية ليعزّز طرحه وحججه.

الكتيب الصغير الدسم، يستهل بالآية الكريمة: «لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك...»، ويطرح عناوين كبرى تتصل بحياتنا وعصرنا: ثقافة الشارع والسلطة، ظاهرة موت المثقف، أزمة المثقف والمرجعية الغربية، سلطة المثقف المعنوية وأنواع علاقته بالسلطة... وكلها عناوين في الصميم.

التمهيد يبدأ بكلمتين قاسيتين: الأولى لعبدالملك بن مروان تقول: «والله لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه». والثانية للحجّاج الثقفي: «والله لا آمُر أحدا أن يخرج من بابٍ من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه». وهي كلماتٌ لا تخرج إلا من أفواه الطغاة الذين نبُزّ بهم طغاة بقية الأمم كما قال أحد المحدثين. وعندما تعرضها على القرآن ومبادئ الإسلام، وقيم الحق والعدل... تراها في غاية التطرّف والإجرام.

الكتيّب نتاج تأملات عميقة على ضوء مشاهدة مسلسل «الحجاج» الذي أنتجته الدراما السورية، فهي ترتبط بقضايا التسلط وجبروت القوة، والسادية التي تتضخّم في غياب المساءلة، وما تنتجه الأنظمة القمعية من أمراض نفسية، وحالة انكسار للضحية والجلاد معا.

في سياق رصده لظاهرة التسلّط، يطرح المؤلف سؤالا: هل القبيلة في مجتمعاتنا مصدر قوة أم عامل خضوعٍ وتكريسٍ لظاهرة الطغيان؟ وهو يستلهم كما يبدو خطا إمام عبدالفتاح في كتابه عن «الطاغية» في الشرق والغرب، وما يجره التكالب على خدمة السلطة من مسخٍ للمثقّفين الذين يتنافسون على تقديم نظريات وفلسفات فاسدة تبرّر الطغيان.

المؤلف يستشهد بالجابري الذي يصف هؤلاء بالمثقفين اللقطاء، الذين ينتشرون كالفطريات السامة في أروقة الدولة التسلطية، حيث تختفي المشاريع الثقافية وينحصر همّهم في التملق وتبرير سياسات الحكم، حيث يستخدمون «ثقافتهم» في الدفاع عن قرارات السلطة، والهجوم على خصومها بطرق جدليةٍ عقيمةٍ ومقزّزةٍ ومكشوفةٍ للجميع.

هل من جديد؟ يقول القطري: كان هناك استثناء في تاريخنا، حين كان النصحُ لا الخوف والقمع والسجن يحكم علاقة رجلين، كانت مراسلاتهما تخلو من ألقاب التفخيم، وتبدأ بعبارة: «من الحسن البصري إلى عمر بن عبدالعزيز»، الذي مال إلى الحوار مع الخصوم، وهو ما أهاج عليه لقطاء الثقافة المتملقين من هواة جمع الأراضي وكنز الأموال

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً