صدر أخيرا كتاب جديد للدبلوماسي الإسباني المتقاعد ماكسيمو كاخال تحت عنوان «سبتة ومليلية أوليفنسا وجبل طارق... أين تنتهي إسبانيا»، وذلك على رغم معارضة عدد من القوى السياسية والسلطات المحلية الإسبانية بالمدينتين المغربيتين السليبتين.
وعلى رغم أن هذا المؤلف أثار جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية فإنه استفاد مع ذلك من دعم مالي من وزارة التربية والثقافة الإسبانية من خلال الإدارة العامة للكتاب والأرشيفات والخزانات بلغت قيمته 4850 يورو.
وكانت السلطات المحلية الإسبانية بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين طلبت الأسبوع الماضي من دار النشر «سيغلو 21» (القرن 21) أن تؤجل إصدار الكتاب الذي عرض للبيع منذ يوم الخميس الماضي في المدن الإسبانية الرئيسية وعلى رأسها مدريد.
ويقول ماكسيمو كاخال الكاتب العام السابق في السياسة الخارجية الإسبانية والمستشار في السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني حاليا في الكتاب الذي يقع في 303 صفحة إن على إسبانيا أن تعيد النظر بطريقة جذرية في موقفها من «قضية مدينتي سبتة ومليلية وما تبقى من وجودها على السواحل المغربية».
سبتة مقابل جبل طارق
وذكّر بالاقتراح الذي تقدم به ملك المغرب الراحل الحسن الثاني نهاية ثمانينات القرن الماضي بإحداث خلية للتفكير في مستقبل المدينتين، وكذا بخطاب العرش في 29 يوليو/ تموز 2002 الذي جدد فيه الملك محمد السادس التأكيد على «مواقف بلاده بشأن ضرورة استكمال الوحدة الترابية» للمملكة.
ويضيف كاخال أن الوجود الإسباني بسبتة ومليلية والجزر المجاورة يشكل «انتهاكا متواصلا للوحدة الترابية للبلد الجار وتناقضا سافرا مع الخطاب الإسباني بشأن مستعمرة جبل طارق البريطانية».
ودعا مؤلف الكتاب مدريد إلى الشروع «في تفكير مشترك مع الرباط، يتناول كل جوانب القضية من دون استثناء بقصد التوصل إلى حلول معقولة ومقبولة من البلدين، ولكن من دون مساومة من الجانب الاسباني، كيفما كانت الآليات والآجال، على مغربية المدينتين المحتلتين».
ويؤكد الكاتب أن «مخلفات التاريخ هذه تعوق التطور العادي للعلاقات» بين الرباط ومدريد، مذكرا أن محاولات تحرير مدينتي سبتة ومليلية تعود إلى عهد أبوسعيد عثمان الثالث السلطان في الدولة المرينية (الأسرة الملكية الرابعة في المغرب بعد الفتح العربي الإسلامي) الذي أعلن الحرب على البرتغال ما بين 1418 و 1419، وكذا عهد السلطان محمد الشيخ مؤسس الدولة الوطاسية (الأسرة الملكية المغربية الخامسة).
وقال إنه بعد فشل المحاولات العسكرية لاسترجاع سبتة ومليلية خلال القرون 16 و17 و18 لم يتوقف المغرب عن المطالبة باسترجاع المدينتين منذ القرن 19 بالطرق الدبلوماسية. مضيفا أنه بعد الحماية جدد المغرب مطالبه إذ أحال القضية على الأمم المتحدة سنة 1961.
ولا يعد كتاب «سبتة ومليلية...» الكتاب الإسباني الوحيد الذي اعترف بمغربية المدينتين والجزر المجاورة لهما ودعا إلى إرجاعهما إلى المغرب، فقد تم الدفاع عن المواقف المنشورة في هذا الكتاب الذي ألفه الدبلوماسي الإسباني المتقاعد قبل ذلك في كتب وكتابات ومواقف سياسية سابقة في إسبانيا منذ بداية القرن الماضي.
دعوة لتصفية الاستعمار
وقد سبق كاخال الأكاديميان إينريكي كاراباثا وماكسيم دي سانتوس في كتابهما الصادر العام 1993 تحت عنوان «مليلية وسبتة... آخر المستعمرات» اللذان يؤكدان أن «إسبانيا مازالت متشبثة في تحدٍ لقوانين المنطق والتاريخ والجغرافيا بثلاثة وثلاثين كم مربع على الساحل المتوسطي المغربي» من أصل أكثر من 500 كم.
ويعتبر هذان الجامعيان أن تشبث إسبانيا بوجود عسكري وسياسي في سبتة ومليلية وسلسلة من الصخور والجزر الصغيرة يقوم على حجج أمنية لـ «تبرير تسلح مكثف وزيادة تأثيرها السياسي داخل مراكز القرار والسلطة»، ويدعوان بالتالي إلى «تصفية استعمار الثغرين كإجراء عادل من وجهة نظر ديمقراطية ومناهضة للاستعمار» ويؤيدان في الوقت نفسه إعادتها.
كما وقف الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني في مطلع القرن العشرين على رأس الحركة المناهضة للاستعمار، ودعا النائب الاشتراكي إينداليسيو برييتو العام 1918 في البرلمان إلى سحب الجيش الإسباني من التراب المغربي على رغم توقيع معاهدة الحماية. وشدد الحزب الشيوعي الإسباني منذ تأسيسه العام 1924 على انسحاب الاسبان من المدينتين. وفي العام 1975 حدد موقفه في «النقطة 30 من برنامجه الانتخابي» والتي تؤيد إعادتهما إلى المغرب.
وقد دافع مرشح الحزب الشيوعي الإسباني في مليلية للانتخابات العامة لويس خيمينيس باسكيث في 15 يونيو/ حزيران 1975 خلال الحملة الانتخابية على فكرة إعادة المدينتين إلى المغرب. وفي 1986، طالب زعيم تحالف اليسار خيراردو إيغليسياس إسبانيا بفتح مفاوضات مع المغرب عن تصفية الاستعمار بالمدينتين.
وفي كتابه الأخير «آخر حرب مع المغرب... سبتة ومليلية» الصادر العام 1983، اقترح الصحافي دومينغو ديل بينو في مطلع الثمانينات إقامة فترة انتقالية لـ «أندورا مغربية» بسيادة مشتركة في مدينة سبتة بين الملك الإسباني خوان كارلوس الأول والملك المغربي الراحل الحسن الثاني وخلق إدارة مشتركة في المدينة.
بل إن عضوا في «جمعية سبتة ومليلية الإسبانيتين» وهو مانويل ليريا دي ساراشو اعترف في كتابه «سبتة ومليلية وسط السجال» الصادر العام 1991 أن المغرب لابد وأن يجد في تشريع الأمم المتحدة أساسا قانونيا لمطالبه، مؤكدا أن عودة المغرب إلى «الحياة الدولية» في نهاية الحماية تميزت بتبني موقف يطالب باسترجاع ثغوره في مواجهة قوى الحماية وهو ما مثل «سلوكا منطقيا».
أين تنتهي اسبانيا؟
من جهته يدافع الأكاديمي والخبير في القانون الدولي أنخيل باليستيروس في كتابه «النزاع السياسي الخارجي لإسبانيا» الصادر العام 1998 عن كون المطالب المغربية تتقوى كذلك انطلاقا من فلسفة المغرب العربي الكبير، مشيرا إلى أن «معاهدة طنجة» الموقعة في شهر أبريل/ نيسان 1958 تدعو إلى التضامن المغاربي الكامل من أجل وضع حد لكل أشكال الاستعمار في المغرب العربي.
أما الدبلوماسي المتقاعد وسفير إسبانيا السابق في المغرب ألفونسو دي لا سيرنا فيدافع في كتابه المعنون «جنوب طريفة» الصادر العام 2001 عن أن إحدى المصالح الدائمة لإسبانيا «توجد في السلم والصداقة مع المغرب وفي حل نزاعاتنا بالطرق السلمية». واقترح «القيام بمجهود من شأنه المساعدة على حل النزاع الترابي بين المغرب وإسبانيا».
تجدر الإشارة إلى أن المؤلَّف الأخير والصادر بعنوان «سبتة ومليلية أوليفنسا وجبل طارق... أين تنتهي إسبانيا» يتطرق بالإضافة إلى الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية، يتطرق أيضا إلى الاحتلال الإسباني لمدينة أوليفنسا البرتغالية بمحاذاة الشمال الغربي للبرتغال، كما يتطرق أيضا للاحتلال البريطاني لصخرة جبل طارق التي تطالب مدريد باسترجاعها منذ قرون، وهو ما يتوافق زمنيا بمطالب المغرب بأراضيه المحتلة
العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ