العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

العلاقات الجنوبية - الجنوبية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحت وطأة الضغوط التي ولدتها الأزمة الاقتصادية العالمية، استحوذت الأوضاع في الغرب على وسائل الإعلام وورش العمل والمؤتمرات التي جيرت قنواتها فعالياتها من أجل التركيز على تلك الأوضاع، واضعة نصب أعينها ضرورة التوصل إلى الحلول الصحيحة التي من شأنها انتشال الغرب مما هو فيه، ومما وصل إليه، بما في ذلك تناول العلاقات القائمة بين الشمال والجنوب، وإمكانات تطويرها، بما يضع حدا لتلك الأزمة. وفي خضم كل ذلك، كان هناك تجاوز ملحوظ، أو بالأحرى إغفال لقضايا لاتقل أهمية من حيث دورها في علاج الأزمة والحد من اتساع نطاق تداعيات ذيولها، مثل العلاقات بين الجنوب والجنوب.

وهذه القضية، أي العلاقات الثنائية أو الجماعية بين دول الجنوب ليست قضية طارئة، أو موضوعا جديدا، بل يعود تاريخها إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي، وتحديدا 15 يونيو/ حزيران 1964 عندما أطلقت مجموعة الـ 77 إعلان جنيف، وتلاه في أكتوبر/ تشرين الأول موتمر الجزائر. ويبدو أن الجزائر كانت من الدول التي أخذت على عاتقها مسئولية الترويج للفكرة، إذ نجد الإشارة تتكرر كثيرا في تصريحات العديد من المسئولين فيها في المناسبات العالمية والوطنية. على سبيل المثال نجدها في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح دورة ربيع 1987 للمجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، يؤكد رئيس المجلس رابح بيطاط على ضرورة تكثيف جهود الجزائر للبحث «عن أنجح سبل التكامل بين دول الجنوب، ومواصلة الجهد من أجل أن يقوم العالم الثالث بعمل ملموس نحو إقامة نظام دولي جديد».

في نطاق العلاقات الجنوبية - الجنوبية، نمت أيضا بعض العلاقات الإقليمية، لكن على نطاق كتل أصغر، وجدت، فيما بينها الكثير من التشابه، من أمثال الكتلة الإسلامية، والتي أكدت أكثر من مرة في أكثر من لقاء جمع أعضاءها على ضرورة الالتفات للعلاقات الجنوية - الجنوبية. يدلل على ذلك ما ورد في التقرير المقدم إلى اجتماع الدورة الرابعة والعشرين للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي (الكومسيك)، المعقد في إسطمبول في الفترة من 20- 24 أكتوبر/ تشرين الثاني 2008، حول أنشطة الغرفة الإسلامية، والذي يتحدث صراحة عن مجموعة من المشروعات التي جسدت التعاون بين اللجنة والوحدة الخاصة بتعاون الجنوب الجنوب التابعة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إن كان ذلك على مستوى بناء أدلة لسيدات الأعمال، أو بنك معلومات من أجل تجميع المعلومات الاقتصادية والبيانات، أو نقل التكنولوجيا من خلال التعاون مع بوابة الجنوب الجنوب (SS-Gate System) والذي هو عبارة «عن مشروع للوحدة الخاصة بتعاون الجنوب الجنوب التابعة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ويركز المشروع على ثلاث نواحٍ رئيسية هي: تطوير السياسات لتوسيع نطاق التعاون فيما بين دول الجنوب، تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تقليص الفقر، وإدارة المعرفة».

وفي السياق ذاته، زفي نطاق الحديث عن لقاءات الكتل الأصغر، عقد مؤخرا لدول الجنوب الإقرايق الخمسة عشر(جنوب إفريقيا، أنغولا، تنزانيا، زيمبابوي، زامبيا، بوتسوانا، موزمبيق، الكونغو الديمقراطية، ليسوتو، نامبيا، مدغشقر، ملاوي، موريشوسش، سوازيلاند، سيشيل) من أجل مناقشة الصعوبات التي لاتزال تقف عثرة أمام أي تعاون فيما بينها، بما في العبور التجاري بين أراضيها، والتجارة البينية بين دولها.

ولعل أهم عقبة، والتي ربما تثير الاستغراب، هو ارتفاع كلفة الرسوم التجارية فيما بينها، ووفقا لما نقلته وكالة انتر بريس سيرفس على موقعها على لسان مدير منظمة «وحدة بحوث السياسة الاقتصادية» في نامبيا كلاوس شيد، الذي أكد بأن «خفص الرسوم هو مجرد جزء من عملية التكافل الإقليمي الذي يتطلب أيضا إزالة عقبات الإعفاء الجمركي، وتطوير الينية التحتيه للنقل، وتعجيل إجراءات العبور في نقاط الحدود، (منوها إلى أن كلفة نقل شحنة (بضائع) من تنزانيا إلى أوغندا أو رواندا، تعادل نفس تكلفة نقلها من الصين إلى تنزانيا، بسبب ارتفاع تكاليف النقل».

باختصار شديد، لاتزال العلاقات التجارية بين دول الجنوب بحاجة إلى إعادة النظر فيها، من منطلق المصلحة الإقليمية العامة الشاملة، بدلا من الدخول لها من الزاوية القطرية الضيقة التي هي بحد ذاتها كفيلة بوضع العصا في ترس عجلة بناء علقات التعاون بين دول الجنوب.

ولاتختلف البلدان العربية، عند الحديث عن العلاقات التجارية، والقوانين التي تحكم التجارة البينية فيما بينها، والأنطمة المعمول بها في تسيير الإجراءات الجمركية بين حدودها، كثيرا عما هو قائم في الدول الإفريقية. إذ إن كلفة تصدير (أي شحن) ألمونيوم من البحرين إلى لبنان عبر الأراضي العربية، تفوق بما لايقاس تصديره إلى لبنان عبر البحر عن طريق الموانئ الإيطالية. ولاتتحمل شركات الألمنيوم أية مسئولية من جراء ذلك، بقدر ما هي إحدى ضحايا تلك الأنظمة التي لايكف المسئولون العرب عن الدعوة إلى إزالتها، لكن دعواتهم لاتتجاوز حدود الغرف التي يجتمعون فيها.

لقد آن الأوان، إن كانت هناك نوايا صادقة، كما جاءت في البيان الختامي الصادر عن قمة الكويت، في كسر الحواجز التي تعيق حركة التجارة البينية بين البلاد العربية، كي تبدأ جرارات كنس تلك القوانين من جذورها في إنجاز مهماتها قبل أن يكون الوقت متأخرا

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً