تفرض العولمة جملة من التحديات على الاقتصاد البحريني والمطلوب مواجهتا بسياسات واقعية لغرض الاستفادة منها. تهدف العولمة إلى إزالة القيود التجارية بين الدول وانكشاف الأسواق العالمية على بعضها. بادئ ذي بدء لابد من الإشارة إلى أن المسألة لا تتمثل في هل نرغب بالعولمة أم لا إذ إن العولمة واقع مفروض والمطلوب التكيف مع انعكاساتها.
تؤدي العولمة بالضرورة إلى المنافسة والمؤكد أن فوائد المنافسة تشمل تحسن مستوى الخدمات وتدني الأسعار. العولمة قد تهدد المؤسسات الكبيرة أو تلك التي تفشل في تغيير أوضاعها لأسباب كثيرة تشمل وجود البيروقراطية أو الإجراءات الإدارية المعقدة. أما المؤسسات الصغيرة ربما تكون أكثر قابلية للاستفادة من الفرص الجديدة نظرا إلى سرعة اتخاذها للقرارات والتكيف مع الواقع الجديد. يعجبني في هذا السياق الخطوات التي اتخذتها في الآونة الأخيرة شركة البحرين المالية بفتح فروع لها في مختلف المجمعات التجارية وغيرها من المناطق الرئيسية مثل شارع المعارض، وكذلك تطوير فرع المطار.
توفر العولمة مجالا رحبا لجني الثمار من القطاع المالي المتميز خصوصا صناعة البنوك الإسلامية، وذلك عن طريق جلب الآخرين إلى البلاد وتوفير خدمة التدريب لهم إذ إن البحرين تعتبر المركز الرئيسي في العالم في مجال المالية الإسلامية. ويذكر أن العولمة أصلا موجودة في القطاع المالي إذ يفوق عدد المصارف الأجنبية التجارية مثيلاتها البحرينية وتواجه المصارف المحلية منافسة من مصارف عالمية مثل سيتي بنك. أعتقد أن إنشاء مشروع مرفأ البحرين المالي خطوة صحيحة ويمكن اعتبارها من بركات العولمة
العولمة لا تعني بالضرورة غزو الشركات العالمية للسوق البحرينية لأن الأمر مرتبط بحجم الاستفادة المحتملة. مثلا لم تقدم الشركات العملاقة في مجال الاتصالات من أميركا وبريطانيا وألمانيا بعطاءات لدخول سوق تليفونات النقال بعد قرار الحكومة منح ترخيص ثان لمنافسة شركة بتلكو في توفير الخدمة. وفازت شركة ام تي سي الكويتية بالعقد لمدة 15 سنة ويوجد تعاون فني بين شركة فودافون البريطانية والشركة الكويتية.
من جهة أخرى تفرض العولمة المتمثلة في منظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولي شروطا والتزامات على البحرين مثل منع التمييز في الرواتب بين العمالة الوطنية والأجنبية. أيضا تقتضي شروط منظمة التجارة العالمية السماح للعمال الأجانب بالقيام بمسيرات سلمية للمطالبة بتحسين ظروف العمل وأعتقد أن هذا أمرا حسنا بالنظر إلى قيام بعض المؤسسات بإساءة معاملة العمالة الأجنبية.
تدعو أدبيات الفكر الاقتصادي إلى اعتبار التحديات فرصا جديدة للنجاح وليست بالضرورة عقبات. أعتقد أن العولمة توفر فرصة ذهبية لتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية وإفساح المجال أمام تصدير المزيد من السلع والخدمات إلى الخارج.
طبعا من الخطأ الاعتقاد بأن العولمة تشكل خطرا محدقا بالدين الإسلامي الحنيف بل توفر فرصة لنشر القيم السمحة والصورة الصحيحة عن الإسلام في أرجاء المعمورة. ولا أعتقد بأنه من الصواب اعتبار العولمة خطرا بحد ذاته بالمجتمع البحريني لسبب بسيط وهو انفتاح البحرين أصلا على الثقافات الأخرى
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ