قبل عدة أيام اجتمع ممثلو 37 نقابة في نادي طيران الخليج واتفقوا على توحيد جهودهم ومناهضة محاولات الانشقاق وهم الآن يمهدون لعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في النصف الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل. ومن المتوقع أن يستمر المؤتمر ثلاثة أيام تحت رعاية من القيادة السياسية وستحضر المنظمات العمالية الدولية والعربية لمراقبة عملية التأسيس وسيتم اعتماد «دستور اتحاد النقابات» الذي أعدت مسودته اللجنة التحضيرية بحسب برنامجها الذي شمل اللقاءات مع مختلف النقابات العمالية.
عملية التأسيس استمرت أكثر من سنة منذ أن أصدر جلالة الملك في 24 سبتمبر/ أيلول 2002م مرسوما رخص بإنشاء الاتحاد النقابي. ومنذ ذلك الحين كانت هناك عدة آراء عن طريقة التأسيس، ولكن تواصل النقابات في لقاءاتها وسعيها نحو توحيد صفوفها بالإضافة إلى الاستعانة بمنظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، مكنها من إعداد المسودة الأساسية وتشكيل لجنة تنسيقية بمشاركة مستشارين دوليين وعرب. وعلى هذا الأساس الصلب تمكنت من تخطي الكثير من الصعاب وأثبتت أن عمال البحرين قادرون على تأسيس تنظيم نقابي ديمقراطي يمثلهم داخل وخارج البحرين عما قريب إن شاء الله.
العمال توفقوا في أنشطتهم التوفيقية واشتملت كوادرهم على بعض النساء من بينهن رئيسة نقابة العاملين في قطاع الفندقة سعاد مبارك.
هذا هو شأن العمال ونقاباتهم، ولكن أين وصل الأمر بالاتحاد النسائي؟ فالاتحاد النسائي يبتعد يوما بعد يوم عن تحقيق هدفه لأسباب ذاتية وخارجية. فبادئ ذي بدء كان هناك قانون صدر في أواخر أيام وزير العمل السابق عبدالنبي الشعلة في الوزارة يسمح بإنشاء الاتحاد النسائي. ولكن القانون لم ينشر في الجريدة الرسمية، ما عطل وضعه القانوني، ثم تسلم مجلس الشورى القانون وطرح عليه التعديلات وعرضه على الحكومة لكي تصوغه وترجعه إلى مجلس النواب، إلا أن الحكومة تلكأت ولم تحرك القانون وبقي في الأدراج.
النساء أنفسهن منقسمات؛ فالمؤسِسات ينتمين للجمعيات النسوية اليسارية والليبرالية القديمة ورفضن دخول الجمعيات النسوية الجديدة التي سيطرت عليها الاسلاميات. وهذا دفع النساء في الجمعيات الجديدة إلى تشكيل تحالفاتهن المستقلة عن الاتحاد، وبدا وكأن اللغة الشقاقية هي الأساس حتى اقتنعت بعض الناشطات في العمل التحضيري للاتحاد بإشراكهن. ولكن اللجنة التحضيرية ليس لديها أي حماس ولم تستطع إلى الآن عقد اجتماع بنصاب مكتمل لإدراج اسماء الجمعيات الأخرى. كما أن الجمعيات النسائية لا يبدو أن لديها أي اهتمام (مماثل للعمال) الذين أصروا على اللقاء بحضور مستشارين دوليين وعرب للتوفيق فيما بينهم.
الجمعيات الليبرالية تتوجس من الجمعيات الاسلامية لعدة أسباب. فمن جانب ستسيطر الاسلاميات بأعدادهن الكبيرة ومن جانب آخر فإن الجمعيات النسوية الاسلامية مازالت تابعة للأجندة التي يضعها لها «الرجل»، على حد تعبير عدد غير قليل من الناشطات والاختصاصيات في مجال العمل النسوي. وهذا يعني أن العمل النسوي سيكون فرعا تابعا لما يريده «الرجل» الذي يسيطر أيضا على الجمعيات السياسية ويحرك الأجندة العامة.
هذه الهواجس والمخاوف منعت إلى الآن من تقارب الجمعيات النسوية وحرمت النساء من تأسيس اتحادهن الذي طالبن به منذ عقود. وهذا يؤكد مقولة أن الديمقراطية ليست تشريعا من قبل السلطة فقط، وإنما هي ثقافة تحتاج إلى سمات وصفات ذاتية لمن يسعى إلى ممارستها، ومن دون هذه السمات فإنه لا فرق بين السماح أو عدم السماح بالعمل الديمقراطي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ