اتسمت بعض المشاريع الاقتصادية والتي تم تداولها في القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتي استضافتها الكويت بتاريخ 19 و20 يناير/ كانون الثاني الجاري بعدم الواقعية. والإشارة هنا إلى أمور مثل الربط البري بالسكك الحديد بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية. ويمكن الجزم بأنه من الصعوبة بمكان أو الاستحالة الحديث عن الربط البري في ضوء البعد الجغرافي بين البلدان العربية.
تتوزع الدول العربية وعددها 22 بلدا على قارتين (آسيا وإفريقيا) خلافا لما عليه الحال بالنسبة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي (27 دولة) القريبة من بعضها. يشار إلى أنه حتى الآن لا يوجد ربط بري بالسكك الحديد بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على رغم القرب الجغرافي بين الدول الست ربما بسبب الكلفة المالية. لكن هناك مقترحا أوروبيا لإنشاء شبكة قطارات تربط دول مجلس التعاون الخليجي.
تمويل المشاريع التنموية
كما أن الحديث عن رفع مستوى معيشة المواطن العربي لن يمكن تحقيقه في حال واصلت بعض الدول العربية (والخليجية منها خصوصا) فرض تأشيرات على المواطنين العرب الراغبين الدخول للعمل فيها. نقول ذلك في ظل منافسة من قبل العمالة الوافدة من الدول الواقعة في جنوب آسيا تواقة للعمل بأجور متدنية نسبيا.
بالمقابل، نعتقد بصواب إنشاء صندوق لدعم وتمويل المشاريع التنموية الأمر الذي ينصب في خدمة تطوير البنية التحتية في الدول الأكثر حاجة من غيرها. وكان لافتا تقديم الكويت (البلد المضيف) مساهمة قدرها 500 مليون دولار من أصل ملياري دولار رأس مال الصندوق. يحدونا الأمل في أن يساهم الصندوق في توفير التمويل اللازم وبشروط ميسرة لتنفيذ مشاريع تنموية مثل تطوير الموانئ وشبكة الطرق ما يعزز من فرص تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء.
الأزمة المالية
كما نؤيد تطرق القمة للأزمة المالية العالمية وإقرارها دعم الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية لمساعدة الدول الأعضاء التكيف مع تداعيات المعضلة. بيد أنه تكمن المعضلة بعدم معرفة حجم تداعيات الأزمة بشكل كامل وذلك على خلفية الكشف عن المزيد من حالات التدهور بين الحين والآخر. وكانت تقارير صحافية قد أشارت عشية انعقاد القمة بأن الدول العربية خسرت جزءا كبيرا من الأصول التي تمتلكها في الخارج.
تبلغ قيمة الأصول المملوكة لدول مجلس التعاون الخليجي وحدها نحو 1500 مليار دولار. يبلغ حجم أصول الصندوق السيادي للإمارات نحو 875 مليار دولار. هناك مزاعم بحدوث خسائر كبيرة نسبيا في قيمة الموجودات التابعة إلى الإمارات على وجه التحديد.
الاتحاد الجمركي
والأهم من كل ذلك، لا بد من الإشادة بمشروع الاتحاد الجمركي العربي والمزمع تدشينه في العام 2010 وتطبيقه بالكامل في 2015. ومن شأن نجاح تنفيذ المشروع تعزيز اعتماد الدول العربية على بعضها وبالتالي تسهيل تطبيق المشروع الطموح؛ أي إقامة السوق العربية المشتركة. وكانت الدول العربية قد كشفت في العام 1998 عن إقامة منطقة التجارة الحرة في العام (وهي مرحلة تسبق الاتحاد الجمركي) وعلى مدى عشر سنوات. بيد أن المشروع دخل حيز التنفيذ في العام 2005 بسبب بطء إجراءات المصادقة في بعض الدول العربية.
للأسف الشديد، مازالت التجارة البينية بين الدول العربية ضعيفة على رغم مرور عدة سنوات على سريان مشروع التجارة الحرة. تشير أفضل الإحصاءات المتوافرة على أن التجارة البينية لا تتجاوز في أحسن الأحوال نحو 12 في المئة من تجارتها مع العالم. بل إن السواد الأعظم من هذه التجارة هي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، عُمان، والبحرين). بدأت دول مجلس التعاون بتطبيق مبدأ الاتحاد الجمركي في مطلع العام 2003. يلزم مشروع الاتحاد الجمركي الدول الأعضاء بتوحيد سياساتها التجارية مع الدول غير الأعضاء. كما بدأت دول مجلس التعاون بتطبيق مبدأ السوق المشتركة في مطلع العام 2008 ما يعني إطلاق العنان لقوى الإنتاج بالتحرك في الدول الأعضاء من دون أية عراقيل. ومن المقرر تدشين مشروع الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون في العام 2010.
تشير الإحصاءات المتوافرة والقليلة أصلا إلى أن هناك تجارة محدودة بين الدول العربية. على سبيل المثال وليس الحصر، لا توجد تجارة بينية تذكر بين البحرين وموريتانيا، والحال نفسه ينطبق على المغرب وجزر القمر. لكن هناك تجارة قوية نسبيا بين دول مجلس التعاون من جهة والهند من جهة أخرى. لا شك في أن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو عامل الجغرافية. بالمقابل، تشتهر دول الاتحاد الأوروبي بأن قيمة تجارتها البينية تقترب من 70 في المئة من تجارتها مع العالم الخارجي. أيضا تبلغ نسبة التجارة البينية بين الدول الأعضاء في منظمة (آسيان) الواقعة في جنوب شرق آسيا نحو 40 في المئة من تجارتها الدولية.
القطاع الخاص
إذا كانت التجارة العربية البينية (15 في المئة في أحسن الأحوال من تجارتها مع العالم) ضعيفة في الماضي فإنها بكل تأكيد لن تتطور بشكل لافت في عصر منظمة التجارة العالمية والعولمة. لاحظ في هذا الصدد قيام بعض الدول العربية (الأردن، المغرب، البحرين، عُمان) بالتوقيع على اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وقد عمدت هذه الدول إلى إبرام اتفاقيات للتجارة بصورة منفردة طمعا منها في الوصول إلى السوق الأميركية لغرض المساهمة في إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية من قبيل البطالة وجلب الاستثمارات.
ختاما، ما يعبث على الاطمئنان هو رغبة مستثمري القطاع الخاص في تطوير الروابط التجارية بين الدول العربية بهدف جعل التجارة البينة العربية تمثل 20 في المئة من تجارتها الدولية. بيد أن المطلوب هو مشاركة ممثلي القطاع الخاص في صنع القرارات الاقتصادية. أيضا يطالب القطاع الخاص بإزالة القيود غير الجمركية مثل الأمور الفنية فضلا عن البيروقراطية
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ