العدد 426 - الأربعاء 05 نوفمبر 2003م الموافق 10 رمضان 1424هـ

عودة إلى فيتنام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تكرر الولايات المتحدة تجربتها المرة في فيتنام من جديد في منطقة «الشرق الأوسط» أم انها تستفيد من تلك الورطة وترتب اوضاعها قبل ان تكبر كرة النار؟

لا شك في ان ظروف العراق مختلفة كليا عن تلك الفيتنامية. الا ان الاختلاف التاريخي لا يعني ان احتمال التورط في المنطق اللا تاريخي غير وارد اطلاقا. فالاشرار الذين يتحكمون الآن بقرارات «البنتاغون» يدفعون واشنطن إلى المكابرة والمزيد من المواجهة المفتوحة من دون انتباه إلى ان تلك السياسة ستوسع دائرة الكراهية وتدفع الناس إلى اتخاذ مواقف سلبية من المشروع الأميركي مهما حاولت إدارة البيت الأبيض تزيينه بالشعارات والآمال والاحلام.

ليس جديدا القول ان ظروف فيتنام كانت مختلفة عن ظروف العراق. آنذاك في نهاية الستينات كان الوضع الدولي يمر في ظروف انقسامية تميل إلى تأييد الصين والاتحاد السوفياتي في جنوب شرقي آسيا. وأوروبا ايضا كانت منقسمة في تأييد الاستراتيجية الاميركية وغالبية دولها مالت في النهاية إلى الضغط على واشنطن لوقف النار والانسحاب. كذلك يمكن القول عن بقية شعوب العالم الثالث ودول عدم الانحياز. فالكل كان إلى جانب فيتنام ويريد لها الحرية والاستقلال والسيادة وترك شعبها يقرر مصيره.

الآن الاتحاد السوفياتي غير موجود، والصين تغيرت ايديولوجيتها (اشتراكية السوق)، كذلك غاب المعسكر الاشتراكي عن الساحة، وضعف دور منظمة دول عدم الانحياز وغيرها من منظمات دولية واقليمية وباتت الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على التصرف كما تريد في ظل وضع دولي غير متجانس مع سياستها.

الاختلاف حاصل بين ستينات القرن الماضي ومطلع العقد الأول من القرن الحادي، الا ان التشابه النسبي في الوضعين ليس قليلا. فروسيا تعارض التدخل في العراق، كذلك الصين، تضاف اليهما غالبية الدول الاوروبية والعالم الثالث ودول عدم الانحياز. فالكل يقف إلى جانب العراق ويريد له الحرية والاستقلال والسيادة وترك شعبه يقرر مصيره.

الولايات المتحدة تعيش حياة عزلة دولية في العراق كما كان شأنها في فيتنام مع فارق كبير ان واشنطن قادرة الآن على صنع ما تريد من دون مخاوف تذكر من «دول الضد». الفارق كبير لكنه ليس جوهريا لان قوانين الصراع ليست ثابتة، وما يبدو الآن للعالم هو الشكل النهائي للصورة فإن التغير مسألة واردة. فالثابت في النهاية ليس ثابتا والتغير هو القانون المطلق وما عداه هو مجرد لحظة زمنية في تاريخ طويل.

والسؤال هل تكرر الولايات المتحدة تجربتها مرة أخرى في العراق ومنه إلى «الشرق الأوسط» أم تستفيد من الدروس الماضية وتبدأ بتجميع قواتها تمهيدا لانسحاب مشرف تضمن نصوصه الشرعية الدولية وتشرف على تطبيقه قوات دولية (القبعات الزرق) إلى فترة محددة يتفق عليها مع «دول الجوار» والمنظمات والهيئات الاقليمية؟

حتى الآن تدفع كتلة الشر في البنتاغون إدارة البيت الأبيض نحو البقاء والمزيد من التورط. وواشنطن في حيرة من أمرها فهي ضائعة بين منطق العقل ولغة الجنون.

الأمر نفسه حصل في أيام فيتنام وتكرر الانقسام بين العقل والجنون. العقلاء نصحوا بالانسحاب وترتيب اتفاق مشرف يضمن المصالح ويوازن بين القوى والمجانين كانوا يحرضون ويدفعون بالمزيد من الجنود والمزيد من التورط والخسائر حتى انتهت الحرب بانسحاب مذل مهين.

كتلة الشر في البتناغون تحاول توريط واشنطن ودفعها نحو المزيد من الحروب في وقت هناك فرصة لادارة البيت الابيض بترتيب انسحاب يضمن توازن المصالح لكل الفرقاء في المنطقة والعالم... وبأقل كلفة مالية وبشرية ممكنة.

حتى الآن تبدو واشنطن تميل إلى معلومات كتلة الشر الكاذبة التي تضخم مسألة التسلل من خارج حدود العراق وتطلق سلسلة من الذرائع الغامضة عن وجود شبكات عالمية تنظم العمليات ضد الاحتلال. المعلومات كاذبة ومضخمة وهي تذكر بتلك الوثائق المزورة عن ملف «اسلحة الدمار الشامل» الذي اتخذ ذريعة للحرب على العراق. والكلام الآن عن المقاومة العراقية ووجود عناصر خارجية تنظمها وتديرها هو اقرب إلى التخمينات ولا يوجد اي دليل واضح يوثق ذاك الاتهام. فالاتهامات القصد منها تخفيف ثقل الخسائر والايحاء بوجود مخاطر اقليمية بغية دفع الإدارة الاميركية نحو المزيد من التورط وتوسيع دائرة الحرب ونقل الازمة إلى خارج حدود العراق.

تصدير الازمة ليس حلا لها بل هو خطوة نحو تضخيمها وتغذية عناصرها بالمزيد من القوى المتضررة من الاحتلال الاميركي.

الأمر نفسه حصل في فيتنام حين ازداد عنف المقاومة اذ اتهمت القوى المتطرفة في البنتاغون الدول المجاورة بانها مسئولة عن تسلل عناصر لضرب القوات الاميركية. وبدلا من ان تقدم واشنطن على الانسحاب في العام 1968 زادت من قواتها واتجهت نحو المزيد من التورط في لاوس وكمبوديا بذريعة ملاحقة الفلول المتسللة فكانت النتيجة غرق واشنطن في دائرة كبرى من النار اضافت إلى المقاومة الفيتنامية الملايين من البشر الكارهين للسياسة الاميركية. وانتهت الحرب بخروج واشنطن من الدول الثلاث. والسؤال هل تستفيد واشنطن من تلك التجربة المرة أم ان التاريخ سيعيد نفسه وتكرر إدارة البيت الابيض تورطها في منطقة مستعدة اصلا للتفاهم معها من دون حاجة إلى حرب؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 426 - الأربعاء 05 نوفمبر 2003م الموافق 10 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً