العدد 425 - الثلثاء 04 نوفمبر 2003م الموافق 09 رمضان 1424هـ

«القاعدة» كلمة تحير أجهزة الاستخبارات الغربية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كلفت النشاطات التي تحمل أجهزة الأمن الغربية مسئوليتها لمنظمة «القاعدة» آلاف القتلى حتى اليوم إضافة إلى خسائر تقدر بمليارات الدولارات كما أسهمت هذه النشاطات في تغيير العالم بصورة تفوق التغيير الذي أحدثته البرسترويكا الروسية. وتقدر أجهزة أمن غربية حجم الاستثمارات التي وفرها أسامة بن لادن لحصول هذا التغيير بقيمة نصف مليون دولار، وهي قيمة تمويل عملية تخطيط وتنفيذ هجوم 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 ضد الولايات المتحدة. بينما الولايات المتحدة منشغلة بالحوادث اليومية في العراق وأفغانستان وتنفق 170 مليون دولار يوميا على قواتها المنتشرة في البلدين، كي تحافظ على نفوذها فيهما، مازال زعيم منظمة «القاعدة» حرا طليقا وحوله مؤيدوه الذين على النقيض من رجال قوات الشمال المتحالفة في أفغانستان، لا يطالبونه بصرف أجور لهم إذ يكفيهم أنه يتحدى الولايات المتحدة ويدعو إلى ضرب مصالحها أينما كانت وذلك في الوقت الذي يظهر فيه تحيز الإدارة الأميركية لـ «إسرائيل» في نزاع الشرق الأوسط وصمتها على حرب الإبادة التي ينفذها شارون ضد الشعب الفلسطيني وكذلك شن حربين على أفغانستان والعراق. مثلما دعا بن لادن المجاهدين في الثمانينات لمحاربة الاحتلال السوفاتي ووعدهم بالجنة فإنه ينادي هذه المرة لمحاربة حلفائه السابقين في أفغانستان والأميركيين. ويستغل سياسة المكيالين التي تعمل بها واشنطن تجاه النزاعات في المنطقة العربية لتعزيز نفوذ منظمته التي لم تقض عليها حرب أفغانستان ولا حرب العراق ولا الحرب المناهضة للإرهاب.

تشير معلومات لوكالة الاستخبارات الأميركية سي آي إيه إلى أن فروع وخلايا منظمة «القاعدة» منتشرة في 60 بلدا في أرجاء العالم. وتعمل كل جماعة باستقلالية عن القيادة العامة والخلايا والجماعات الأخرى. وفي عام 1998 صدرت فتوى عن قيادة «القاعدة» تدعو المسلمين إلى قتل الأميركيين وحلفائهم، بين عسكريين ومدنيين. كما في السابق يستخدم أتباع بن لادن نظام الحوالة في تمويل نشاطات المنظمة في أرجاء العالم منعا لترك أثر وشك. ويعتمد هذا النظام المعمول به في الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال إفريقيا والصومال على الثقة وتهريب الأموال نقدا. على سبيل المثال يجري تحويل مبلغ من المال من كراتشي إلى لندن خلال ثوان معدودة. إذ يتلقى تاجر يعمل بنظام الحوالة في كراتشي مبلغا من المال ويحصل على كلمة سر. ثم يقوم شريكه في الخارج بدفع المبلغ إلى شخص آخر في لندن أو كوالالمبور مقابل الحصول على كلمة السر. وقد أثار نظام التمويل بهذه الطريقة أعصاب الموظفين في أجهزة الأمن الغربية. وهذا ليس المثال الوحيد الذي يجعل رصد موقع(الشيخ) بن لادن مسألة سهلة.

أسامة بن لادن أو الشيخ كما تصفه أجهزة الأمن الغربية، يعيش منذ وقت طويل في مناطق جبلية على الحدود الطويلة بين أفغانستان وباكستان ويعتقد أنه في مكان ما في محافظة كونار الحدودية. وهو لا يعيش مختفيا عن الأنظار كما كانت تظن أجهزة الإعلام الغربية بل يجد زعيم «القاعدة» الوقت الكافي لزيارة زوجاته اللواتي يعشن في مناطق تسيطر عليها قبيلة البشتون التي ينتمي إليها حميد قرضاي رئيس الحكومة المركزية المؤقتة في كابول. وتعتبر محافظة كونار مركزا رئيسيا للفصائل الأفغانية التي تناهض وتحارب حكومة قرضاي. ويوفر موقعها الطبيعي لأسامة بن لادن ورفيق دربه أيمن الظواهري فرصة للتحرك عبر السير على القدمين في مناطق جبلية لا يمكن وصولها إلا سيرا على الأقدام ويجد سكان هذه المنطقة أنهم أشد ولاءا للشيخ الذي يحمونه من ولائهم لحكومة كابول.

في كل مناسبة يقدم أسامة بن لادن للعالم وخاصة لأجهزة الأمن الغربية التي تلاحقه بتكليف من قادة وحكومات الدول المنضوية تحت مظلة الحرب المناهضة للإرهاب التي تشكلت قبل عامين بعد هجوم 11 سبتمبر. ويشاهد ملايين البشر عبر الشاشة الصغيرة صورا له ولمرافقه الظاهري وهما يتنزهان في مناطق وعرة. وقد توقف منذ وقت عن استخدام أجهزة الهاتف منعا للكشف عن موقعه وعوضا عن ذلك يبعث برسائله عبر مبعوثين يحملونها إلى وسطاء وبطريقة لا يعرف أحد الشخص الذي أوصل الرسالة إليه. بعد مضي عامين على الحرب التي أعلنتها واشنطن على منظمة «القاعدة» تم اعتقال ثمانية قياديين بينهم خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبه اللذان خططا لهجوم 11 سبتمبر. وكذلك أبو زبيدة الذي حصل منه المحققون الأميركيون على معلومات كثيرة تحت وطأة التعذيب ويعتقد أن القادة الثمانية تم نقلهم إلى معسكر اعتقال غوانتنامو في جزيرة كوبا إذ لا يخضعون للقانون الأميركي لأن المعسكر لا يقع على أرض أميركية ولا تسري عليهم معاهدة جنيف لأسرى الحرب لأن الولايات المتحدة تعتبرهم مرتزقة وليس جنودا.

تعتقد أجهزة الأمن الغربية أن هناك بين ألفين وثلاثة آلاف مؤيد لمنظمة «القاعدة» داخل سجون في أنحاء العالم. وتمتنع السلطات الأميركية عن ذكر عدد الذين تحتجزهم في سجن غوانتنامو كما تتجاهل انتقادات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. وعلى رغم أن هناك نحو عشرين سجينا أوروبيا بينهم فإن دول الاتحاد الأوروبي تتجنب الدخول في نزاع مع واشنطن ولا تطالبها بالإفراج عن مواطنيها أو تقديمهم للمحاكمة. وهناك أيضا سجن أميركي في بيرغرام الأفغاني وآخر في قاعدة السلاح الجوي في دييغو غارسيا في المحيط الهندي إذ تم اختيار هذه المواقع لفتح السجون فيها كي يجري التعامل وفقا لنظام حبس لا يخضع للقوانين الدولية. في الأشهر القليلة الماضية أشعر بن لادن العالم أنه بصحة جيدة خلافا للشائعات التي ذكرت مرة أنه فقد إحدى ذراعيه وفي مناسبة أخرى أنه توفي متأثرا بمرض الكليتين. ومع حلول الذكرى الثانية لهجوم 11 سبتمبر ظهر في شريط فيديو جديد وهو يتجول بحرية تامة بعيدا عن رقابة الأقمار الصناعية، ووجه نائبه الظواهري تهديدات جديدة للغرب وتوعده بكارثة. وتدرس أجهزة الاستخبارات الغربية الرسائل الصوتية التي تصدر عن بن لادن ونائبه وتمحص في رموزها ظنا أنها تحمل رسائل إلى المؤيدين في أنحاء العالم. وتقول تحليلات هذه الأجهزة إن أسامة بن لادن يعاني من مرض على رغم أنه يطمئن مؤيديه أنه يتمتع بصحة جيدة. لكن مرض أو وفاة بن لادن لن يجمد نشاطات «القاعدة» وفقا لتأكيدات خبراء أمن في أوروبا الذين يشيرون أن «القاعدة» بوسعها أن تعمل من دون بن لادن. وكشفت الرسالة الصوتية الأخيرة أن «القاعدة» تخطط لمعاقبة حلفاء واشنطن في حرب العراق، في بولندا وأسبانيا. وهي الحرب التي قامت بها الولايات المتحدة تعويضا عن فشلها في إلقاء القبض على بن لادن. بينما يخطط زعيم «القاعدة» لعمليات محتملة يتساءل الغربيون بعد عامين على عمر الحرب المناهضة للإرهاب عن جدية الاستراتيجية المتبعة حتى اليوم. على رغم الضغط الذي فرضته دول الحرب المناهضة للإرهاب فإن بن لادن والظواهري وغيرهما يختارون التوقيت الذي يناسبهم للخروج بتصريحات جديدة على الملأ. تغطية للفشل في الحصول على رأس بن لادن حولت واشنطن منذ وقت حرب العراق إلى مواجهة ضد الإرهاب وتتهم سورية بتسهيل عبور إسلاميين إلى أراضي العراق لمحاربة الجنود الأميركيين. كما ألقي القبض في منتصف أكتوبر/تشرين الأول على جزائري حاول التسلل من صربيا إلى البوسنة وتتحدث صحف البوسنة عن وصول عشرة مجاهدين تدربوا في أفغانستان. وتأخذ واشنطن هذه المعلومات على محمل الجد وتعتقد أن «القاعدة» أيضا تعمل في توسيع المواجهة معها ونقلها إلى مناطق أخرى ترابط فيها قوات أميركية. ففي البلقان أقام الإسلاميون في التسعينات معسكرات تدريب ويعرفون المنطقة جيدا

العدد 425 - الثلثاء 04 نوفمبر 2003م الموافق 09 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً