أقسمت الحكومة الاردنية اليمين برئاسة فيصل الفايز أمام الملك عبد الله الثاني، في خطوة رأت فيها الاوساط الاردنية أنها تندرج في سياق محاولة الاصلاح من خلال تعهد حكومة الفايز العمل باتجاه التنمية السياسية والاقتصادية ومكافحة الفقر والبطالة في الاردن واعطائهما الاولوية في اهتمامات الحكومة الجديدة.
وطبقا للمعطيات الاولى، فإن حكومة الفايز المؤلفة من 21 وزيرا، هي الحكومة الاقل عددا من الوزراء، وهي الوزارة الاولى في تاريخ الاردن، التي تدخلها ثلاث من النساء، حصلن على مناصب مهمة، ابرزها تولي المحامية اسما خضر الناشطة في ميدان حقوق الانسان منصب الناطق بلسان الحكومة، وهو منصب يقوم مقام وزير الاعلام بعد ان الغيت وزارة الاعلام في التشكيل الاخير، فيما تولت علياء بوران سفيرة الاردن في بلجيكا حقيبة السياحة والبيئة، والاستاذة الجامعية امل فرحان وزارة البلديات.
وفيصل الفايز البالغ من العمر 51 سنة، والمنتمي الى عشيرة بني صخر، احدى اكبر العشائر الاردنية، تلقى دراسته الجامعية في بريطانيا ويحمل دبلوما في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن الأميركية، جرى تعينه وزيرا للبلاط الملكي منذ مارس/ اذار 2003 في خطوة اعتبرتها مصادر اردنية مؤشرا لصعود نجم الفايز. واوضح الفايز عشية تشكيل الوزارة طبيعة حكومته بالقول، ان «اسلوب عمل الحكومة سيقوم على مبدأ الشفافية ومنهج المسئولية والمساءلة» من أجل «انجاز تحسن ملموس في مستوى معيشة الأردنيين، وتطوير خدمات القطاع العام وبناه التحتية»، وتعهد «السعي الى اعلام مهني يخرج من دائرة التلقي وردات الفعل الى المبادرة والتأثير الفعال، واتاحة المجال أمام القطاع الخاص في امتلاك وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة»، كما شدد على أن حكومته «ستحارب الفساد المالي والإداري، وتحول دون استغلال الوظيفة العامة»، واضاف في رسالة وجهها الى العاهل الاردني، ضمنها التزام حكومته «خطة عمل نافذة متكاملة ومقترنة بنتائج محددة ومنجزات ملموسة ضمن فترة واضحة المعالم، تقوم على تعاضد حكومي...» ومفهوم ثابت يقول «وطن واحد موحد يحمينا وآراء عدة تغنينا»، وفتح باب واسع للحوار «نسعى الى حفز الجميع على الدخول منه لاثراء التجربة وتعزيز الشراكة الوطنية الحقيقية القائمة دوما على احترام الرأي للرأي الاخر»، و«المحافظة على الحقوق الدستورية وصون الحريات العامة والخاصة».
والتدقيق في طبيعة الحكومة الاردنية الجديدة ومهامها المعلنة، يشير الى انها جاءت ردا على السياسات التي تابعتها حكومة رئيس الوزراء المستقيل علي ابو الراغب الذي تولى الوزارة الاردنية لنحو ثلاث سنوات متتالية، قبل أن يشكل وزارته الاخيرة في يوليو/ تموز الماضي على امل اخراج الاردن من المشكلات السياسية والاجتماعية، التي تراكمت في السنوات الاخيرة، ثم تصاعدت بعد الحرب على العراق بما تركته من آثار على الاردن واقتصاده بفعل الروابط والعلاقات، التي كانت قائمة بين الاردن والعراق، وقد انفك اكثرها بعد سقوط النظام السابق في بغداد في ابريل/ نيسان الماضي، ما فتح ابواب الاردن امام تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية، عجزت وزارة علي ابو الراغب عن مواجهتها، فقدمت استقالتها، وقام الملك عبد الله الثاني بتكليف الفايز تشكيل الحكومة الجديدة.
ويعاني الاردن من مشكلات جدية تثقل على كيانه المحدود القدرات، وطبقا لنتائج استطلاع للرأي اجرته مؤسسة دولية، فقد ظهر ان «البطالة والفقر تشكل بالنسبة إلى 70 في المئة من الاردنيين» اولى المشكلات التي يجب ان تتصدى لها الحكومة، واستنادا لتقديرات الخبراء المستقلين، فان نسبة البطالة في الاردن تبلغ نحو 27 في المئة ما يعني وجود نحو مليون وربع مليون عاطل عن العمل وهو رقم كبير لعدد من السكان، يقل عن خمسة ملايين نسمة، كما ان الواقع السياسي في الاردن يشكل واحدا من تعبيرات الازمة، إذ يعاني الواقع السياسي من تشرذم واسع، ومن ضعف للفعالية السياسية من تعبيراتها وجود عدد كبير من الاحزاب السياسية، يتعدى عددها الـ 25 حزبا، لايتجاوز عدد اعضائها الـ 15 الفا.
ومثل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فان سياسة الحكومة الاردنية السابقة بين الاسباب التي ادت الى ضعف الحال السياسية وتدهورها في الاردن، وتهميش الجماعات السياسية والمنظمات الاجتماعية، وطبقا لما يراه خبراء في الشأن الاردني، فان الحكومة الاردنية الجديدة، ستركز جهودها في اتجاهين، اولهما التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثاني التنمية السياسية، وقد تم تقسيم الوزراء الى مجموعتين للسير في هذا الاتجاه.
وباستثناء وزارات الخارجية والدفاع والداخلية، فانه يمكن توزيع بقية الوزارات في سياق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي اخذتها الحكومة على عاتقها، خصوصا مع حوادث وزارة التنمية السياسية والشئون البرلمانية، التي تولى حقيبتها الصحافي والسفير السابق محمد داودية، وقال مسئول أردني كبير، ان «هذه الوزارة ستعتبر الأهم في الحكومة وسيكون من مهامها صوغ قوانين تتيح التنمية السياسية في البلاد».
خلاصة القول، ان الاردن بتشكيل الحكومة الجديدة، انما يحاول الدخول في محاولة اصلاح لاوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واذا توافرت التوجهات، فان الامر يتطلب ماهو أكثر، وهو توافر الارادة السياسية، التي يمكن ان تجعل من الاصلاح امرا ممكنا وميسرا، فهل تتوافر في الاردن إرادة سياسية للاصلاح؟
العدد 423 - الأحد 02 نوفمبر 2003م الموافق 07 رمضان 1424هـ