بمشاركة وزير الخارجية العراقي في اجتماع دمشق، وهو الرابع للدول المجاورة أو عدم مشاركته... تحول مضمون اللقاء من موضوع لبحث تداعيات الأزمة على دول الجوار إلى لقاء يبحث الشأن العراقي الداخلي ومسئولية الدول المجاورة في حفظ أمن البلد المحتل.
المندوب العراقي طالب كشرط لحضوره الدول المجاورة في المساعدة على ضبط الوضع الامني في بلاده. فالحقائق انقلبت وباتت دول الجوار تتحمل كاطراف مستقلة مسئولية الفوضى والانهيار العام. وبعد ان كانت المشكلة هي مساعدة الدول المجاورة على حماية حدودها وسيادتها من مخاطر الاحتلال الاميركي للعراق بات على دول الجوار حماية قوات الاحتلال من هجمات المقاومة والا تحملت بالنيابة عن المقاومة مسئولية العمليات العسكرية التي تصر ادارة الاحتلال انها من فعل اجنبي وتتم بمساعدة خارجية.
الكويت الآن يبدو انها تعيش مزاج مجلس الحكم الانتقالي وباتت بعد ان تحولت من جبهة امامية قبل الحرب على العراق إلى حديقة خلفية تراقب ما يحصل في جوارها العراقي نقطة تجمع للمرور وليست مركزا للتجمع كما كان الامر سابقا. وبهذا المعنى فقدت الكويت دورها السابق وتحولت وظيفتها من قوة نقود المواجهة إلى قاعدة تتلقى نتائج ما يحصل في العراق.
السعودية كذلك تبدو وكأنها تعيش مرحلة انتقالية فهي رسميا تعتبر الوجود الاميركي هو وجود غير شرعي والقوات هي قوات احتلال وترفض ارسال قطاعات من جيشها قبل توصل العراقيين إلى انتخاب حكومة شرعية معترف بها دوليا. وخارج الاطار الرسمي تواجه الرياض المزيد من الضغوط النفسية عليها من خلال تضخيم الانذارات وافتعال العواصم الغربية النصائح المتتالية لمواطنيها بعدم الذهاب إليها خوفا من هجمات مفترضة.
الأردن وبعد تداعيات الحرب يحاول استعادة دوره الخاص الذي لعبه سابقا كشريان مرور حيوي من وإلى العراق. فعمان تستعد من فترة للتكيف مع التطورات التي حدثت على الارض وما استجد من تحولات في صيغ العلاقات وربما التحالفات الاقليمية التي اخذت تشق طريقها في اطار معادلات جديدة.
تركيا ضائعة بين موقفين: المشاركة أو المقاطعة. الخزينة (المساعدات الاقتصادية) تضغط على الحكومة حاليا وتدفعها نحو الموافقة على قبول لعب دور محدود في المعادلة الجديدة من خلال ارسال قطاعات من جيشها. والشارع يضغط سياسيا باتجاه المقاطعة وعدم ارسال الجيش قبل الاتفاق على صيغة ثابتة لمستقبل العراق.
إلى المواقف المبدئية هناك بعض الاطر التقليدية التي تتحكم بالموقف التركي وتلعب على تناقضاته بين السياسة والاقتصاد. فتركيا تريد المشاركة السياسية، ولكن الولايات المتحدة تريد ادخالها من باب التعارضات الاهلية ولعبة الصراع بين الاكراد والتركمان، وبين شد التركمان ومخاوف الاكراد تقف الحكومة التركية في حيرة بين موقفين: دور الوسيط الذي يساعد على ضبط الامن لمصلحة القوات الاميركية او دور الشريك الذي يريد حصة من الغنيمة.
إيران هي اكثر دولة متضررة من النظام السابق وهي ايضا الاكثر تضررا من واقع العراق بعد الاحتلال. فايران تشعر انها الطرف الاقوى في التأثير على التوازن الداخلي العراقي ولكنها لأسباب سياسية غير قادرة على لعب ورقة نفوذها الا بالحدود الدنيا المسموح بها. والولايات المتحدة تريد منعها من الاستفادة اقليميا من التحولات التي حصلت، وايضا تريد تحميلها مسئولية الاضطرابات الامنية من خلال الضغط عليها في فتح الملفين النووي والامني.
سورية هي ثاني دولة متضررة من النظام السابق وهي ايضا تعتبر من الاكثر تضررا إلى جانب ايران من التحولات الاقليمية واستيلاء قوات اميركية على العراق وهو الحاجز الجغرافي - السياسي الفاصل بين الدولتين. وايضا تريد الولايات المتحدة منعها من الاستفادة من التحولات الاقليمية واحيانا تبدو واشنطن متجهة نحو تحميلها مسئولية التغييرات في العراق، انطلاقا من محاولة الضغط عليها في الملفين الفلسطيني واللبناني.
الخلاصة العامة. اميركا تريد ضبط حدودها السياسية الجديدة باستخدام الدول المجاورة كاوراق ضغط اقليمية على المقاومة العراقية. فواشنطن ترى ان المقاومة مستوردة ولا صلة لها بالعراق والعراقيين، والاحتلال لا يتحمل مسئولية اندلاعها. وبما ان السبب لا صلة له بالنتيجة ترى الكتلة الشريرة الحاكمة في البنتاغون ان الحوادث الجارية هي مجرد ترتيبات تقوم بها جهات غريبة عن الشعب العراقي وتستفيد من تسهيلات مزعومة تلجأ إليها الدول المجاورة للضغط على الاحتلال وواشنطن.
المعادلة اذن مقلوبة. وبرأي ادارة البيت الابيض ان العراق يريد الاحتلال والدول المجاورة لا تريد الاستقرار ولان الامور يجب ان تكون كما تتصورها واشنطن اذن لابد من ان تقوم دول الجوار بحماية قوات الاحتلال من المقاومة العراقية...
انها معادلة مقلوبة. وأصل الانقلاب هو في رأس الولايات المتحدة. وحين ينقلب الرأس يمكن رؤية الجنون في كل مكان
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 422 - السبت 01 نوفمبر 2003م الموافق 06 رمضان 1424هـ