العدد 422 - السبت 01 نوفمبر 2003م الموافق 06 رمضان 1424هـ

يصغي الجميع لنصائحه من كلينتون إلى كاسترو

قوة غبريال غارسيا ماركيز

نيويورك - جون لي اندرسون 

تحديث: 12 مايو 2017

عندما يغادر غبريال غارسيا قركيز شقته في بوغوتا يركب سيارة لانسيا ثيما تيربو طراز 1992 رمادية اللون بنوافذ مضادة للرصاص وهيكل مضاد للقنابل. ويقود السيارة من دون تشيب وهو رجل عصابات سابق قصير قوي ممتلئ الجسم عمل لدى جارسيا ماركوير لأكثر من عشرين عاما. وكان حوالي ستة من المخبرين يتبعون سيارتهم في مركبة أخرى. إن مثل هذه السيارة الغريبة المضادة للقنابل بمحركها الضخم من السيارات التي يعتمد عليها في بلد يتم فيها اختطاف حوالي مئتي شخص كل شهر وقتل أكثر من ألفين آخرين. ففي أغسطس/ آب 1999 تم اغتيال جيمي جارزون، كاتب الهجاء السياسي المحبوب، بينما كان يقود سيارته إلى العمل. فقد نزل رجل من على دراجة نارية وأطلق عليه النار في الرأس بينما كان يقف عند إشارة حمراء.

لقد عمل جارزون مثل غارسيا مركيز كوسيط بين رجال حرب العصابات اليسارين والحكومة، وتلقى تهديدات بالقتل من أعضاء منظمات شبه عسكرية يمينية لا يريدون أشخاصا يتفاوضون مع أعدائهم.

وتمتد بوغوتا عدة أميال عبر هضبة جبلية خضراء في أقصى الجزء الشمالي من جبال الأنديز. وتطل على المدينة سلسلة طويلة من التلال المغطاة بمدن الأكواخ البائسة التي يقطنها مزارعون بسطاء مع عائلاتهم كانوا قد نزحوا من الريف. وفي السنوات الخمسة عشر الماضية نزح حوالي مليون ونصف مليون كمبودي عن منازلهم بسبب العنف السياسي. وتسيطر جماعات حرب العصابات الماركسية على 40 في المئة من كولومبيا وهي تخوض حربا ضد قوات الحكومة والميليشيات اليمينية وتتلقى دعما ماليا من ملاك الأراضي وتجار المخدرات.

وقد قمت بزيارة منزل في الحي القديم من لاكندليريا في وسط بوغوتا إذ تلقيت دعوة لتناول طعام الغداء من تاجر زمرد (وبالإضافة إلى القهوة والزيوت والكوكايين والهيروين فإن كولومبيا غنية بانتاج الزمرد إذ تزود الأسواق العالمية بحوالي 60 في المئة من هذا الحجر الكريم). وعندما وصلت إلى منزل هذا التاجر الذي يدعى ازميرالديرو شاهدت شخصين يقفزان باتجاهي. واقترب أحدهم مني بينما كنت أقرع جرس ازميرالديرو، ولكن عندما فتح الباب خرج كلبين بوليسيين ومشيا بجانبي ثم قاما بمهاجمه الرجل الذي اقترب مني.

وعندما أخبرت غارسيا مركيز عن هذه الرواية ضحك وهز رأسه قائلا إنه لا يجرؤ أي كولومبي عاقل أن يذهب إلى تلك المنطقة في ذلك الوقت. إنه مكان من السهل أن يقتل فيه المرء. ومنذ فترة طويلة انتقلت الطبقات الوسطى والغنية من وسط العاصمة بوغوتا، واستقرت في الضواحي الشمالية. وحتى في هذه الضواحي تشعر هذه الطبقات بالخوف من السرقة والخطف من قبل العصابات الإجرامية. أما القلة التي تستطيع أن تتحمل مصاريف باهظة - مثل غارسيا مركيز - فتوجد لديها سيارات مدرعة وحراس شخصيون.

ويعيش غارسيا وزوجته مرسيدس وزوجته مرسيدس في منزل فسيح مكون من طابقين في بناية تتكون من أربعة طوابق. وتطل النوافذ الكبيرة على حديقة. ويمتلئ المنزل بالأعمال الفنية بما في ذلك صورة كبيرة لبيتيرو (Botero) ومجموعة من المرسومات الهندية الغريبة المثيرة.

إن مرسيدس التي تزوجت من غارسيا منذ أكثر من أربعة عقود امرأة فاتنة ذات شعر بني طويل يصل حتى كتفيها، وهي حفيدة أحد المهاجرين المصريين.

أما غارسيا فهو رجل قصير تبدو عليه السمات الملكية. ويبلغ غارسيا السادسة والسبعين من العمر وشعره المجعد أبيض وله شارب أبيض وحواجب سوداء كثيفة. إنه محدِّث يقظ وجذاب يطلق عليه الكولومبيون اسم مماجليستا - المزاح. وأثناء حديثه الطويل معي كان غارسيا يتحدث دائما عن زوجته مرسيدس باستمرار وبلهجة تعبر عن حبه لها.

وعندما كان يتحدث عن صداقته مع فيدل كاسترو على سبيل المثال كان بين أن كاسترو يثق في مرسيدس أكثر منه. يقول أحد الأصدقاء إن مرسيدس هي ساعده الأيمن وانها المرأة العملية التي تشرف على عقاراتهم. إن غارسيا سيكون في حال ضياع من دون مساعدته مرسيدس.

وقد أنجب الزوجان ولدين: رودريجو الذي يعيش في لوس انجليس وقام بكتابة واخراج أول فيلم رئيسي وجنزالو الذي يعلم مصمم رسومات في مكسيكو سيتي.

ويمتلك غارسيا عدة منازل، ومع أنه كان من أشهر المواطنين قبل استلامه جائزة نوبل في الأدب العام 1982، إلا أن بوغوتا لم تكن مقر سكنه الرئيسي.

لقد عاش هو وزوجته مرسيدس سنوات عدة في مكسيكو كما عاش بعض الوقت في منازل أخرى في كويرنفاكا وبرشلونة وباريس وهافانا وكارتجينه وبرنكويلا على ساحل الكاريبي. إن جميع المنازل التي يمتلكها مؤثثة بالطريقة نفسها - سجاد أبيض طاولات زجاجية للقهوة، أعمال فنية حديثة، جهاز للصوت وحاسوب من نوع ماكنتوش. وغارسيا مولع بهذه الأشياء إذ أنها تمكنه من العمل في أي مكان. يقول غارسيا إنه يستيقظ عادة الساعة الخامسة ويقرأ كتابا لمدة ساعة ويلبس ويقرأ الصحف ويجيب على البريد الالكتروني ثم يجلس على مكتبه في العاشرة - مهما كانت الظروف - ويشرع في الكتابة. ويبقى في مكتبه حتى الثانية والنصف بعد الظهر، ثم ينضم إلى عائلته لتناول الغداء. وبعد تناول الغداء تخحصص الفترة المسائية للمواعيد وللعائلة والأصدقاء.

وفي المدة الأخيرة شرع غارسيا في كتابه ثلاث قصص ومجلدين عن سيرته الذاتية، بالإضافة إلى بعض المقالات للصحافة.

بدأ غارسيا حياته صحافيا ويمثل كتابه الأخير بعنوان «اخبار الاختطاف» أسلوبا واضحا مباشرا لأعمدته الصحافية وليس الأسلوب الالماعي الفاتن للروايات والقصص.

ويسرد الكتاب اختطاف عشرة أشخاص العام 1990 على رئيس عصابة المخدرات في مدينة ميدلين يد بابلو اسكوبار. ويستند الكتاب على مقالات مطولة مع الضحايا الناجين من عمليات الخطف والأشخاص الذين شاركوا في مفاوضات سرية ومعقدة لإطلاق سراح المخطوفين. إن الشخصيات الرئيسية - الصحافيين والسياسيين الذين يوجد لهم أصدقاء أغنياء - ينحدرون من العالم الاجتماعي والمهني نفسه الذي يعيش فيه غارسيا وزوجته.

لقد استحوذت الصحافة والسياسة على الكثير من وقت غارسيا، وأصبح يمتلك الحصة الكبرى في المجلة الاخبارية الأسبوعية «كامبيو» والتي اشتراها بالمال الذي حصل عليه من جائزة نوبل للأدب والذي كان مودعا في أحد المصارف السويسرية منذ مدة طويلة. ويُقسم غارسيا بأنه قد نسي المبلغ تماما وأن زوجته هي التي ذكرته به.

وقد اضطر الزوجان إلى البقاء في بوغوتا للإشراف على مجلة «كامبيو» بدلا من الذهاب إلى أوروبا كالمعتاد.

وحضر غارسيا اجتماعات خاصة بالتحرير وقام بكتابة قصص ومقالات رئيسية.

وزاد عدد النسخ المباعة من المجلة من 14,000 نسخة إلى 50,000 نسخة. ويبدي سكان كولومبيا اهتماما كبيرا في كل ما يقوله جابو (اللقب الذي يعرف به غارسيا في الدول الناطقة بالإسبانية) يقول مدير تحرير مجلة «كامبيو بيلر كالديرون. ويعرف غارسيا أيضا بلقب «المايسترو» كما يعرف في كولومبيا بلقب «الفائز بجائزة نوبل».

وذكر صديق لغارسيا أنه يرى أنه الوحيد الذي يستحق جائزة نوبل. كما قال صديق آخر - رئيس تحرير صحيفة «التيمبو»، الصحيفة اليومية الرائدة في كولومبيا - ان جائزة نوبل تعتبر بمثابة اثبات للثقافة الكولومبية. وفي بلد تعمه الفوضى يبقى جابو (غارسيا) رمزا للفخر الوطني.

إن الاحترام الواسع الذي يكنه الجميع لغارسيا قد ضخم من الإشاعات التي انتشرت بخصوص مرض غامض ألمّ به. فقد أدخل إلى المستشفى مدة أسبوع ومكث في شقته في بوغوتا. وقيل إنه كان يتلقى علاجا بسبب الارهاق والإصابة بانهيار عصبي أو اللوكيميا (ابيضاض الدم).

ومنذ أكثر من عشر سنوات تمت إزالة ورم سرطاني من إحدى رئتيه وأصبحت الإشاعات بعد ذلك كثيرة بالنسبة إلى طبيعة المرض الذي يعاني منه. وقد قام شخص ادّعى انه يمثل أحد وكالات الأنباء بارسال أخبار كاذبة عبر الانترنت مفادها أن غارسيا قد مات في مكسيكو سيتي.

يقول غارسيا إن صحته بدأت تتدهور منذ بضع سنوات وانه أصبح ضعيفا حتى أوشك على الانهيار. وقد أجرى فحوصات في أحد المستشفيات وعندما تم تشخيص حالته بأنها سرطان في الغدد الليمفاوية بدأ بتلقي العلاج وبدأ يشعر بالتحسن. وبعد خروجه من المستشفى قمت بالمشي معه في الحديقة المجاورة لشقته برفقة ممرضة ومن دون تشيب، حارسه الشخصي وسائقه. وعندما شاهدنا ثلاثة من الشباب على دراجاتهم الهوائية عرفوا غارسيا وصرخوا بإثارة «المايسترو، كيف حالك؟» كان غارسيا يركز في المشي ولكنه حياهم بإشارة بسيطة وواصل السير. وقد أخذني أحد الأصدقاء إلى منزل مؤرخ يساري بارز له علاقات قوية مع زعماء أقدم وأكبر وأقوى منظمة لرجال العصابات تعرف باسم (FARC). وعندما سمع مضيفي أنني كنت مع غارسيا منذ فترة سألني عن صحته. وعندما أخبرته أن غارسيا أصبح متماسكا ويمشي حول منزله ولكنه فقد الكثير من الوزن، بدى على مضيفي نوعا من التوتر. يقال إنه يعاني من السرطان، قال مضيفي بصوت خافت آملا ألا يكون ذلك صحيحا لأن البلد الذي تسيطر عليه حكومة يمينية لا يتحمل وطأة هذا الخبر. ومنذ بضع سنوات شبه غارسيا مأساة كولومبيا «بالمحرقة التوراتية». لقد غرق البلد في حرب أهلية معقدة لأكثر من نصف قرن، كان معظم ضحاياها من المدنيين الذين قتلوا من قبل الجنود عند حواجز الطرق أو أخذوا أسرى وعذبوا من قبل عصابات القتل الشبه عسكرية أو قتلوا بالألغام الأرضية أو أطلق عليهم تجار المخدرات النار لأنهم وجدوا في المكان الخاطئ وفي التوقيت الخاطئ.

وأصدرت مجموعة الدفاع عن حقوق الإنسان تقريرا فظيعا عن الوضع في كولومبيا يتحدث عن انتهاكات للقوانين الإنسانية العالمية وعن الحياة البائسة في هذه الدولة.

ويقوم الرجال المسلحون أحيانا بانتقاء ضحاياهم بعناية من قوائم معدة مسبقا كما يقوم بعض هؤلاء الرجال بقتل الموجودين بالقرب منهم بهدف نشر الذعر بين السكان. وفي الواقع فإن الرغبة في ارتكاب فظائع من أبرز السمات اللافتة للنظر في الحرب الكولومبية.

بدأ غارسيا حياته بصفته كاتبا في السنوات الأولى للصراع الدموي المعروف باسم «العنف» الذي بلغ أوجه في 9 أبريل/ نيسان العام 1948 عندما تم اغتيال السياسي البارز جورج اليّسي جيتان أمام مكتبه في بوغوتا. وبلغ عدد القتلى في أعمال العنف هذه والتي استمرت حتى مطلع الستينات ما بين 200,000 إلى 300,000 شخص سقط الغالبية منهم في المناطق الريفية.

وقد تطورت «FARC» على نمط الأسلوب السوفياتي البلشفي نفسه الذي تأسس في الريف خلال هذه الفترة. أما منظمة حرب العصابات الكبيرة الأخرى المعروفة باسم (ELN) فقد دخلت الصراع بدعم كوبي وإلهام تشي جيفارا.

وعندما أصبحت جماعات بيع وتهريب المخدرات قوية في ميدلين وكالي في مطلع الثمانينات وأصبحت القوات شبه العسكرية في حرب مع كل من تجار المخدرات ورجال حرب العصابات وظهر الكثير من المصادر المحتملة للعنف مما لا يجعل الضحية يميز الطرف الظالم.

وفي كتابه «أنباء الاختطاف» تحاول مروجا باتشون التي تم خطفها من قبل مسلحين بينما كانت عائدة إلى المنزل من عملها، اكتشاف هوية خاطفيها.

حاولت مروجا النظر جيدا إلى خاطفيها ولكن الضوء كان خافتا. ثم تجرأت وسألت سؤالا: من أنتم أيها الأشخاص؟ أجاب رجل يحمل جهاز ارسال واستقبال بصوت هادئ: نحن من M91. إنها إجابة سخيفة غير منطقية إن M91 كانت مجموعة رجال عصابات سابقة وأصبحت الآن شرعية تكافح من أجل الحصول على مقاعد في الدائرة الانتخابية.

قالت مروجا: نرجو التحدث بجدية، هل أنتم تجار مخدرات أم رجال عصابات؟

نحن رجال عصابات، قال أحد الخاطفين.

كان الرجل كاذبا في الحقيقة. لقد كان أحد رجال بابلو اسكوبار وكان الهدف من اختطاف مروجا الضغط على الحكومة للتوصل إلى صفقة مع تجار المخدرات، والموافقة على عدم تسليمهم للولايات المتحدة إذ سيواجهون عقوبات أكثر صرامة هناك. وأصبح التمييز بين أنشطة تجار المخدرات ورجال حرب العصابات أكثر صعوبة بعد مقتل بابلو اسكوبار وتحطيم مجموعات تهريب المخدرات في منتصف التسعينات. وقد أصبحت تجارة المخدرات مقسمة حاليا بين العشرات من صغار رجال المافيا والمنظمات شبه العسكرية ورجال حرب العصابات أنفسهم. وتسيطر FARC - أعنى منظمة حرب عصابات في أميركا اللاتينية - على مساحة يتم فيها انتاج الكثير من الكوكايين الذي يتم تهريبه لدول العالم. ويعتقد أن عدد المقاتلين في هذه المنظمة يصل إلى 15,000 رجل مسلح بينما يصل عدد المسلحين في منظمة (ELN) إلى حوالي 5,000 رجل. وتدفع كلا المنظمتين رواتب مقاتليها وتحصل على الدعم المالي عن طريق أنشطة اجرامية عدة بما في ذلك فرض ضرائب على منتجي الهيروين والكوكايين والخطف من أجل طلب الفدية وابتزاز أموال من شركات النفط الأوروبية وشمال أميركا لحماية عمليات الحفر ومد الأنابيب التي تقوم بها هذه الشركات.

وإذ ان كولومبيا هي مصدر 80 في المئة من الكوكايين الذي يستهلك في الولايات المتحدة والكثير من الهيروين، أصبح «رجال حرب عصابات المخدرات» يلعبون دورا كبيرا في سياسة المخدرات الأميركية.

يقول الجيش الكولومبي إنه بحاجة إلى مساعده لقتال رجال حرب العصابات وان قمع هؤلاء الرجال سيقضي على تجارة المخدرات. وقد تم تعليق هذه المساعده في العامين 1996 و1997 لأن الرئيس السابق آنذاك ايرنستو سامبر اتهم بقبول ستة ملايين دولار من أموال تجارة المخدرات لتمويل حملته الانتخابية.

أما الرئيس اندري باسترانا فقد عقد محادثات مع رجال حرب العصابات وتنازل لهم عن منطقة كبيرة محايدة لا يمكن للجيش دخولها.

وحصل بسترانا على صفة مساعدة كبيرة إذ خصص الكونغرس الأميركي مبلغ 289 مليون دولار للشرطة والجيش الكولومبي ما يجعل كولومبيا ثالث أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد «إسرائيل» ومصر.

وقد اشترك غارسيا - الذي كان يشير إلى نفسه كآخر شخص متفائل في كولومبيا - عن قرب في مفاوضات السلام. فقد قدّم باسترانا لصديقه القديم فيديل كاسترو الذي استطاع تسهيل المحادثات مع رجال حرب العصابات كما ساعد في عودة العلاقات الجيدة بين واشنطن وبوغوتا.

يقول وزير الطاقة الأميركي السابق بل ريتشاردسون: لا أقول إن جابو (غارسيا) هو الذي أحدث كل هذه الأمور ولكنه كان عاملا مساعدا.

وقد تلقى غارسيا عدة دعوات من الرئيس كلينتون لزيارة البيت الأبيض، ويقول بعض الأصدقاء إن غارسيا كان يعتقد أنه سينجز الهدف الفوري وهو التوصل إلى تسوية متفاوض عليها بين رجال حرب العصابات والحكومة كما سيساعد في نهاية الأمر في إحداث تحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا. وتحتاج الولايات المتحدة إلى اشتراك كوبا في محادثات السلام لأن الحكومة الكوبية لها اتصالات جيدة مع رجال حرب العصابات. إن موقع كوبا مثالي لقربها من كولومبيا إذ يستطيع باسترانا الذهاب إلى كوبا في ليلة واحدة وعقد اجتماعات والعودة ثانية من دون أن يعلم أحد بذلك. وتريد الولايات المتحدة أن يتم هذا الأمر، حدثني غارسيا وهو يبتسم.

كان غارسيا متفائلا بالنسبة إلى المحادثات التي أطلقها الرئيس باسترانا ولكن «FARC» قامت بشن هجوم عسكري من المنطقة التي تنازل عنها باستراما لهذه المنظمة. وشمل الهجوم غارة على وحدات الجيش في ضواحي بوغوتا ما جعل استمرار محادثات السلام أمرا غير محتمل. وفي وقت لاحق أعلن وزير الدفاع الكولومبي أن الولايات المتحدة بدأت بتدريب وتجهيز فرقة عسكرية كولومبية لمكافحة المخدرات. وقد ذهب وزير الدفاع برفقة رئيس أركان جيشه إلى واشنطن لطلب مبلغ خمسمئة مليون دولار كمساعدة. وقد حث مدير المكتب القومي لمكافحة المخدرات ماك كفيري والذي يزعم بأن انتاج الكوكايين في كولومبيا قد تضاعف في الفترة الأخيرة وأن رجال حرب العصابات مسئولين عن ذلك، حث الكونغرس الأميركي على تخصيص بليون دولار لإرسال عتاد عسكري ومستشارين عسكريين إلى كولومبيا. وزعم المسئول الأميركي بأن الوضع خطير في كولومبيا إذ يوجد حوالي 25,000 رجل مسلح بالبنادق والمدافع والصواريخ والألغام الأرضية.

وقد اضطر غارسيا إلى إلغاء أحد اجتماعاتنا في بوغوتا لأن باسترانا ورئيس وزراء إسبانيا السابق فيليب جونزالس قاموا بزيارة له. كانت الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود بين رجال حرب العصابات والحكومة وقد بذلت محاولات لإنشاء مجلس إقليمي من بعض الدول ليعمل كضامن محايد للمفاوضات المستقبلية. كان غارسيا يشعر بالانزعاج من النهج العسكري الذي تتبعه واشنطن.

يقول غارسيا: لقد تغيرت الأمور منذ كوسوفا وتغير الوضع العالمي تماما إذ ترك كلينتون خلفه الموقف السياسي الذي أراد أن يتركه - الأسلوب الأمبريالي الأميركي.

أما منتقدي السياسة الجديدة للرئيس كلينتون فقد حذّروا من مخاطر التدخل العسكري في بلد يتسم بالصعوبة الجغرافية والسياسية مشبهين كولومبيا بفيتنام. إن معظم مساحة كولومبيا - 440,000 ميل مربع - تتكون من مناطق وعرة يصعب الوصول إليها إذ تقسم البلاد ثلاثة سلاسل من جبال الأنديز كما توجد مساحات شاسعة من الغابات والسهول لا توجد بها أية طرق معبدة.

وتقع بعض أجزاء البلاد تحت سيطرة الوحدات شبه العسكرية الوحشية التي تعمل في كثير من الأحيان بالتواطؤ مع الجيش الذي اتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وقد قام الجيش في احدى الغارات بقتل مئتين من رجال حرب العصابات في هجوم جوي بمساعدة أقمار التجسس الأميركية. وحدثت أول الخسائر العسكرية الأميركية في كولومبيا عندما تحطمت طائرة تجسس أميركية في منطقة مشهورة بانتاج المخدرات في جنوب كولومبيا إذ قتل خمسة جنود أميركيين وضابطين من سلاح الجو الكولومبي.

وفي العام 1993 كتب غارسيا قائلا: إن حرب واشنطن على المخدرات هي مجرد وسيلة لمزيد من التدخل في شئون أميركا اللاتينية، وهاجم صناع السياسة في الولايات المتحدة لاضعافهم اللغة الإسبانية باختراعهم عبارة «رجال حرب عصابات المخدرات». وتحاول الولايات المتحدة أن تثبت أن تجار المخدرات ورجال حرب العصابات وجهان لعملة واحدة كذريعة لارسال قوات إلى كولومبيا بحجة قتال البعض، وسجن البعض الآخر. إن هذه الآراء تقليدية في كولومبيا إذ يخشى الناس في هذه الدولة من التدخل الأميركي. وفي الواقع بدأ القرن العشرين بتدخل أميركي أدّى إلى خسارة برزخ بنما الذي كان مقاطعة من كولومبيا كما قامت الولايات المتحدة منذ فترة بغزو بنما لترحيل رئيسها غير المنتخب الجنرال نوريجا. لقد عارض غارسيا باستمرار تسليم مواطنين كولومبيين - مثل بابلو اسكوبار - إلى الولايات المتحدة وأيّد إجراء مفاوضات مع كل من تجار المخدرات ورجال حرب العصابات كوسيلة واقعية وحيدة لانهاء أو على الأقل الحد من العنف في كولومبيا.

وفي العام 1990 كتب غارسيا قائلا: لم يأخذ أحد في الحسبان إلى أي مدى الموقف السياسي والاجتماعي في هذا البلد السيئ الطالع - مع قرون من النظام الإقطاعي وعقود من النزاعات المسلحة التي لم تحل والتاريخ الطويل للحكومات المتعاقبة التي فشلت في تمثيل رغبات الشعب - إلى ظهور تجار المخدرات وكل ما يقومون به من أعمال.

وتلقى آراء غارسيا تأثيرا كبيرا في أميركا اللاتينية. إن المكانة التي يتمتع بها قد أكسبته ثقة كل من الحكومات والثوريين. فقد اشترك غارسيا في مفاوضات لإنهاء الحروب الأهلية في السلفادور ونيكاراغو كما ساعد كثيرا في اطلاق سراح رهائن تم احتجازهم من قبل جماعات مختلفة.

تقول ماريا الفيرا سامبر صديقة غارسيا إن صديقها يحب رسم الخطط السرية وعمل الأشياء بصورة خفية إذ انه يفضل الدبلوماسية على السياسة. ولكن غارسيا تعرض لكثير من النقد بسبب المبالغة في دوره وحبه للأشخاص ذوي النفوذ. ويعترف بعض الأصدقاء بوجود بعض الصحة لهذا النقد ويعزون مشاعره القوية تجاه كاسترو وكلينتون إلى ابتعاده عن جذوره الأصلية.

فقد ذكرت امرأة من سكان بوغوتا ان غارسيا ينحدر من مدينة صغيرة رديئة على الساحل وكان من السهل أن يصبح أحد الأشخاص الذين يبيعون نظارات شمسية للسياح على شاطئ البحر. ويوجد تطابق تاريخي وجغرافي يميل إلى الانتيل (جزر الهند الغربية) أكثر من المرتفعات الجبلية في بوغوتا بالنسبة إلى المكان الذي قضى فيه غارسيا طفولته. ومنذ بضع سنوات طلب غارسيا من المهندس المعماري الكولومبي روجليو سلمونا، أن يصمم له منزلا في كارتجينا المدينة الساحلية الجميلة التي تم بناؤها في القرن السادس عشر والتي مازالت محاطة بأسوار حجرية للحماية. إن بيت الكاتب وهو الاسم الذي يعرف به بيت غارسيا هو عبارة عن مجموعة مختلفة من المربعات والمستطيلات المحاطة بجدار عالٍ بلون القرفة. وأثناء النهار يقفز طائر مغرد في قفص يتدلى فوق الشارع الضيق أمام منزل غارسيا. وتقوم مجموعة من رجال الشرطة المسلحين ببنادق رش بحماية هذا الطائر من الغربان.

ويقف رجال الشرطة أثناء النهار في ظل بناية مجاورة - فندق سانتا كلارا الذي بُني العام 1617 كدير للراهبات وأصبح الآن فندق بوتيكي تملكه سلسلة سوفتل الفرنسية.

ويظهر هذا الدير في «من الحب والشياطين الآخرين» وهي قصة نشرها غارسيا العام 1994. وفي مقدمة القصة يذكر غارسيا أنه في العام 1949 عندما كان مراسلا شابا في كارتجينا عهد إليه بتغطية قصة تفريغ سراديب دير الراهبات.

وقد أدى الانهيار التدريجي لسقف الدير إلى تعريض الكنيسة الصغيرة للعوامل الجوية. ولكن مازال ثلاثة أجيال من الأساقفة ورئيسات دير الراهبات والشخصيات البارزة مدفونة داخل الدير.

وقد تم العثور على جمجمة فتاة شابة بشعر طويل في محراب في مذبح الكنيسة. وفي هذه القصة التي تقع حوادثها في كارتجينا في القرن الثامن عشر عندما كانت المدينة مركزا لتجارة الرقيق والمقر الاستعماري لمحكمة التفتيش (محكمة نشطت في القرنين 15 و16 ميلادية كانت مهمتها اكتشاف الهرطقة ومعاقبة الهراطقة) يتم ارسال الفتاة إلى الدير لطرد الأرواح الشريرة بداخلها بعد أن أساء أطباء غير مهرة معاملتها ودفعوها إلى الجنون بعد أن شكوا خطأ أنها مصابة بداء الكَلَب (السعار). ويقع طارد الأرواح الشريرة وهو قسيس واسع المعرفة في حب هذه الفتاة وتتم معاقبته بسبب الهرطقة. ويستحوذ الأسقف على التعويذة وتموت الفتاة أثناء قيامه بتعذيبها.

أما أكثر الشخصيات التي تثير الشفقة في هذا الكتاب بالإضافة إلى الفتاة وحبيبها المعذَّب فهو الطبيب اليهودي المنبوذ الذي يمتلك مجموعة كبيرة من الكتب المحظورة وامرأتان تحرقان بسبب الجنون ولكنهما تسافران سرا دون أن يراهما أحد والقسيس الذي يعيش بين الفقراء ويتبنى وجهة نظر انسانية من موقف الفتاة الشهيدة.

لقد نبذت هذه الفتاة من قبل والدها المصاب بالسوداء (الكآبة) ووالدتها الهجينة (من أبوين أحدهما أوروبي والآخر هندي أميركي) المولعة بالجنس والمخدرات. وقام بتربيتها الخدم السود والخلاسيين (الأشخاص المولودين من أبوين أحدهما أبيض والآخر زنجي).

وأصبحت الجدران الحجرية للدير القديم واجهة جميلة للفندق ويتم عرض كتب غارسيا في مكان بارز في ردهة دكان الهدايا. أما المناطق المجاورة فلم تتغير كثيرا على العموم في الخمسين عاما الماضية منذ أن بدأ غارسيا بكتابة عمود في الصحيفة المحلية «اليونيفيرسال». إن الشوارع الضيقة مبلطة ومحاطة بمنازل مكسوة بالآجر وأسطحها مصنوعة من الصفيح المجعد.

ويمكن مشاهدة الملابس المغسولة تتدلى من الشرفات الخشبية والأطفال الذين يلعبون في الشوارع والأشخاص الذين يرتدون القمصان التحتية والشباشب يجلسون في مدخل البيت ويتجاذبون أطراف الحديث مع جيرانهم.

كما يمكن مشاهدة العربات التي تجرها الخيول وهي تنقل السياح وتلوث الهواء بسبب تناثر القش وروث الخيول.

ومع أن مدينة كارتجينا من الأماكن الآمنة القليلة بالنسبة إلى السياح إلا أن العنف السياسي ليس بعيدا عن مخيلة أي شخص. وفي حلفة غداء هناك قابلت امرأة خُطف أخوها ودفن حيا. كان أخ مضيّفنا قد انضم إلى مجموعة شبه عسكرية وقتل على يد رجال حرب العصابات.

ومنذ بضع سنوات وضع غارسيا الأساس لصحافة ايبيرية (اسبانية) أميركية في كارتجينا. ويدير هذه المؤسسة الصحافية رئيس تلفزيون سابق جيمي ابلو بانفي، وتتلقى دعما ماليا من منظمة اليونيسكو وبنك التنمية الأميركي الدولي، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى. وتتم دعوة صحافيين محنكين إلى كارتجينا لإقامة ورش عمل للمراسلين الشباب من دول أميركا اللاتينية. ويعقد غارسيا ندوات هناك كلما أمكنه ذلك. لقد أصبحت هذه المدينة مقر الإقامة الواقعي لعائلته. إن غارسيا أكبر أحد عشر طفلا مازال جميعهم على قيد الحياة باستثناء واحدٍ منهم. ومازالت والدته (98 عاما) ومعظم أخوته يعيشون على طول الساحل.

ولد غارسيا مركيز في اركتاكا وهي مدينة غير عصرية تقع على بعد مئة ميل من كارتجينا في 6 مارس/ آذار 1927. كان أول طفل للسيدة لويزا سنتياغا مركيز، ابنه العقيد نيكولاس مركيز من قدامى المحاربين في «حرب الألف يوم» التي كانت (حتى الحرب الحالية) أعنف وأشرط حرب أهلية في تاريخ كولومبيا. بدأت هذه الحرب العام 1899 واستمرت حوالي ثلاث سنوات. لقد أوقعت قوات الأحزاب الليبرالية والمحافظة خسائر جسيمة في صفوف بعضها بعضا ولقي حوالي 100,000 شخص مصرعهم من مجموع السكان الذي بلغ أربع ملايين نسمة آنذاك.

كان العقيد نيكولاس عضوا في الحزب الليبرالي وهو الحزب الذي بدأ الحرب وخسرها. وقد وُجد نظام الحزبين في كولومبيا منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومع أنه لا توجد فوارق مطلقة بين الحزبين إلا أن الليبراليين يعارضون زيادة نفوذ الكنيسة في الدولة ويؤيدون الإصلاحات الاجتماعية والعمالية.

كان والد غارسيا (غبريال اليجيو غارسيا) ينتمي إلى حزب المحافظين وكان طالبا محبطا في كلية الطب ثم وصل إلى أركتاكا وعين في وظيفة بمرتب إذ عمل عامل تلغراف. وقد رفضه العقيد لأسباب تتعلق بشكل رئيسي بالسياسة ومكانته الاجتماعية ولكنه لم يعرف الكلل في محاولته للزواج من لويزا (إن الغزل الذي دار بينهما هو أساس الحب الجنوني بين فلورنتينو أريزا وفيرمينا دازا في قصة «حب في زمن الكوليرا» التي نشرها غارسيا العام 1985).

وبعد ميلاد «جابيتو» مباشرة انتقل الوالدان إلى ريوهاكا وهي مدينة تبعد حوالي مئتي ميل على الساحل وتركوا الطفل ليقوم بتربيته العقيد وزوجته وثلاث خالات.

أما جد غارسيا الذي يظهر كشخصية بارزة في الكثير من قصص غارسيا الخيالية فقد روى له قصصا عن قتل رجل في مبارزة وعن القتال في الحرب الأهلية وعند المذبحة التي ارتكبتها شركة الفواكه المتحدة ضد العمال بعد عام من ولادة جابيتو (غارسيا).

وعلى أية حال فإن جدة غارسيا وخالاته سردن له حكايات وأساطير شعبية كثيرة وقصصا عن الأشباح والمخلوقات العجيبة. وعندما بلغ غارسيا التاسعة ذهب ليعيش مع والديه اللذين كانا كالغرباء بالنسبة إليه. لقد أصبح والده صيدلانيا وطبيبا متجولا واستمرت العائلة في التنقل لعامين قبل أن تستقر في مدينة سيكر. ولم يعد غارسيا للعيش في أركتاكا ثانية ولكنها بقيت مصدر عالمه الخيالي مثل ماكندو، منزل عائلة بوانديا في قصة «مئة عام من العزلة».

عرض عليّ جيمي، الأخ الصغير لغارسيا وهو مهندس مدني ومتحدث بارع وزوجته مارغريتا، عرضا أخذي إلى مدينة أركتاكا. قابلاني في المطار بالقرب من مدينة سانتا مارتا الحزينة التي مات فيها سيمون بوليفار في آخر رحلة مأسوية له إلى المنفى وهي المغامرات التي أعاد غارسيا كتابتها من جديد في قصة «الجنرال في متاهته».

وقد نصحنا جيمي بمغادرة أركتاكا قبل الرابعة خشية اصطدامنا بدورية من رجال حرب العصابات أو الميليشيات شبه العسكرية. وتوقفنا عند عدة حواجز للجيش بينما كنا نشق الطريق عبر مناطق مزروعة بأشجار السنط والشوك. وبعد ساعتين شعرنا بالأمان عندما وصلنا إلى مزارع اللوز التي تحيط بمدينة أركتاكا والتي هي سبب في وجود هذه المدينة.

وتتكون المنازل في مدينة أركتاكا من طابق واحد وقد نصبت على ضواحي المدينة لوحة إعلانات مزينة بصورة لغارسيا ومكتوب عليها عبارة مقتبسة عن غارسيا بحروف كبيرة تقول «عدت ذات يوم إلى أركتاكا مسقط رأسي واكتشفت أنها مزيج من الحقيقة والتوق إلى الماضي وهما المادة الخام لعملي». ولاتزال هناك بعض البيوت الخشبية الكاريبية التقليدية في هذه المدينة ولكن غالبية السكان يعيشون في منازل من الحجارة المدهونة بالألوان الزاهية.

وقد أخبرني جيمي أن أشجار اللوز الطويلة ذات الأوراق الخضراء التي تحيط بالساحة العامة أمام الكنيسة هي الأشجار نفسها التي وصفها أخوه غارسيا في قصة «مئة عام من العزلة» التي تروي تأسيس ماكندو.

وكان جوزي اركاديو بوينديا هو الذي قرر آنذاك آنه يجب زراعة أشجار اللوز بدلا من السنط على الشوارع. وبعد سنوات عدة عندما أصبحت ماكندو مكانا مليئا بالبيوت الخشبية بقيت أشجار اللوز المكسورة في الشوارع القديمة مع أن أحدا لم يعرف من قام بزراعتها.

وقد شاهدنا احتفالات اليوم الأخير بمناسبة استقلال كولومبيا عن إسبانيا العام 1819. لقد تجمع الناس في مكان مليء بالقمامة عند طرف المدينة إذ تم تشييد حلبة خشبية لمصارعة الثيران. شاهدنا الفتيات المراهقات بملابس زاهية يمشين سويا ويغازلن الشبان، كما وقف الفلاحون الذين يلبسون قبعات من القش في ظل الحلبة ينظرون إلى الأشخاص الآخرين بانتظار انزال الثيران من الشاحنات حتى تبدأ مصارعة الثيران. وكان الباعة يبيعون شرائح من لحم الخنزير، وحلوى، وكعك من القمح.

وقد توقف جيمي عند منزل وقرع الجرس. خرج رجل وهو يمشط شعره وعلى وجهه ابتسامة مثيرة. كان الرجل أمين متحف بيت غبريال غارسيا مركيز وهو البيت الذي ولد فيه غارسيا والذي يقع على شارع خلفي مزروع بأشجار لوز وسنط.

وقد أرشدنا أمين المتحف إلى واجهة المتحف وهو عبارة عن «بنغل» تم بناؤه من قبل آخر مالك في الفناء الخلفي إذ مازال هناك جزء من البيت الأصلي لعائلة مركيز.

إن كل ما تبقى عبارة عن حجرتين وكوخ خشبي بسقف من الزنك





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً