في نهاية يوليو/ تموز الماضي استقر المقام في العراق بالسيدحسين مصطفى الخميني (46 عاما) حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني، وحددت له القوات الأميركية هناك أحد القصور الوثيرة لنائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزّت إبراهيم الدوري المطلّة على نهر دجلة في منطقة الجادرية ليكون مقرا له ولصديقه القادم من دولة الإمارات العربية المتحدة إياد جمال الدين الذي يرتبط به بوشائج فقهية وسياسية منذ دراستهما معا في مدينة قم المقدسة. كما قامت بتوفير الحماية الشخصية له بمساعدة حلفائه السابقين في منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة الذين وقف معهم في صراعهم المفتوح ضد حكم جده منذ العام 1981، وحتى يومنا هذا ووهبته رشاشا وجهاز اتصال يعمل بالأقمار الاصطناعية وسهّلت له وصول الكثير من وسائل الإعلام العربية والغربية ليحدثهم بحديث يستبطن من العداء والبغض ما يوازي (ويزيد) السياسة الأميركية تجاه إيران وعموم «الشرق الأوسط».
لم تكن تصريحات حسين الخميني تلك سوى ضغط على العبارات والكلمات المحددة التي أشبه ما تكون بالقوالب الخطابية الدوغمائية الجاهزة يُراد لأوارها أن يُنفث من دون أية رتوش وكأنها مُعَدّة سلفا ومنذ زمن سحيق:
(1) معارضته لمفهوم الدولة الدينية وبالتالي للنظام الإسلامي الحاكم في إيران وفقدانه لشرعية الاستمرار.
(2) عدم معارضته استقدام القوات الأميركية (ولو بيد عمرو) لتحقيق غرض إنهاء الحكم الإسلامي في إيران لتخليص الشعب الإيراني من الدكتاتورية على غرار ما حصل في العراق تماما!
الجذور والتكوين
دخل الحفيد بمعية أبيه السيدمصطفى إلى مدينة بورسا التركية ليلتحقوا بالإمام الخميني الذي دخلها منفيا من قِبَل الشاه في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1964، وفي 5 اكتوبر/ تشرين الأول من العام 1965، نقل الإمام الخميني وعائلته ولفيف من أتباعه ومريديه إلى العراق وكان عمر الحفيد آنذاك 7 أعوام. وفي 23 أكتوبر 1977 قتل والده السيدمصطفى في مدينة النجف الأشرف على يد جهاز المخابرات الإيراني السابق (السافاك) بإيعاز من الشاه محمد رضا بهلوي، وعندما عاد إلى إيران بمعية جده بعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 فبراير/ شباط 1979م كان عمره 23 عاما أو يزيد بقليل. وكان عندها ملازما لجوار جده وعمّه أحمد، إلاّ أنه ظل أميَل سيكولوجيا وعقائديا وفكريا إلى أخواله ذوي التوجه الليبرالي وهم أبناء آية الله الشيخ مرتضى الحائري نجل مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم آية الله العظمى الشيخ عبدالكريم الحائري. وعندما احتدم الخلاف في مجلس خبراء القيادة الأول بين رئيس السلطة القضائية آنذاك ونائب رئيس مجلس خبراء القيادة ومنظّر الثورة ومعد دستورها آية الله محمد حسين بهشتي وبين رئيس الجمهورية آنذاك على توزيع الأدوار الدستورية والصلاحيات بين السلطات انحاز حسين الخميني إلى جانب بني صدر. وكان الإمام الخميني إلى ذلك الحين لايزال لازما الصمت تجاه ذلك الخلاف لكنه نَهَرَ حفيده ووبخه على موقفه وطلب منه التفرّغ لتحصيل العلوم الدينية في الحوزة العلمية، فغادر الحفيد طهران واستقر في مدينة قم. ولما عَزَلَ البرلمان الإيراني الرئيس بني صدر في 21 يونيو/ حزيران 1981 بغالبية 177 صوتا ضد واحد وممتنع واحد بعد يومين من المناقشات وقف ضد القرار واعتبره غير شرعي. وعندما احتدمت معارك البقاء الشرسة بين قوات حرس الثورة الإسلامية (الباسدران) ومنظمة «مجاهدي خلق» في 9 إلى 15 سبتمبر/أيلول 1981 كاد أن ينجر صوب العمل المسلح إلى جانب المنظمة وذلك بتحريض مباشر من قِبَلِ والدته التي كانت (ولاتزال) ضد النظام الإسلامي في إيران. ولم يلغ ارتباطه بهم إلاّ بعد أن أمر الإمام الخميني المقاتلين بالتصدي له إذا بدأها هو، ثم أمر باعتقاله برهة من الزمن ثم أطلق سراحه.
وكان وقوف الخميني الحفيد إلى جانبهم في ذلك الصراع ضد كيان الدولة وأجهزتها وهياكلها قد أسّس لشرخ غائر في العلاقة بين الحفيد وجده لم يندمل حتى وفاة الأخير في الرابع من يونيو 1989م جعلت من الحفيد لأن يستنكف حتى من المشاركة في تشييع وعزاء جده.
وبعد أن شرد منتسبو المنظمة وانهزموا في معركتهم الداخلية مع النظام الإسلامي وهروب زعامتهم (مسعود رجوي وبني صدر) في 28 يوليو 1981 إلى فرنسا ثم إلى العراق العام 1986 آثر الخميني الحفيد السكوت وانتهاج سياسة الإضمار، إلاّ أنه ظلّ مناكفا للنظام الإسلامي ووفيا لأفكار وتوجهات «منظمة خلق» التي وصفها أثناء زيارته الاخيرة للولايات المتحدة في إذاعة «فردا الغد» المعارضة بأنها منظمة تدعو إلى الحرية وأنه يؤيدها تماما.
وفي أتون تلك الزوبعة التي أثارها الخميني (الصغير) على مشروع جده وعلى مفاهيم دينية من صميم أدبيات النظام الإسلامي الحاكم في طهران ظهرت الكثير من التحليلات السياسية من المراقبين كلها أجمعت على أن الحركة التي أطلقها حسين الخميني لا تمثل تهديدا جديا على نظام الجمهورية وذلك للأسباب الآتية:
(1) فهو لا يمتلك إرثا كارزميا أو وجاهيا مما تركه جده يمكنه أن يستقوي به ولا تاريخا مشرفا منه إليه، فالخصومة التي كانت بين الجد وحفيده أحرقت الأخير الأمر الذي قضى على أية فرصة لإعادة الاعتبار له أمام الإيرانيين والتشكيلات الحزبية المتجذرة في أنسجة النظام السياسي الذي يرون في جده رمزا أنسى من قبله وأتعب من بعده وخاض معهم وبهم أشرس معارك الأدلجة والتغيير نحو أطر سياسية وفكرية جديدة اختُزِلت في قوالب إسلامية خالصة مع مزيج متكافئ من التطعيم العصري لفقه الدولة الحديث.
وكان ذلك الإنقلاب السياسي والمفاهيمي للسلطة في إيران نتيجة طبيعية أخرى لحال من الإندفاع الشاهنشاهي نحو أمركة البلاد، والاندفاع بلا تحكم في التماهي حتى النخاع بالنموذج الغربي سوسيولوجيا متخطيا بنيوية المجتمع الإيراني بكل ما يحويه من تمثلات دينية وعُرفية وسلوكية الأمر الذي خلق حالة لم تتحملها أنسجة الدولة بامتداداتها المُتجذرة في روح الإنسان الإيراني المُتشبّع بتاريخ إمبراطوري وحضاري عريق يرى في الاستقلال الوطن والهوية الإيرانية والإسلامية متنفسا قوميا ودينيا لا يُضاهيه أي شيء.
إن العارفين بالشأن الإيراني يدركون تماما أن الإمام الخميني لايزال يحكم إيران من قبره في بهجة زهراء. فالإيرانيون يتذكرون قدرته اللامتناهية في التعبير عن طبقاتهم الفقيرة والمُعدمة وكذلك قدرته السياسية في إدارة صراعه مع نظام الشاه على مدى 15 عاما، وكيف أنه وظّف شعارات الإصلاح السياسي التي كان يُنادي بها في إقناع الجماهير الغاضبة بضرورة التغيير الجذري وعدم القبول بأنصاف الحلول كمخرج للأزمة السياسية وتطبيق تجربة حكم الإسلام، وتوظيف الثقافة الشيعية الغنية بالرموز والدلالات في إلهاب مشاعر الجماهير وتجييشها ضد استبداد السلطة.
(2) ترتبط تصريحات حسين الخميني بوضع الولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط» والعالم بأسره، فواشنطن باتت حيزا سياسيا مكروها في الكثير من مناطق العالم وصار عَلَمُها يُحرق في كل يوم، وأصبح التعامل أو التعاون معها في بعض الملفات الحسّاسة لعنة لا تُغتفر وتهمة جوّالة تقع على رأس كل من قصد ذلك وبادر في طلبه بسبب سياساتها المزدوجة والإنتقائية تجاه قضايا العالم، لذلك فإن تصريحات حسين الخميني المتضمنة استنجاده بالولايات المتحدة لتخليص «إيران من الاستبداد»! جعلت ريحه في مقتل وخصوصا في ظل تزايد الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني، وفي ظل السياسات العدائية المستمرة والمستعرة من قِبَلِها ضد إيران، وانتهاج سياسة غطرسة القوة كما سمّاها السناتور الراحل وليم فولبرايت.
وقد أجرى معهد «غالوب» في واشنطن استطلاعا للرأي أظهر أن غالبية سكان الدول المسلمة (باكستان وإيران واندونيسيا وتركيا ولبنان والمغرب والكويت والأردن والسعودية) لها آراء مناهضة للولايات المتحدة وتعتبرها متغطرسة تتسم بالعنف.
وفي سبيل تحسين تلك الصورة السيئة لها في العالم العربي والإسلامي وفي دول كثيرة أخرى افتتحت محطة «سي ان بي» الأميركية الممولة من قِبَل وزارة الخارجية بغية كسب تفهم الجماهير العربية والمسلمة في العالم للسياسات الأميركية.
كما قامت وزارة الخارجية الأميركية بعقد مؤتمرات هدفت منها شرح دوافع السياسات الأميركية.
وأمام كل ذلك يقدّم حسين الخميني نفسه جهارا كطابورٍ خامس (بالمجان) ضد أمن بلاده وضد أمن منطقة «الشرق الأوسط» المهددة دائما بمخاطر إقليمية ودولية، لذلك فإن كثيرا من الخبراء قلّل من إمكان أن يمثّل خطرا جديا على النظام الإسلامي القائـم، موضحين أنه «أحرق نفسه» عندما استعدى الولايات المتحدة على إيران كما عبّر بذلك رئيس تحرير «مجلة شرق نامة» المعنية بشئون إيران وتركيا وآسيا الوسطى، والخبير في الشئون الإيرانية مصطفى اللباد، الذي قال إن «حسين الخميني لا يمثّل قيمة يعتد بها في إيران، وليس له أي مستقبل بالبلاد» وأعرب اللباد عن اعتقاده بوجود مخطط أميركي لاستخدام ورقة حفيد الإمام الخميني للضغط على الحكومة الإيرانية، مشيرا إلى أن تصريحات صدرت له في الوقت الذي تتصاعد الأزمة النووية الإيرانية بين طهران من جهة وبين مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة وكندا من جهة أخرى.
(3) يرتبط الوضع السياسي والاجتماعي لحسين الخميني مع وضع منظمة «مجاهدي خلق» المسلحة وأيديولوجيتها المركبة في الوجدان القومي والاجتماعي والسياسي الإيراني باعتباره (أي حسين الخميني) امتدادا طبيعيا لها. فالمنظمة المذكورة لا تمتلك رصيدا شعبيا يُذكر بين الإيرانيين بشتى أطيافهم، خصوصا وأنهم تجاوزا الكثير من الاعتبارات القومية حين انزلقوا صوب دعم العراق في حربه ضد إيران وساندوه في قمع التحرك الشعبي الكبير في جنوب العراق بعيد انتهاء حرب الخليج الثانية في العام 1991.
وعلى إثر ذلك الدعم الذي قامت به المنظمة للنظام البعثي في العراق قام الرئيس المخلوع صدام حسين بالتكفل بشئون المنظمة العسكرية والإقتصادية واللوجستية فجهزهم بأحدث المعدات العسكرية، وأمّن لهم معسكرات قريبة من الحدود الإيرانية، ووفّر لهم غطاء سياسيا يتحركون من خلاله ضد النظام الإسلامي في طهران، ما جعل الإيرانيين وغيرهم من شعوب المنطقة ينظرون إليها جماعة إرهابية عميلة وهو ما أعطى رسالة سلبية للداخل الإيراني من أن منظمة خلق ما هي إلاّ شبكة مشبوهة من العلاقات الاستخبارية مع جهات معادية لا تهدف إلى الإصلاح السياسي.
كما أن منظمة «مجاهدي خلق» لا تحظى بذاكرة نظيفة في الوجدان والعقل الإيراني الحديث فهي دخلت في صراع مفتوح مع الحكم الإسلامي لم ينته أواره واستهدفته بعمليات مسلحة شرسة ففجرت مقر الحزب الجمهوري وقتل فيه 72 شخصا بينهم رجال مهمين جدا في الدولة كآية الله بهشتي ومحمد منتظري. كما قامت بعد شهر أو يزيد بتفجير مقر رئاسة الوزراء فقتلت رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس وزرائه حجة الإسلام محمد جواد باهنر، كما اغتالت الكثير من الشخصيات الركنية في الدولة كأسد الله مدني وآية الله صدوقي ومستشار المرشد الأعلى للشئون العسكرية علي صياد شيرازي العام 1999م.
كما أن الأيدلوجية التي تبتني عليها منظمة مجاهدي خلق ليس لها مؤيدون أو متعاطفون بين الشرائح المجتمعية في إيران فالمباني الفكرية للمنظمة ما هي إلاّ عدة مشارب فلسفية وعقائدية متناقضة لا تنتهي إلى إفضاء غائي متوازن وفهم أرادوا الانتماء إلى الإسلام بشكل مطلق إلاّ أنهم عمليا أعلنوا انتسابهم إلى الماركسية. وعلى رغم إسلاميتهم كانوا يعتقدون بأنهم بتخليهم عن الجانب الفلسفي من المادية الجدلية يستطيعون اتخاذ الماركسية أساسا للعمل الثوري، وفيما يخص الإسلام وعلى رغم التاريخ الفقهي الطويل رجعوا إلى الإيمان الأولي لينتهوا إلى أصولية شيعية مطعمّة بماركسية - لينينية ستالينية صرفة، وكانوا في الوقت نفسه يعلنون انتماءهم الإسلامي مع المطالبة بدين مجرد من كل الأحكام القضائية والاجتهادات الفقهية مفتشين مع ذلك في هذا الإسلام الأصولي عن وسيلة للنضال السياسي في الوقت الذي كانوا يدعون أنهم ماركسيون فيما يخص النهج الذي يجب تطبيقه.
(4) يبقى النظام الإيراني نظاما مستقرا من الناحية المشروعية، ويتمتع بعلاقات جيدة إلى حد ما مع جيرانه ومعترف به عالميا ولديه مقاعد في المنظمات الدولية، كما أنه يحمل مشروعا مدنيا رائدا في إدارة الدولة وقدّم في سبيل ذلك الكثير من الحلول لعدد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستطاع أن يؤسس بنى اجتماعية مدنية متماسكة تتسم بالحراك الدائم وفق آلية تماهت فيها الأيدلوجية مع الأطر الحديثة. كما أنه برهن على القدرة في الإلتقاء على مستوى مظلة الشرعية الإسلامية كما يمثلها الدستور الإيراني وتراث الثورة بين مختلف الأطراف المتنافسة مع الاختلاف في مستوى الخلفية الفكرية والقراءات التأويلية التي تستند لهذه الشرعية.
وفي المجال الحقوقي استطاع أن يُرسّخ مفهوم الديمقراطية بكل استحقاقاتها من فصل للسلطات والاحتكام لصناديق الإقتراع بشكل لا لبس فيه، فالشعب له حضوره الفعلي بشكل دائم في صنع القرار لجميع حيثيات النظام السياسي الإجرائية سواء لمركزية المرشد أو مجلس الخبراء أو رئيس الجمهورية والبرلمان والمجالس البلدية وتطبيق اللامركزية الإدارية إذ جرت منذ انتصار الثورة وإلى الآن أكثر من 26 عملية انتخاب لعدة مراكز تشريعية وتنفيذية في الدولة، وإعطاء دور أوسع للمؤسسات التشريعية والتنفيذية المنتخبة والعمل على ترسيخ الانتقال الديمقراطي ضمن غطاء الشرعية الدستورية، على رغم أيديولوجيا الدولة القائمة على الخلفية الدينية التي تعطي دورا مركزيا للإمامة الدينية والسياسية.
وأمام كل ذلك الإنجاز المعرفي الجديد قام النظام الإيراني بتأصيل مفهوم السلطة الجمعية وإلغاء السلطة الأحادية الاحتكارية، فالصلاحيات التنفيذية موزعة على مختلف القوى في الدولة بشكل متوازن وفق الدستور لكي لا تكون هناك استبدادات جِهوية في صنع القرار مستعينا في سبيل ذلك بنظرية المراقبة البينية على جميع القوى العاملة؛ فالمرشد مراقب من قِبَل مجلس خبراء القيادة (86 عضوا) في كيفية إدارته للسياسات الكلية كما أنه مراقب من قِبَل السلطة القضائية في أمواله وأموال عائلته وأصحابه، والبرلمان يحاسب الحكومة، والبرلمان نفسه مراقب من قبل مجلس صيانة الدستور وهذا الأخير عليه نفوذ من مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجمع التشخيص مراقب من قبل المرشد. كما قام النظام في إيران بانتهاج سياسة مهمّة جدا في مجال العمل السياسي وهو يتعلق بتزكية السياسين عند توليهم مناصب سياسية في الدولة فلا يمكن أن يكون رئيس الدولة رجلا غير سوي، أو أنه يملك تاريخا سياسيا وسلوكيا مشبوها، بل يجب أن تتوافر فيه الصفات الإنسانية بل حتى مفردات التدين ليكون بذلك صاحب وازع شخصي تجاه أي انحراف إداري أو مالي يحصل في الدولة، كما أن رساميل المال والتجارة لا تُسقِط أو تُنجِح المسئولين السياسيين وفق مصالحاها التجارية كما يحصل في بعض البلدان.
وفي مجال الحقوق المدنية والحريات العامة فقد كُرّست حقوق المواطنة لجميع أفراد الشعب من حقوق عامة وتفصيلية بدءا بحرية الصحافة (1150 صحيفة تصدر في إيران) وحرية تشكيل النقابات والاتحادات الطلابية والمهنية والنسائية والتكتلات السياسية (110 أحزاب شاركت في الانتحابات البرلمانية السادسة) والمحافظة على حقوق الأقليات الموجودة من خلال عقد المواطنة، فقد ضمنت لهم الدولة حق المشاركة البرلمانية والسياسية. وقد بيّن ذلك الدستور الإيراني بجلاء بالنسبة إلى الأقليات الموجود في إيران، إذ ينتخب الزرادشت واليهود كل على حدة نائبا واحدا وينتخب المسيحيون الآشوريون والكلدانيون معا نائبا واحدا وينتخب المسيحيون الأرمن في الجنوب والشمال كل على حدة نائبا واحدا. وأمام كل تلك المعطيات تبقى ورقة حسين الخميني التي رُمِيَت في المربع الأميركي ورقة صفراء لا يمكنها أن تلعب دورا فعليا على الساحة الإيرانية ولا وسيلة ضغط يمكن أن تستعملها واشنطن ضد طهران في اعتبارها حركة غير منسجمة مع طبائع الأشياء القائمة في المنظومة الدولية والدستورية. كما أن التغيير عن طريق التطور الفكري والسياسي الداخلي أمر ممكن وقابل للتحقق، أما أن يقوم أحد بتحديد طبيعة النظام السياسي من خارج حدود إيران فهو أمر لا يمكن تحقيقه
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 417 - الإثنين 27 أكتوبر 2003م الموافق 01 رمضان 1424هـ