العدد 421 - الجمعة 31 أكتوبر 2003م الموافق 05 رمضان 1424هـ

«حرب أفكار» رامسفيلد وفضيلة الاستماع

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يتحمس الأميركيون بين الفينة والأخرى للحوار مع طهران لكنهم سرعان ما ينكفئون وتبرد عزيمتهم من دون أن يقدموا تفسيرا مقنعا لا للرأي العام الأميركي ولا لنظيره الإيراني عن سبب هذه الانكفاءة. لكنهم سرعان ما يعودوا إلى الدعوة لحوار جديد وهكذا دواليك.

لقد ظل هذا ديدنهم منذ أن قرروا قطع علاقاتهم مع طهران في بدايات الثمانينات بعد تفاقم أزمة الرهائن الأميركيين الشهيرة.

الإيرانيون بالمقابل لم يتركوا بابا إلا وطرقوه من أجل فتح حوار «متكافئ» مع واشنطن شرطه الأساسي وربما الوحيد في الواقع هو أن يجلس الأميركي إلى جوار «نظيره» الإيراني ليستمع منه - من دون أحكام مسبقة - نظرته إلى الأزمة الثنائية ونظرته إلى العالم، وشروط «التطبيع» الممكنة بين الجانبين ان كان الطرف الأميركي جادا فعلا في البحث عن حل لتلك القطيعة التي كان هو البادئ فيها.

يمر الأميركيون في هذه الأيام بوقت عصيب لاسيما إدارة الرئيس الأميركي، وخصوصا وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ولعل العراق الذي كان الأميركيون يظنون بأنه «خشبة الخلاص لهم لنقل المعركة العالمية ضد «الارهاب» من ردة الفعل إلى الفعل»، هو السبب فيما يعانون من «عصاب» يكاد يفقدهم توازنهم.

يتساءل رامسفيلد في مذكرة داخلية له تسرب بعض مضمونها إلى الصحف وفي مقالة له نشرتها «واشنطن بوست» قبل أيام عن السبل الكفيلة لكسب المعركة العالمية ضد الارهاب بقوله: «كيف نكسب حرب الأفكار حتى نمنع تشكيل جيل جديد من الارهابيين؟».

وبغض النظر عما إذا كان رامسفيلد صادقا فعلا في توجهاته أم لا؟ ومع وجود قدر متيقن بات يتعاظم عدد المقتنعين به مع الأيام بفشل السياسة الأميركية «المناهضة» للإرهاب، لاسيما في الشأنين الفلسطيني والعراقي، إلا أن توصل رامسفيلد على ما يبدو إلى قناعة أن المدفع لوحده غير قادر على كسب المعركة ضد الارهاب وأنه لابد من كسب معركة «حرب الأفكار» كما يقول رامسفيلد، ربما كانت بداية مقبولة من الصقور الأميركيين الذين لم يكونوا مستعدين حتى الآن بقبول وجود تفكير آخر في العالم يختلف عن نمط تفكيرهم فضلا عن إمكان الاعتراف به واعتباره عقبة أمام مخططاتهم لابد من هزيمته في العقول أولا قبل هزيمته على الأرض!

قبل رامسفيلد طبعا كان الكاتب الأميركي الليبرالي الصهيوني توماس فريدمان اضطر إلى مثل هذا الاعتراف قبل أسابيع وطالب في مقالة له في «نيويورك تايمز» إلى العمل من أجل «بناء حزب بعث جديد، ولكن بأفكار أميركية هذه المرة حتى نتغلب على معضلة العراق التي ستئول إلى كارثة إن بقيت قواتنا تقتل هكذا... لمدة ستة أشهر أخرى».

ان يدعو مساعد وزير الخارجية الأميركي ريتشارد آرميتاج في دورة جديدة من «الحماس» الأميركي، طهران إلى الحوار مجددا وفي ظل الأيام العصيبة التي تعيشها إدارة بلاده في العراق يقرأها الكثيرون من المختصين في «الشرق الأوسط» بأنها مرة أخرى دعوة لا أساس متين لها وستمر كالموج أو كسحابة صيف غايتها الخروج من مأزق العراق أكثر مما تبحث عن حل لمعضلة دام أمدها، عنوانها: «الاستنكاف الأميركي لمقولة تكافؤ الفرص».

يقول متتبعون إيرانيون لموضوع الحوار الإيراني - الأميركي إنه كلما لاح في الأفق احتمال حصول ثغرة حقيقية في جدار انعدام الثقة (الإيراني الأميركي) كلما كان هناك من يدخل على الخط من الإسرائيليين ليقوض المهمة ويغلق الثغرة بحائط سميك من الاسمنت أصعب على الفتح أو الاختراق من سابقه.

ثمة من يردد في طهران بأن مفتاح حل هذه المعضلة الأميركية انما هو في تل أبيب وليس في واشنطن. وأظن أن الكثير من العواصم العربية بل والإسلامية تشاطر طهران هذا الرأي. وإذا كان رامسفيلد مجدا وصادقا في نيته التعلم من درس بيروت كما أشار في تقريره وفي مقالته ويريد أن يكرر تعلم الدرس البيروتي، ولكن هذه المرة في العراق فإن عليه أن يبتعد عن الليكوديين المحيطين به وأن يستمع للذين ينصحونه بتسليم السلطة إلى العراقيين بأسرع ما يمكن، والكف عن إيذاء نساء العراق وأطفاله ورجاله وشيوخه وعشائره وطوائفه وخصوصا إذا ما أراد أن ينجح فعلا في «حرب الأفكار» وإذا ما كان صادق القول! والجهد فعلا! في أنه يريد «منع تشكيل جيل جديد من الارهابيين» كما جاء في تقريره وفي مقالته.

وحدها فضيلة الاستماع للآخر، والاقرار بوجوده وبحقه المتكافئ في الوجود بكامل حقوقه، وفضيلة الاعتراف بالخطأ هي الوسيلة الناجعة الوحيدة والمتبقية أمام رامسفيلد وإدارته للنجاة من حبل مشنقة العراقيين. وهي الوسيلة الناجعة أيضا لفتح صفحة جديدة مع إيران، وهي كذلك الوسيلة الناجعة الوحيدة المتبقية أمام واشنطن لكسب ثقة الفلسطينيين المكافحين من أجل اعتراف العالم بحقوقهم المسلوبة وإقرار العالم واعترافه بحصول جريمة العصر الكبرى بحقهم وفوق أرضهم.

إن مجرد أن يتطرق رجل يحسب على الصقور إلى مقولة «الافكار» مهما كانت توجهاته الحقيقية وأهدافهم العلنية أو الخفية، يمكن اعتباره «تحولا إيجابيا» يبقى أن يقر ويعترف رامسفيلد وغيره بأن تلقين الشعوب الأفكار الأميركية... بالقوة أمر مستحيل، فكل الذين سبقوه في هذا خسروا الرهان وخسروا الحرب وخسروا الفكرة أيضا ناهيك عن كونهم سرعان ما خسروا أنفسهم أولا. لأن مثل هذه المقولة ما هي إلا بداية النهاية للامبراطورية..

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 421 - الجمعة 31 أكتوبر 2003م الموافق 05 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً