العدد 421 - الجمعة 31 أكتوبر 2003م الموافق 05 رمضان 1424هـ

العراق... في الشهر التاسع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت «الحرب على العراق» شهرها التاسع، وحتى الآن فشلت القوات الأميركية في توليد العراق «الجديد» و«السعيد». فكل الوعود التي نثرتها واشنطن ذهبت هباء، والولادة العسيرة يبدو أنها لن تحصل في الأمد المنظور.

حتى الآن لم تعترف الإدارة الأميركية بالفشل، فهي لاتزال مصرة على أن الوضع جيد وعلى الأقل انه أفضل مما كان عليه في السابق وأفضل مما تعكسه وكالات الأنباء والصحف ومحطات التلفزة. الإدارة الأميركية تقول إن الإعلام يضخم المشكلات والسلبيات ولا يركز على الإيجابيات والحسنات. كذلك تقول وهنا المعضلة إن أعمال المقاومة المسلحة ليست من فعل العراقيين وانما هي نتاج حركات «ارهابية» مستوردة من الخارج.

المضحك في كلام الإدارة الأميركية انها تطلق معلومات عشوائية بقصد الضغط النفسي وممارسة نوع من الارهاب السياسي ضد دول «الجوار» العراقية محمّلة تلك الدول المجاورة مسئولية نتائج الاحتلال وما أسفر عنه من فوضى عارمة وانهيار عام. فالإدارة المدنية (الاحتلال) لا تتردد في اطلاق الاتهامات جزافا في وقت هي تعلم قبل غيرها أن القانون الدولي (اتفاقات جنيف) يحمل المحتل مسئولية الفوضى وما ينجم عنها من حوادث عنف واغتيالات وتفجيرات. فالمسئول هو الاحتلال أولا وأخيرا لأن الفوضى بنظر القانون الدولي حصلت لأن قوة كبرى دمرت قوة صغرى وضربت توازنها الداخلي ومنظومة علاقاتها وأدوات حكمها ومرتكزات الدولة السابقة. وبغض النظر عن طبيعة النظام السابق لجأ القانون الدولي إلى تحميل مسئولية أي انهيار يحصل إلى القوة الخارجية المهاجمة وذلك بغية ردع الدول الكبرى عن اجتياح الدول الصغرى. فالقانون الدولي يعاقب كل دولة تفكر باجتياح دولة أخرى تملك السيادة وتتمتع بالشرعية وتتمثل في الهيئات والمنظمات الدولية.

الاجتياح/ الاحتلال الأميركي يتحمل مسئولية ما حصل ويحصل في العراق من فوضى وانهيار لأن الأعمال التي تقوم بها سلسلة من الأطراف المجهولة ما كانت لتحصل لو لم يقع الحادث الأصل وهو الاحتلال وما رافقه من تدمير دفاعات داخلية انتظمت معها أو ضدها علاقات المجتمع وأطرافه المدنية والأهلية.

المضحك في الكلام الأميركي أن إدارة الاحتلال تعتبر نفسها خارج إطار المسئولية بل انها تجد في المنظمات الدولية (الأمم المتحدة وغيرها من هيئات ملحقة وتابعة) قوة منافسة لدورها وسياساتها وبالتالي لا يستبعد أن تكون هي الجهة المدبرة لكل تلك العمليات التي أسفرت في النهاية عن تخويف تلك المنظمات الدولية وقررت على اثرها الانسحاب أو تخفيف وجودها تاركة الساحة العراقية تحت قبضة الاحتلال.

والمضحك أيضا في الكلام الأميركي أن إدارة الاحتلال تتهم كل الفئات بمسئولية الانهيار والفوضى لتبرير وجودها ودورها في الهيمنة على ثروة العراق ومقدراته... مع أن من بديهيات الكلام هو أن المقاومة هي ردة فعل على الاحتلال ولولا الأخير لما حصلت العمليات التي يبدو أنها باتت خارجة عن نطاق السيطرة والتحكم.

كلام أميركي مضحك إلا أنه يخفي نزعة شريرة لا تبشر بالخير وتعكس إلى حد كبير استراتيجية توسيع المواجهة ونقلها إلى خارج حدود العراق بذريعة ملاحقة فلول المتسللين من داخل دول الجوار والبلدان المجاورة لبلاد الرافدين.

هناك أبعاد شريرة في الكلام الأميركي المضحك. فإدارة الاحتلال بدأت توزع مسئولية أعمال المقاومة وتوسع دائرة الاتهامات من جهة إلى أخرى. في الشهر الأول قالت إنها من أعمال فلول البعث ونظام صدام السابق. وفي الشهر الثاني قالت إنها نتاج تحالف تنظيم «انصار الإسلام» وبقايا النظام. وفي الثالث أضافت تنظيم «القاعدة» إلى لائحة المتهمين. وفي الرابع تحدثت سرا عن وجود قوى سلفية تريد إثارة البلبلة والفوضى. وفي الخامس أخذت تشير إلى المجاهدين العرب الذين تسللوا عبر الحدود للقتال ضد الاحتلال خلال فترة الاجتياح. وفي السادس أضافت «طالبان» وغيرها من شبكات نقلت عدتها ومعداتها ورجالها من أفغانستان إلى العراق لاستكمال الحرب ضد الولايات المتحدة. وفي السابع أخذت تثير أسئلة عن دور سوري ولبناني (حزب الله) في تنظيم هجمات متطورة عسكريا ضد القوات الأميركية. وفي الثامن أضافت إيران إلى اللائحة وأخذت تتحدث عن وجود تنسيق أو تسهيل للمجاهدين الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي إلى الادعاء ومطالبة طهران ودمشق بمراقبة حدودهما ومنع عمليات التسلل.

الآن وصلنا مع الاحتلال إلى بداية الشهر التاسع ويبدو من مراقبة الأوضاع أن الحال العراقية مرشحة للتفاقم وعلى مزيد من الفوضى... في وقت لاتزال القوات الأميركية تصر على تحميل الخارج مسئولية الداخل بينما تقوم شركات النفط والاتصالات والمقاولات باحتكار كل الورش والأعمال التي تصنف كلها تحت عنوان «إعادة إعمار العراق».

إنها في النهاية صفقة تجارية كما تراها المافيات (اللوبيات) التي تدير القرار الأميركي. وحتى تكون الساحة خالية من كل المنافسين فلا بأس أن تكون الفوضى العامة هي من أدوات السياسة الأميركية لطرد المنافسين واتهام الدول المجاورة بمسئولية انفلات الأمن في العراق.

إنها لعبة جهنمية حتى لو أخرجت بكلام مضحك يصدر يوميا عن جهات أميركية مختلفة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 421 - الجمعة 31 أكتوبر 2003م الموافق 05 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً