قيل إن آخر أمير عربي مسلم حكم غرناطة هرب مع عائلته في آخر يوم من حكمه ووقف على مسافة من المدينة والقصر الذي كان يعيش فيه وأخذ يبكي على ما فقده. والدته كانت معه فالتفتت اليه وقالت: «لا تبك كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال».
هذا الحديث ينطبق على الحكام وعلى غير الحكام، فالذين لا يحافظون على ما لديهم بحكمة فإنهم سرعان ما يخسرون ما بأيديهم ثم يبدأون الحسرة والندامة. البعض يعتقد ان مثل هذه الأمثال تنطبق على من بيده السلطة فقط، ولكن الواقع هو ان كل شخص وكل جماعة تحصل في زمن من الأزمان على نعمة أو على فرصة، ولكنها لسوء التقدير تخسرها وتبكي عليها لاحقا.
الجمعيات السياسية والحقوقية في البحرين خطت خطوات كبيرة واستلهمت من انتصاراتها خلال فترة النضال همة وعزما مكنها من الاستفادة من انفتاح الاجواء السياسية. ولكن هناك اتجاه داخل الجسد المعارض ليس مقتنعا بأن ما حصل عليه يعتبر إنجازا، او انه انجاز غير خادع حصل عليه بفضل تضحيات سنوات كثيرة. وبالتالي فانك تسمع ان هذه «الحريات» ما هي الا خدعة لامتصاص الطاقات أو انها «الهاء» عن القضايا الأهم المتعلقة بالدستور والتمييز والتجنيس.
الحديث اذا اختلط بهذه الطريقة فانه بلاشك سيؤدي إلى الوصول إلى نتيجة حتمية وهي «الصدام» وخسران ما تم انجازه وتحقيقه تلبية للرؤى التي لم تستطع رؤية كل الصورة وركزت على جزء من الصورة.
شخصيا... أتفهم كثيرا مما يقال عن الموضوعات الحساسة ولا أختلف في أهميتها ولابد من المصارحة بشأنها ومعالجتها، ولكنني أيضا لا أستطيع أن أتفهم الطرح الذي لا يفكر فيما سيخسر من استخدام خطاب سياسي هدفه التصعيد تحت عناوين متعددة. وفي ظل ظروف معيشية صعبة يعيشها كثير من الناس فإن مثل هذه الدعوات تجد لها أرضا خصبة. فقد كان كافيا أن يتحدث عدد من أعضاء البرلمان عن مطربة ليست بذات أهمية كبيرة لأن يتفجر الوضع ليلتين متتاليتين ويتضرر أهالي أربع مناطق وينحشر من ليست له علاقة بالموضوع من الأساس.
إن ما حدث أثناء انعقاد حفلة عجرم يشير إلى أن الفئات الاجتماعية التي مازالت تعيش ظروفا صعبة بالامكان تحريكها تحت شعار ديني أو سياسي، ولكن على من تقع مسئولية التحريك؟ والى متى ننتظر حتى نفقد ما لدينا من حرية تعبير هي الأفضل نسبيا مما كنا عليه؟ وماذا نستفيد لو تم التضييق على الجمعيات الأهلية بسبب انفلات الجمهور عند الانتهاء من هذه الندوة أو تلك؟
عندما طرحنا هذه الأسئلة على عدد من الناشطين والقياديين في العمل الاجتماعي والسياسي ردوا علينا بالسؤال الآتي: لماذا أنتم (في الصحافة) لا تتحركون وتطرحون القضايا من زواياها المختلفة وبأسلوب يشمل الاطراف المختلفة؟
وفعلا كان لهذا السؤال استجابة من هيئة التحرير التي قررت ان تطرح القضايا المهمة شريطة ان تكون هناك «تعددية» في الآراء من دون حماس وشعارات لا تخدم رافعها في أي شيء سوى تأزيم علاقته بالأطراف الأخرى.
ولذلك ننشر اليوم ندوة «التمييز» التي عقدتها «الوسط» ودعت اليها عبدالرحمن جمشير وفريد غازي وابراهيم شريف وجاسم العجمي وعبدالنبي العكري وعبدالهادي الخواجة، بينما لم يحضر النائب عادل المعاودة واعتذر ممثل ديوان الخدمة المدنية. ولكن مع هذا الغياب عن الحضور نعتقد أننا نساهم بشكل أكثر إيجابية في رفد الحوار الوطني من دون «تخريب» ما لدينا من إنجازات حاليا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 421 - الجمعة 31 أكتوبر 2003م الموافق 05 رمضان 1424هـ