مازال هناك جدل واسع بين أوساط السياسيين والنخب أيضا عن مدى واقعية ازدواجية العضوية في الجمعية السياسية الواحدة بمعنى أن يكون عضوا في جمعيتين.
هذه النقطة طرحت سابقا فكان الجو العام يقترب إلى أفضلية - وذلك لحفظ الساحة والصدقية - أن يكون السياسي عضوا في جمعية واحدة فقط.
لعل البعض يتساءل: لماذا طرح مفردة «الصدقية» ضمن هذا الموضوع؟ هذا سؤال جوهري ودقيق. وقبل الدخول في الإجابة لابد من مقدمة. فالفلاسفة يقولون: لكي لا يقع الإنسان في إشكالية ولدرء الالتباس في التقييم يعتمد الإنسان إجراء يسمى احترازية القيود... والعرب يقولون: درهم وقاية من أي اتهام خير من قنطار تبرير في غير موقعه، وعادة ما يكون العذر أقبح من الذنب.
فالساحة السياسية تمر بمخاض عسير، وخصوصا أنها تشهد جزءا من المزايدات التي سببت اختلاط الأمور درءا عن دخول الساحة جدلا واسعا ينبغي أن يحسم إشكالية ازدواجية العضوية. فقد يفهم الجمهور أن هناك من يحاول أن يقبض من الجميع، وفي كل المراحل، فإذا تكسر البيض هنا تلقفه من السلة الثانية.
وأصبح بمقدور أي إنسان أن يصبح بطلا مادام يجيد بيع الكلام هنا أو هناك، ومادام هناك جزء من المغفلين مازالوا يشترون أي كلام.
وليس دائما ما يرفع من شعار يطبق على الأرض، اللهم إلا من رحم ربي.
فقبل فترة بسيطة من انتخابات المجلس البلدي ارتفعت أصوات تندد بالدخول إلى المجلس وتعد ذلك «خيانة لدماء الشهداء»، ذرف المستمعون الدموع ولكنهم تفاجأوا بأن بعضا ممن رفعوا هذا الشعار هرولوا سراعا إلى كتابة أسمائهم للترشيح وكانت المسافة الزمنية ما بين اليوم البكائي إذ تحولت الدموع إلى أنهر، ويوم الترشيح أياما معدودة... وهكذا أكَلَ الناس الشعار وابتلعوه ولا يأتون به إلا همسا من وراء جدر، وبين عشية وضحاها أصبحت «الخيانة» «كرامة».
مشكلتنا أننا أغبياء في السياسة وكثير ما يُضحك علينا ونشتكي ونعيب على بعض الأجانب أنهم يأتون و«يرزون» أهاليهم في الوزارات وفي بعض القضايا، ووو... حتى لو أنهم لا يفهمون، لكننا - أحيانا - نقع في الفخ ذاته وفي الإشكالية ذاتها. فالزوج مرشح والأخت مرشحة والزوجة مرشحة والعم مرشح والأخ مرشح والجد مرشح وهكذا دواليك وكأن كل هذا التاريخ النضالي لأمة بأكملها لا تنجب إلا مضحين، خلقوا ليضحوا ويأتي الآخرون ليزايدوا ولكي يتقاسموا الثمار. ولن نفهم الدرس لأننا نهمس بالنقد في المجالس ولا نمتلك شجاعة لأن نقول: كفى «تراها مصخت». فهل في كل فترة انتخابية نحتاج - للتسويق الإعلامي - إلى رزة شخصيات؟ وبعد ذلك نُباع الكذب الواضح في التلفاز، نستاهل أكثر. ألم يقل أحد المفكرين: «إن انتصار الأغبياء عليكم ليس لذكائهم ولكن لغبائكم الذي يفوقهم غباء»؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ