جاءت الحكومة الاردنية الثالثة في عهد عاهل الاردن الملك عبدالله الثاني بما يشبه العمل الابداعي الدرامي اذ تجتمع نخبة سياسية شكلها الرئيس فيصل الفايز لتكون نواة التحولات السياسية والوطنية والقومية التي ينظر لها الاردن لانها كدولة باتت بين رؤى الواقع وما يحدث في العالم.
وبأداء الفريق الوزاري الجديد يمين الولاء يمكن القول ان صافرة قطار حكومة الفايز انطلقت وان وقت العمل بدأ «رسميا».
لم تكن ايام الاسبوع الماضي والتي امضاها الرئيس وزملاؤه في ورشة عمل وعصف فكري سهلة بل شكلت تحديا شخصيا لكل واحد من الوزراء الذين «وُضعوا» امام مسئولياتهم وخيروا بين الاضطلاع بها على طائلة المسئولية والشفافية والمساءلة او الاعتذار بكل ما يعنيه هذا الخيار من مسئولية ايضا لأن الوقت قد حان لترجمة الشعار الذي ردد طويلا حتى كاد ان يفرغ من معناه، موضع التنفيذ ونقصد ان المقعد الوزاري «تكليف لا تشريف» ما يعني مدى الانجاز وحجمه هو الذي سيحكم على الوزير بالنجاح وليس مدة الاستمرار في شغل هذا المنصب هي التي تحدد اهلية الوزير وتضعه او تضعها في مقدمة «البروتوكول» الذي لم تعد له الاولوية في حكومة الفايز بل تراجع لصالح تجسيد القيم الاساسية في المسئولية الحكومية وهي الخدمة العامة والانجاز وفق برامج وخطط محددة تمنح الوزير المعني الوقت الكافي لوضعها موضع التنفيذ لكنها في الآن نفسه لا تترك له هامشا واسعا للبقاء في مربع التجريب والمحاولة وهنا تكمن أهمية المسئولية التي تنهض بها الحكومة الجديدة.
وإذا ما تجاوزنا البعد التقليدي في تشكيل الحكومات المتعاقبة إذ تكثر الوعود ولا تلبث العادية ان تتحكم في الامور وتلجأ الحكومات لاحقا الى التبرير وتفسير التبرير والاتكاء على انجازات قليلة او متواضعة فان ما دار في «خلوة العقبة» على ندرة ما رشح من معلومات يؤشر الى ان حكومة الفايز ستكون حكومة مقلة في وعودها وسيلجأ الفريق الوزاري الى صيغة العمل المباشر وتنفيذ «التعهدات» التي قطعوها امام عاهل البلاد. والحال كذلك فإن الظروف غير العادية وغير المسبوقة التي صاحبت مشاورات وآليات تشكيل الحكومة والوسائل الجديدة التي رافقت اختيار الفريق الوزاري ومن ثم الاعلان عنه رسميا تؤشر كلها الى ان مهماتها لن تكون سهلة لكنها بالمقابل وايضا ليست مستحيلة اذ انار كتاب التكليف السامي الطريق امامها ما زاد من ثقل المسئولية على الفريق الوزاري.
ويقول المحلل السياسي في صحيفة «الرأي» في تقرير اثار الكثير من التصورات عن الحكومة : المعادلة واضحة امام الفريق الوزاري واعتراف الرئيس بان حكومته متعاضدة متضامنة ومتكاملة تعتبر اختلاف الرأي وتنوعه مصدر قوة واثراء لا مبرر اختلاف يضعف الاداء ويعرقل الانجاز، يؤكد ان «مصارحات» كثيرة شهدتها خلوة العقبة ما يزيد القناعة بأننا سنشهد اداء حكوميا مختلفا اكثر شفافية واقل ميلا الى تضخيم الانجازات او الاتكاء على التبريرات مضافا الى ذلك كله ان الثقة الملكية المتوافرة والداعمة ستحدد بمقدار الانجاز وبما ينعكس على المشهد الوطني بأسره تنمية سياسية وحريات عامة وحوارا وتعددية واصلاحا اقتصاديا واداريا واعلاميا يخاطب ابناء شعبنا ويتجاوز العجز عن ايصال رسالة الوطن لابنائه وبقي متأثرا لا مؤثرا كما قال كتاب التكليف السامي، إذ الاعلام الصادق المسئول الذي يعبر عن ضمير الوطن ويتمتع بحرية التعبير وتعددية الآراء. الاعلام الذي يجسد رؤيتنا في التغيير الاعلام المهني والمتمكن القادر على التغيير والتأثير وليس الاعلام الخائف والعاجز والمتردد الاعلام الذي يبرز دور الأردن عربيا واقليميا.
ويلقي الكاتب غيث الطراونة ظلالا كثيرة على شخصية الرئيس فيقول: رئيس الوزراء فيصل بن عاكف بن مثقال من عشيرة الفايز احدى اهم عشائر بني صخر الذين ساهموا كغيرهم من العشائر الاردنية في بناء الاردن الحديث منذ تأسيس الامارة العام 1921 وحتى يومنا هذا مرورا بسنوات من التضحيات والمشاركة الفاعلة عبر اجيال قدموا فيها الكثير.
من اجواء البداوة التي خطت بها الصحراء علامات الانتماء للاردن والولاء للقيادة الهاشمية الى المدينة حيث ولد فيصل الفايز في العام 1952 في عمان ليجمع من البداوة اصالتها ومن المدينة حراكها المستمر.
وكغيره من الاردنيين الذين وجدوا في العلم طريقا نحو التطور والبناء تابع الفايز دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة دي لاسال الفرير وقضى فيها مع ابناء جيله اجمل لحظات الحياة ولتتشكل فيها ايضا معالم بنائه النفسي والشخصي المنفتح على الجميع. ويصفه صديقه في المدرسة والجامعة عيسى أيوب بالقول: إنه جمع كل الصفات البدوية الطيبة ترافقت مع مدنية متميزة.
علاقة الفايز بصديقه مستمرة حتى الآن بعد ان بدأت منذ 45 عاما من دون ان يشوبها الفتور، كل ذلك يعود كما يؤكد ايوب الى صفات الوفاء وحلم الشيوخ الذي كان على صدره. البداوة التي انحدر منها رئيس الوزراء اثرت به كثيرا اذ كانت شخصيته الهادئة والذكية سببا رئيسيا في تكوين ملامحه القيادية المبنية على احترام الآخر مهما كانت آراؤه وطريقته في الحياة.
ويصفه صديق بدأت صداقتهما منذ كان عمرهما خمس سنوات (محمد الحديد) بأن الفايز واسع الصدر اكتسب من والده المرحوم عاكف الفايز الحلم عند الغضب وسعة الصدر واحترام الآخر. ويقول لم اره يوما ينفر من حوله بل على العكس الجميع يؤكد بانه رجل خصاله اصيلة، ومواقف كثيرة تدلل على ذلك، إذ لم يغلق فيصل الفايز باب مكتبه امام من احتاج الى المساعدة بل على العكس لم يمنع يوما خيرا عن احد وفيصل الفايز كما يؤكد الحديد لا يغضب ابدا وهو قارئ متميز ومحلل على قدر كبير من الدراية، إذ يكثر من الاستماع الى الآخرين ويخرج دائما في التحليل والتقييم الحقيقي للمواقف باختلاف انواعها.
اليوم الجديد يبدأ مبكرا في حياة فيصل الفايز، إذ يستهل يومه بقراءة الصحف ومتابعة العناوين المهمة قبل ان يتناول طعام الافطار الذي لا يخلو من الزيت والزعتر كغيره من الاردنيين، فيما طغى المنسف والمقلوبة والفوارغ على الوجبات الرئيسية.
اما هواياته المفضلة فهي منسجمة مع اصوله البدوية اذ يعد ركوب الخيل من اقربها الى نفسه تليه حسبما يتيح له وقته المطالعة، ثم رياضة كرة القدم، إذ يتابع مباريات المنتخب الوطني الذي يحبه ويؤازره.
وكان العام 1975 عاما مميزا في حياة فيصل الفايز اذ دخل عش الزوجية عندما اختار رفيقة دربه من عائلة الداوود السلطية ليرزقه الله بثلاثة ابناء غيث البكر وهو يحمل شهادة البكالوريوس من الجامعة الاميركية في واشنطن في العلاقات الدولية، وسطام الذي يدرس في الجامعة نفسها بتخصص العلوم السياسية ودينا التي تكمل دراستها في بريطانيا.
ويعد رئيس الوزراء فيصل الفايز نتاجا نادرا من البداوة والحياة المدنية، إذ أكمل دراسته الجامعية في العلوم السياسية في جامعة كارديف/ ويلز في بريطانيا، ثم تابع دراسته العليا في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن الاميركية وبدأت حياته العملية كدبلوماسي في وزارة الخارجية العام 1978، ثم انتقل الى الديوان الملكي الهاشمي العام 1986 ليتسلسل في عمله مساعد رئيس التشريفات ثم نائبا للرئيس وبعدها رئيسا للتشريفات الملكية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، ليعين بعد ذلك وزيرا للبلاط الملكي في التاسع من مارس/ آذار العام الجاري.
وفي المجمل يحظى الجانب السياسي باولوية كبرى في الحديث عن رئيس الوزراء، غير ان للصفات الشخصية حصة كبيرة ايضا، اذ لا يمكن الفصل بين العمل العام ومواصفات الحياة اليومية ومن المتوقع ان تنعكس الصفات الشخصية لرئيس الوزراء الذي بقي بعيدا عن البيروقراطية الحكومية على اداء الحكومة، وقد بدا ذلك واضحا في رده على كتاب التكليف السامي، اذ من المؤكد ان واقع هذا الاداء سيكون ضمن منظومة جديدة من التعامل المبني على أسس الادارة الحديثة.
ويقول النائب بسام حدادين : حتى لا نغرق بالتفاؤل ونحمل الحكومة الجديدة اكثر من قدرتها، فإن المصلحة الوطنية ومن منطلق الحرص على توفير كل مقومات النجاح لها، تدعونا لتأمل جديد حكومة الفايز واسداء النصح والمشورة له ولفريقه حتى ينجح لأن نجاحه نجاح للوطن... لنا جميعا.
ابدأ بالشكل فقد حملت طريقة تشكيل الحكومة الجديدة وعدد اعضائها ومشاركة ثلاث نساء فيها اشارات مهمة، تستحق التوقف والتأشير على دلالاتها فقد جاء الرئيس الجديد من خارج الصالونات السياسية التقليدية ولا يعني هذا ان ليس للرئيس الجديد رواد وعلاقات، مع سياسيين وبرلمانيين ونشطاء في البيئة الاجتماعية، التي لا ترحم مسئولا وتحمله مسئولية خاصة اتجاهها.
أما مشاركة المرأة بهذا الشكل الملحوظ فانه امر يدعو للسعادة والتباهي، فقوه الدفع لاسناد المرأة الاردنية لتأخذ دورها الطبيعي في العمل والانتاج والمساهمة في صنع حاضر المجتمع ومستقبله يجب ألا تتوقف، وهذا الحضور النسائي في ميدان السلطة التنفيذية صاحبة الولاية العامة، رسالة قوية فيها نظرة تقدمية عصرية للمرأة الاردنية التي تستحق لانها تملك كل مقومات الصدارة في كل المواقع من دون استثناء، قيل لنا من معارضي هذا التوجه ماذا ستفعل أمل الفرحان في وزارة البلديات وهي لا تعرف عن البلديات وهمومها شيئا، قلنا لهم وهل كل من تحمل المسئولية الاولى في البلديات كان يعرف شيئا عنها؟! وباستثناءات قليلة جدا، فان من تسلموا هذه الحقيبة لم يكن لهم من امرها شيء.
هذه الملاحظة لا علاقة لها بجنس الوزير، بل بما يمثل هذا الوزير من وعي وثقافة ومفاهيم مشكلتنا هي ان الوزير رجلا كان ام امرأة لا يحمل برنامجا مسبقا فهو ليس ممثلا لحزب يحمل رؤية وبرنامجا واختير لينفذ هذا البرنامج. وبدا النائب حدادين متشائما عندما قال «لا اتوقع حدوث تغيرات على السياسة الاقتصادية - الاجتماعية المعتمدة فأركانها في الحكومة السابقة ما زالوا يحملون ملفاتهم الاقتصادية في حقائبهم وادارجهم، الفريق الاقتصادي نفسه يحكم مع تدوير في المواقع».
وأضاف: لا أظن ان الرئيس أبوالراغب كان يعوق عمل الفريق الوزاري الاقتصادي - الاجتماعي، على رغم الاشارات التي كانت تصدر من هنا وهناك عن وجود تباين في الرأي، بين الرئيس وبعض اعضاء الفريق الاقتصادي، ولا نستطيع ان نقرر على كل حال من كان على خطأ أو على صواب، لعدم توفر التفاصيل بين ايدينا لكننا نستطيع ان نجزم ان الرئيس ابوالراغب كان متفانيا في دفع عملية الاصلاح الاقتصادي وانه شق الطريق امام الفريق الاقتصادي الحاكم وتحمل تبعات كثيرة في هذا السياق، اقول ذلك بغض النظر عن ملاحظاتي على هذه الوجهة الاقتصادية وابعادها الاجتماعية.
اذا كان هناك من تغير على وجهة الحكومة الاقتصادية - الاجتماعية، فاننا نأمل ان تلتفت الحكومة الى واقع حال الناس وتدني مستوى معيشتهم، لا فقط الى الارقام والجداول الصماء، بما يعني ذلك الالتفات الى ان الفئات الشعبية تحملت وحدها تبعات برامج التصحيح الاقتصادي... سننتظر لنرى
العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ