جاءت آخر توصيفات المقاومة العراقية من وجهة النظر الأميركية على لسان قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جون أبي زيد في حديث ادلى به إلى الصحافة في عاصمة البحرين، قال فيه، إن «الجهات التي تقف وراء المقاومة العراقية بأنواعها اما من اتباع نظام صدام المخلوع، او من انصار اسامة بن لادن»، واضاف ابي زيد «غير انه توجد عناصر، نحتجز بعضا منهم، تمثل جنسيات عربية مختلفة مثل سورية والسودان ولبنان ودول أخرى».
والحق، فان توصيف القائد الأميركي للمقاومة العراقية، ليس جديدا، فقد سبق ان أكد مسئولون أميركيون آخرون، تلك الصفات لمقاومة العراقيين لقوات الاحتلال الأميركي - البريطاني، التي نشطت منذ احتلال العراق، ولاسيما في التصريحات التي صدرت عن الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته كولن باول، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، وحاكم العراق بول بريمر.
وكما هو واضح، فان التركيز الأميركي في وصف المقاومة العراقية، ينصب على ان المقاومة، انما هي بقايا النظام السابق، وهي بدرجة أخرى، مقاومة المجموعات الأصولية الاسلامية وخصوصا جماعة «انصار الاسلام»، التي يزعم الأميركيون انها مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، و يضيف الأميركيون إلى الجماعتين، المتطوعين العرب الذين دخلوا إلى العراق، وانخرطوا في أعمال المقاومة العراقية ضد الاحتلال.
وبطبيعة الحال، فان التوصيف الأميركي للمقاومة العراقية، توصيف سياسي، يحاول القول: إن غالبية العراقيين خارج مقاومة الاحتلال، بل هي راضية وربما راغبة في وجوده، كما يحاول التوصيف الأميركي، وضع المقاومة العراقية في سياق السياسة الأميركية سواء منها ما اتصل بالعراق، او ما اتصل منها بالحرب على الارهاب، كما ان التوصيف من جهة ثالثة موظف لخدمة السياسات الأميركية المتبعة حيال دول الجوار العراقي، ولاسيما الدول المعترضة أوالمعارضة للسياسة الأميركية في العراق ولاسيما سورية وإيران والمملكة العربية السعودية، ولكل منها مواقف ووجهات نظر حيال ما جرى ويجري في العراق.
غير ان الوقائع المحيطة بالمقاومة العراقية، تذهب إلى اتجاه آخر في توصيف المقاومة. وفي المقام الأول، فان طبيعة مسرح عمليات المقاومة العراقية في امتداده ما بين جنوب العراق وشماله مرورا ببغداد، تؤكد الطبيعة العامة لمقاومة العراقيين، اذ هي لا تقتصر على منطقة واحدة، على رغم تميزها في المناطق المحيطة ببغداد، وهذا يقود إلى قول، ان الموازي الجغرافي لانتشارها، هو انتشار بشري، يؤشر إلى مشاركة العراقيين على تنوعهم وتعددهم في مقاومة الاحتلال. وأكدت تصريحات كثيرة من القادة العراقيين من مختلف الطوائف رفضهم الاحتلال الأجنبي لبلادهم، ورغبتهم في خروج القوات المحتلة من العراق في أسرع وقت ممكن، سواء من خلال مساع سياسية ، أو من خلال المقاومة المسلحة للاحتلال لاجباره على الخروج من العراق.
ولا يحتاج التدليل على عمومية المقاومة العراقية للاحتلال، أكثر من التوقف عند عمليات التدمير والمداهمة والقمع والاعتقال التي تتابعها القوات الأميركية - البريطانية في العراق، التي طالت مدنا وقرى العراق، كما طالت جمهور العراقيين وقادتهم من مختلف الطوائف والجماعات في تأكيد عملي من جانب الاحتلال على ان غالبية العراقيين منخرطة في مقاومة الاحتلال سياسيا او عسكريا.
ولاشك في ان الربط الأميركي للمقاومة بتسلل عناصر من دول الجوار إلى العراق، هو ربط ساذج، إذ ان اعداد المتسللين اذا تم تسللهم لا يمكن ان تقوم ولأسباب متعددة بمثل ما تقوم به المقاومة العراقية من اعمال يومية ونوعية، تبلغ عشرات العمليات أسبوعيا، تحتاج إلى اعداد كبيرة من المقاومين، والى انتشار جغرافي واسع لهم، كما تحتاج إلى اسلحة وذخائر وخبرات قتالية، وكلها امور تعجز امكانات متطوعين متسللين عن توفيرها، باستثناء ان دول الجوار، لا يمكنها الذهاب في سياسة تسهيل مرور المتطوعين، ما يجعلها في قائمة أهداف العسكرية الأميركية. وتصاعد عمليات المقاومة ضد الوجود العسكري الأميركي والبريطاني، يكشف في الجانب الأهم منه، الأساس الذي تنطلق منه مقاومة العراقيين للاحتلال، ذلك ان العراقيين وقد تخلصوا من النظام السابق، اكتشفوا خديعة الاحتلال، بان هدفه لم يكن اسقاط النظام السابق من خلال إعلان العزم على البقاء في العراق، كما اكتشفوا كذب مبررات الحرب وخصوصا امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وترافقت اكتشافات العراقيين مع وضوح أطماع المحتلين بثروات العراق، وتزايد وقائع البؤس والحاجة في صفوف العراقيين، وتضيق حرياتهم ماعدا تلك المرتبطة بوجود الاحتلال ومصالحه، ما وسع الدور الدموي لقوات الاحتلال تدميرا وقتلا واعتقالات، تصيب الكثيرين من ابناء العراق.
ودفعت وقائع الاحتلال أعدادا متتالية من العراقيين إلى صفوف المقاومة، مضافا اليها ما قام به الاحتلال في عدوانه على العراق من تدمير لبنيته التحتية، والاقتصادية، والاجتماعية والتعليمية، والصحية، وتفكك هيكليته المؤسسية والغاء دولته، ونهب وتدمير المؤسسات العلمية والثقافية وما رافقها من جرائم قتل وتشريد واعتقال وغيرها، وكلها جذرت مقاومة العراقيين للاحتلال، ودفعتها لتصير التعبير الأكثر أهمية عن موقف العراقيين من الاحتلال، وخصوصا في ظل الانسدادات التي واجهت ولاتزال المراهنات على حلول يقوم بها المحتلون، ولاشك في ان الوقائع تسقط التوصيفات الأميركية للمقاومة العراقية، وتجعلها مجرد توصيفات لا معنى لها
العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ