العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ

صحافي ألماني يقابل اثنين من فدائيي صدام

جانب من المقاومة العراقية

وقف الرجلان في المطبخ، أحدهما يعد الشاي والآخر يغسل التمر وهما يتحدثان عن الشخص الجديد الذي سيقتلانه. الأول اسمه محمد الشاين ويبلغ 28 عاما، من مواليد بغداد لم ينه دراسة الهندسة ثم عمل في إصلاح السيارات. الثاني يدعى بسام النجفي ويبلغ 45 عاما، من مواليد الفلوجة. وقال محمد: صدقني يا بسام إنها أفضل طريقة. وكان محمد يتحدث عن مشاركته في عقاب أحد المتعاونين مع الاحتلال الأميركي، وأضاف: «كنا ثلاثة أمسكنا به وسحب أحدنا لسانه وقام بقطعه وتركناه ينزف».

الصحافي الألماني رالف هوبي الذي اجتمع باثنين من رجال المقاومة العراقية لم يخفيا أنهما من أتباع صدام حسين، سألهما: «كم من المال يحصل(الخائن) من الأميركيين؟ فجاءت الإجابة: حوالي 350 دولار مقابل الإرشاد إلى كل عضو في المقاومة السرية. وقال بسام لمحمد: «الطريقة الأفضل: رصاصة في الرأس وأخرى في القلب». ثم اتفقا على الأخذ بنصيحة (الرائد).

في تقريره من بغداد يقول الصحافي الألماني إن المكان الذي اجتمع فيه مع محمد وبسام يقع في منطقة الأدهمية، غير بعيد عن جامع أبو حنيفة. وهما بالتأكيد لا يقيمان فيه بصورة دائمة، لكنه حاليا مقر للمقاومة العراقية ومخزن لأسلحتها. وقال محمد إنه سمع القائد العسكري يقول: «يجب أن نعمل بسرية تامة وفي صورة أشباح».

قبل خمسة أشهر وتحديدا بتاريخ 1 مايو/أيار، حطت على حاملة الطائرات الأميركية (أبراهام لنكولن) طائرة من طراز أس 3 ب فايكينغ وترجل منها القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية جورج بوش. وبعد أن استبدل بزته العسكرية بسترة سوداء ألقى كلمة أعلن فيها نهاية العمليات العسكرية الرئيسية في العراق. واستمرت الكلمة 25 دقيقة، لكن كان فيها خطأ فاضح، وهي ان الحرب الحقيقية بدأت في تلك اللحظة. فحرب العراق التي أعلن بوش نهايتها قبالة ساحل كاليفورنيا كانت حربا سريعة. أما الحرب الثانية فمن المنتظر أن تدوم طويلا. فلم يعد الرأي العام الأميركي يحصل منذ ستة أشهر، على بيانات عسكرية تتحدث عن انتصارات القوة العظمى، بل حلّ مكانها أنباء تتحدث عن كارثة تتلو أخرى، من سيارات مفخخة تنفجر في شوارع المدن العراقية وصواريخ استهدف آخرها الفندق الذي كان ينزل فيه نائب وزير الدفاع الأميركي. وقبل ذلك قتل ممثل الأمم المتحدة سيرجيو دوميللو في انفجار هز مقر الهيئة الدولية، ثم التفجير الانتحاري الأخير الذي استهدف مقر الصليب الأحمر الدولي ومراكز الشرطة العراقية.

هناك استراتيجية واضحة تقف وراء أعمال التفجير، فبغض النظر عن الجهة التي تنفذها فإن هدفها إجبار الأجانب على مغادرة أراضي العراق ليحصلوا على فرصة أفضل لتصفية الحساب مع الجنود الأميركان. وتسعى هذه الجهة أيضا إلى منع نجاح الاحتلال الأميركي من تحقيق تقدم في عملية إعادة تعمير العراق. وتفكر منظمات المساعدة الدولية بعد وقوع الأعمال المدوية الاثنين الماضي بالفترة التي تمضيها في العراق. والرسالة الواضحة أيضا أن الولايات المتحدة عجزت حتى اليوم عن ضمان الأمن للعراقيين وللخبراء العاملين في منظمات المساعدة الدولية، ففي الوقت الذي ترابط دبابات الاحتلال أمام وزارة النفط لم يكن أمام مقر الصليب الأحمر أكثر من سيارتين تابعتين للشرطة العراقية المجهزة بأسلحة خفيفة. وتواجه القوافل العسكرية الأميركية خطر تفجير الألغام في طريقها منذ ستة أشهر، كما استهدفت الصواريخ مواقع القوات الدانماركية في القرنة وقاموا بنسف أنابيب النفط في كركوك، ويحاولون كل يوم إسقاط واحدة من طائرات الخطوط الجوية الأردنية لدى تحليقها داخل الأجواء العراقية بداعي أنها تقوم بمهمات النقل بين عمان وبغداد.

ومنذ إعلان بوش من على متن الحاملة (أبراهام لنكولن) سقط ما يزيد على مائة جندي أميركي، بمعدل أربعة جنود في الأسبوع، إضافة لعدد أكبر من الجرحى. لكن لا أحد يكترث في إحصاء عدد المدنيين العراقيين أو رجال المقاومة الذين يسقطون في هذه الحرب. ولم تعد حرب العراق مغامرة بالنسبة للجنود الأميركيين. فبعد دخولهم بغداد حاولوا الإيحاء -على الأقل أمام الكاميرا - بأن العراقيين يحتفون بوجودهم وقاموا بتوزيع الحلويات على الأطفال. هذه الصور التي تذكر بالتجربة العسكرية الأميركية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والهدف منها إقناع الرأي العام الأميركي أن الشعب العراقي يؤيد الغزو. لكن بعد وقت قصير على استسلام بغداد نشأت علاقة مشحونة على الدوام بين المواطنين وجنود الاحتلال. حتى أصبح الجندي الأميركي اليوم يضغط على الزناد حين يلمح عراقيا يسير نحوه بالسيارة أو مشيا على الأقدام، خشية أن يكون انتحاريا جديدا.

خلايا المقاومة السرية

بسام ومحمد متزوجان ولهما أولاد وعملا في مهن مختلفة، لكن يجمعهما إعلان الحرب على الرئيس بوش. وأعربا عن نيتهما في مواصلة مهاجمة الجنود الأميركيين طالما بقيا في العراق. وكشفا بأنه لا أحد في الأسرة يعرف أنهما يعملان بنشاط مع المقاومة. وأكدا عدم تفكيرهما بالقيام بعمليات انتحارية لأنهما يريدان البقاء على قيد الحياة للسهر على راحة الأسرة والأولاد.

واللافت ان الحرب الثانية بدأت بتاريخ 29 ابريل/ نيسان، بعد يومين من خطاب بوش، بدأت الحرب في الفلوجة الواقعة على مسافة نصف ساعة بالسيارة من بغداد. في هذه المدينة احتل الأميركيون مدرسة أقاموا فيها معسكرا لهم، ما أثار غضب سكان المدينة خاصة الرجال الذين خشوا على نسائهم وبناتهم، وسرعان ما قامت مظاهرة تطالب جنود الاحتلال باختيار موقع آخر، وخلال المظاهرة رفعت شعارات مؤيدة لصدام حسين. وفجأة انطلقت رصاصة قام المتظاهرون على إثرها برمي جنود الاحتلال بالحجارة وانتهى اليوم الدامي في الفلوجة بمقتل ثمانية عشر شخصا برصاص الأميركيين بينهم نساء وأطفال.

يقول بسام: «بعد الحرب شعرنا أنه لحقت بنا إهانة كبيرة وكدنا نفقد الثقة بأنفسنا بعد سقوط الفلوجة. لكن مع نجاح كل ضربة ضد قوات الاحتلال كنا نحصل على شعور قوي بأنه بوسعنا المقاومة. ومع إنزال العقاب بكل (خائن) نشعر الناس أن الحزب ما زال موجودا».

محمد وبسام من أتباع حزب البعث، الحاكم سابقا في العراق، وانتميا للحزب لقوة الاعتقاد حسب قولهما، وأشارا إلى ان الأوضاع في عهد صدام كانت أفضل لأن العراقيين بحاجة إلى زعيم قوي. وقد طالع الرجلان فكر مؤسس البعث ميشيل عفلق وشاركا في اجتماعات لجان الحزب وحصلا على التدريب العسكري، ويقولان إن نظام البعث ما زال قائما ويعمل سرا. كما أن المقاومة منظمة في خلايا صغيرة، كل خلية لا يزيد أفرادها عن عشرة رجال ولها مخزن سلاح خاص. وثلاث خلايا تشكل شعبة. ولا يتم الاتصال عبر الهاتف وإنما يلتقي أعضاء الخلايا في بيوت وفي زوايا الشوارع. وعند الاضطرار للإتصال ببعضهم هاتفيا فإنهم يستعملون لهجة عراقية بحتة من الصعب على الأميركيين الذين يراقبون المكالمات الهاتفية وسبق لهم أن تعلموا اللغة العربية، فهم اللهجة الشعبية التي يصعب حتى على بعض العرب مثل الفلسطينيين والمصريين فهمها. ولا يعرف محمد وبسام القائد العسكري الذي يسمونه (الرائد) شخصيا، وهو الذي يتصل بهما ويوكل لهما القيام بمهمة عسكرية جديدة ضد الاحتلال.

محمد قتل أربعة جنود أميركيين في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي في ضاحية الدّرة جنوب بغداد. وقال إنه حصل من (الرائد) على معلومات عن توقيت مرور قافلة عسكرية أميركية في شارع محمد الدرّة، الطفل الفلسطيني الشهيد الذي قتل برصاص الإسرائيليين أمام الكاميرا، وبعد أن مرت العربات الأولى رمى آخرها بصاروخ آر بي جي عن بعد ثلاثين مترا أدى إلى تدمير الشاحنة وقتل من فيها ونجح في الفرار من موقعه واختبأ في الحقول عملا بنصيحة (الرائد) الذي يقول دائما: «أعملوا كأنكم أشباح».

صدام والقاعدة

وكان محمد وبسام في فترة الحرب ضمن فرق فدائيي صدام. ويؤكد عدم اهتمامهما بالمعلومات التي يروجها الأميركيون بخصوص عمل مئات من مقاتلي(القاعدة) بنشاط في العراق. وقال بسام ان صدام سوف يطردهم فور استعادته السلطة. وسمحا بالتقاط صورة لهما تحت صورة لصدام بالبزة العسكرية بعد أن غطّيا رأسيهما بكيسين أسودين.

يقول الصحافي رالف هوبي إنه استقل سيارة بعد مقابلته مع عضوي المقاومة العراقية نقلته إلى مقر(الرائد) الذي منحه 5 دقائق لطرح أسئلته، وخرج بالمعلومات التالية: بأيدينا نحو سبعة ملايين بندقية كلاشينكوف ومليوني قنبلة يدوية ومائة ألف صاروخ آر بي جي وألغام، لكن للأسف ليس لدينا عدد كاف من الصواعق. كما نعاني من قلة المال لأنه ينبغي علينا تزويد رجالنا بالمال لأنهم لا يحصلون على وظائف وعليهم إطعام عائلاتهم. وأضاف (الرائد) وهو ينفث سيجارته: «إننا نعتمد على بسالة رجالنا، وسنحارب كل جهة تساند الأميركيين». ولما سأله الصحافي عن رجاله أجاب: أكثر من مائة ألف رجل، ونصف عدد العراقيين يقفون في صفنا. ويحتفظ (الرائد) في جيبه برسالة كتبها صدام حسين بخط يده يدعو فيها العراقيين لمقاومة الاحتلال، قرأ مضمونها ثم أعلن نهاية المقابلة. في الخارج بدأت بغداد تصحو من نومها وكأن الحياة فيها عادية، لكنه شعور زائف، يذكر بسايغون

العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً