العدد 419 - الأربعاء 29 أكتوبر 2003م الموافق 03 رمضان 1424هـ

أركون والمريد... وقراءة الآخر

لفت نظري بحث لهاشم صالح معنون بـ مدخل إلى فكر محمد أركون (نحو أركولوجيا للفكر الإسلامي) منهجيات علوم الإنسان والمجتمع ومصطلحات مطبقة على دراسة الإسلام... (منشورة في مجلة «نزوى» العمانية، ع 3) والذي يتناول فيه المدخلية لفكر محمد أركون معتمدا على إرثه البحثي الذي استطاع تحقيقه بترجمة سبعة كتب أو تزيد عوضا على الشروحات والهوامش وما إلى ذلك من ترجمات عربية مذ العام 1978.

يعترف صالح وبعد كل ذاك المكث البحثي مع دراسات أركون أن اللغة المستخدمة في بنية البحث لديه (أي أركون) مازالت تستعصي على الكثير من الناس بينهم الكثير من المثقفين المطلعين... ولم يذكر الباحث سببية هذا الغموض المتناهي في الجفاف ألبتة باستثناء ذكر استخدام أركون لمصطلحات تستعصي على الفهم إلا مع الشروحات المطولة وذلك بذكر تاريخيتها وسببية ظهورها وشخوصها، إذ يذكر، أنه و«على الرغم من كل هذه الجهود إذن بقي فكر من أركون صعبا، بل ومستغلقا في محاوره وأسسه الكبرى على القارئ العربي». وتبقى تلك المصطلحات محل تأمل كبير تحتاج إلى بحثية ذات خصوصية مفاهيمية، إذ «لا يكفي تعريبها إلى اللغة العربية بكلمة واحدة أو حتى بجملة، وإنما ينبغي أن تشرح شرحا وافيا يبين سبب نشأتها في الفكر الأوروبي، وعلى يد من، وضمن أية ظروف من المناقشة العلمية، وما هي الحاجة التي سدتها أو الرغبة التي لبتها، إلخ... كما ويلزم علينا أن نكشف عن سبب اختيار محمد أركون لها دون غيرها، ولماذا طبقها على دراسة الفكر الإسلامي، وكيف طبقها، وما مدى نجاحه في ذلك، الخ» كما يقول هاشم صالح، ويرفض أن تحال تلك المصطلحات لما يسمى بـ «العلوم الإنسانية» فقط، ويذكر أنها تخص العلوم الإنسانية والمجتمع معا، فـ «التسمية الأكمل -كما يقول صالح - هي علوم الإنسان والمجتمع لأن المقصود ليس فقط دراسة الفرد أو الإنسان مستقلا بحد ذاته، وإنما دراسة الفرد في المجتمع أيضا أي دراسة بنية المجتمع وآلياته ووظائفه». وهذه الدراسة أصبحت شهيرة في الثلاثين سنة الأخيرة، بل وأصبحت تشكل المنهجية السائدة في بيئات البحث العلمي. فمنهجيات علم الاجتماع، وعلم النفس، والتحليل النفسي، وعلم الانثربولوجيا، وسلم التاريخ، وعلم اللسانيات، وعلم الأديان المقارنة، الخ... تتضافر كلها من أجل فهم الإنسان وفهم المجتمع.

لكن يبقى الباحث يذكر أركون بتلك الصيغة بوصفه مفكرا اجتاز مراحل كثيرة من العمل البحثي المضني ولا يستطيع منطقيا إلا أن يكتب بتلك الصيغة الصعبة، وعلى القارئ العربي الترفع لهكذا مستوى لوجود إلحاح منطقي في قراءة أركون! إذ إن النقد الأركوني - حسب صالح - قد أدى إلى وعي نقدي كبير عرى الأساطير والأوهام وقرأ تاريخ الإسلام بشكله الصحيح، ويسترسل الكاتب في مديحه ذاك ليقول: «وهو الذي طالما عرى الأساطير وكشف عن جذور تاريخية الفكر الإسلامي يضاف إلى ذلك ان هذه العملية - أي ترجمة أركون - تمكنني من الإجابة على الكثير من التساؤلات التي يطرحها القارئ العربي على نفسه فيما يخص تراثه الديني، أو تراث الغرب، أو المسيحية، أو الإسلام، أو الظاهرة الدينية بشكل عام وكيفية دراستها في البيئات العلمية الأكثر طليعية».

لا يتنصل هاشم صالح بتاتا عن أية شاردة أو واردة تروح وتجيء من مباحث أركون، ومعروف أن الرجل لا يفرط بأي سنتيمتر نظري في الأدبيات الأركونية التي تتمفصل عن قراءة الإسلام من منظور العلوم الحديثة والمصطلحات التي ما لبث أركون يلاحقها حثيثا بغية اللحاق - كما يرى - بركب التطور النظري والمفهومي الذي وصل له الغرب. وهنا يفرط هاشم صالح كثيرا في وصفه لقراءات أركون حينما يتناهى في تبريراتها التي تصطدم حينا مع الواقع وتتكسر أحايينا على صخور القراءات الأخرى، لذلك، فإن الحديث عن مفكر بهذا النسق من الحديث المتبنى لدى هاشم صالح هو بالضرورة حديث عن طيف نبـوي لا يدعي أركون ذاته الارتماء في أحضان الوحي حتى وإن كان ذلك الوحي ابستمولوجيا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً