العدد 419 - الأربعاء 29 أكتوبر 2003م الموافق 03 رمضان 1424هـ

الذهول برسوم ومخطوطات ليوناردو دا فنشي

باريس - كلودين كانتي 

تحديث: 12 مايو 2017

إنه المعرض الحدث هذا العام في متحف اللوفر: فبعد مرور نصف قرن على تكريم ليوناردو دا فنشي الذي احتفي به العام 1952 بمناسبة الذكرى الـ 500 لميلاد واحدة من العبقريات الاستثنائية في مختلف العصور والأزمنة، مازال معلم عصر النهضة الفلورنسي الأصل (1452 - 1519) يجذب جمهورا غفيرا يأتي اليوم لتأمل وربما لاكتشاف الطابع الرائع في عمله أي الرسوم التي يملك متحف اللوفر أهم مجموعة منها في العالم بعد ملكة انجلترا. وبعض هذه الرسوم لم تعرض أبدا. هناك ثلاث لوحات - ليست بينها الموناليزا التي تجذب وحدها بين 5 و6 ملايين زائر كل عام والتي ستحوز قريبها على قاعة مخصصة لها - تظهر في المجموعة المعروضة تحت عنوان «رسوم ومخطوطات» ليوناردو، عرض قسم منها الشتاء الماضي في متحف متروبوليتان ميوزيوم في نيويورك.

قدم المعرض 132 رسما (85 رسما أصليا ليوناردو و47 عملا لتلامذته وأتباعه). كما أن هناك 12 مخطوطة أعارها بشكل استثنائي المعهد الفرنسي، لم تشاهد منذ العام 1952، وثلاث لوحات وألبوما صور بورتريهات، ولوحة «النافرة». جيء بهذه الأعمال من 28 متحفا ومؤسسة فرنسية وعالمية. يظهر التنوع في الأبحاث عند ليوناردو الفضولي حتى الرمق، عبر 14 قسما من مسيرة تاريخية وموضوعاتية. سرعان ما ندرك لماذا تألفت عن هذا الفنان الاستثنائي أسطورة «العبقري العالمي» والذي يقاله إنه «اخترع كل شيء»، منذ الدراجة الهوائية أو المروحية حتى «الآلة الطائرة» التي لا تطير. بقي منها في العالم حوالي 4000 نسخة، في حين أنه لم تصلنا سوى 15 لوحة، كعلامات رائعة في تاريخ الفن.

يمثل العرض المتتالي للرسوم ولـ 12 مخطوطة تحوي ملاحظاته ومسودات الرسام المجموعة طيلة حياته والموضوعة في كراس بعد موته، لرئيس اللوفر ومديره هنري لويريت، «مناسبة فريدة لقياس «نوعية الكتابة» عند ليوناردو: كتابة الكاتب والعالم والشاعر الذي اشتغل على وصف الجمال وأسرار العالم، وكتابة الرسام الذي ظهر كما لو أنه أراد أن يطوي يده على إيقاع الفكرة أو بالعكس للتحكم بالوثبة، والتي وضعت في الهوامش صور مختصرة ومؤثرة وسريعة عن ملاحظاته». نشير إلى دهشتنا الدائمة أمام كتابته «غير المقروءة»، بيده اليسرى ومن اليمين إلى اليسار، على شاكلة «المرآة». إضافة أخرى إلى السر الذي يحيط بحياته وبعمله، وليس فقط بالابتسامة اللغز للموناليزا. يمكن الاطلاع على كامل المخطوطات، وبعضها صغير جدا، المفتوحة على صفحة مضاعفة، وبشكل رقمي (أكثر من 1000 صفحة مضاعفة) انطلاقا من علامات شغلت بالحاسوب، مع إمكان تدوير الصفحات لقراءة الكتابة المعكوسة. إنها رحلة رائعة في الذهن المخترع لرجل أراد اكتشاف مختلف الميادين: الهندسة المعمارية، والعمران، والميكانيك، والطاقة المائية، وعالم الكواكب والهندسة والخرائط والنباتات والبيولوجيا وعلم التشريح. تتجاوز الأبحاث واستعادة المشهد المسودات التي أعدها للآلة الحربية، كما هو التفكير بالمتحجرات البحرية والدراسات على العين البشرية أو التناغم البشري والحيواني الذي استعمله لاحقا في لوحاته.

ولد في 14 أبريل/ نيسان 1452 في فنشي (توسكانة) ودخل ليوناردو باكرا في محترف الرسام والنحات الفلورنسي أندريا دل فيروكيو، إذ تميز منذ الـ 17 من العمر بمهارته في تطبيق أسلوب معقد جدا في الرسوم على الجوخ. تضع المرحلة الثانية من عمره زائر المعرض مباشرة في الذهول: وهنا اللوحات الأولى «للعذراء والطفل» التي درسها ليوناردو بين العامين 1475 و1485 في فلورنسا وفي ميلانو وبعدها عمل في ديوان سفورزا (قدم إلى لودوفيك لو مور وعرض كفاءته كمهندس حربي أكثر مما تكلم عن مواهبه كمهندس أو رسام). يدع العطف الصافي الذي يوحد الأم والطفل المنهمك أحيانا باللعب مع قط، الظهور كنبوءة مؤلمة ما آل إليه مصير المسيح. هناك لوحة «رأس امرأة شبه جانبي» التي اختيرت كمنارة في المعرض، رسمها بريشة معدنية على ورق أزرق شاحب، بحسب تقنيات اخترعها ليوناردو نفسه وعلمها لتلامذته وتسمح بإظهار التأثيرات الدقيقة من الظل والنور، كما «سفوماتو» الرسم الشهير. وبعدها جمعت الرسوم حول مشروع كبير «عبادة المجوس» اللوحة التي لم ينهها ليوناردو والمحفوظة في فلورنسا. ولوحة «عذراء الصخور» التي توجد منها نسختان، واحدة في اللوفر والأخرى في ناشيونال غاليري في لندن، أحيطت بها رسوم تحضيرية وللمرة الأولى مجموعة من 11 رسما تقدم تاريخ اللوحة «العذراء الطفل يسوع وسانت أنا» مجموعة حولها.

تكمن روعة المعرض في قاعة كرست للبورتريهات، هذا الفن الذي برع فيه ليوناردو (لكن الموناليزا ليست معها، علما بأن الجميع يفكر بها). وأجمل ما فيه مخطط عمل لم يرسم أبدا وهو «بورتريه إيزابيل دست» زوجة الماركيز دو مانتو. وهذا هو الرسم الوحيد الذي وضع فيه الرسام بعض الألوان. أما «سكابكلياتا» فهي لوحة رائعة بلون واحد على خشب لم تختم، تمثل رأس امرأة بشعر لم يجدل وقد تعبر عن المثال في الوجه النسائي. لكن إذا كان الجمال حاضرا في كل أعمال ليوناردو، فهناك أيضا: القبح والتشوه بل المسخ، هذه الأشكال التي استوحى منها كما تشهد سلسلة من «المسوخ» تبين ما لم تتقنه الطبيعة، بعيدا عن الوجوده المثالية. يمكن مقاربتها بـ «بيان الرسم» الذي أراد ليوناردو كتابته وأعد بعد وفاته، انطلاقا من ملاحظات دونها، منها «قسمات وجوه تبين بشكل جزئي طبيعة البشر وعيوبهم وأمزجتهم». فهو يصف الأنوف (مع ومن دون الحدبة) و«الأفواه، والذقون والحناجر والأعناق والأكتاف» التي ينصح الرسامين بدراستها للتمسك بسمة نماذجهم.

دائم التنقيب في الوجه والجسم البشري (شرح حوالي 30 جثة) ولاحظ فعل الزمن عليها كما رسم بورتريهات رائعة لرجال مسنين تظهر من خلالها تجربة العمر. وتقارب رؤوس المحاربين المخيفين، دراسات لعمل اختفى هو موقعة دانغياري، التي تذكر من خلال نسخة مجهولة لفنان إيطالي من القرن الـ 16 نقحها روبان وزاد عليها.

أمضى ليوناردو السنوات الثلاث من عمره في قصر كلو لوشي في أمبواز، (فال دو لوار في فرنسا)، الذي قدمه له الملك فرنسوا الأول، وتوفي فيه في 2 مايو/ أيار 1519. فتحت أخيرا حديقة ليوناردو دا فنشي «لرحلة تمهيدية» مع لوحات كبيرة واستعادة بحسب الحجم لاختراعاته.

«أخبار فرنسا» بالاتفاق مع السفارة الفرنسية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً