العدد 419 - الأربعاء 29 أكتوبر 2003م الموافق 03 رمضان 1424هـ

المطلوب نظرة «جندرية» حديثة لأدوار المرأة والرجل في المجتمع

عندما يشير سهم التاريخ إلى المرأة العربية

تحدث أحدهم وقال بثبات وثقة، ثمة انقلابات حدثت وجميعها تؤشر إلى أنها لصالح المرأة العربية، لا بل عد أن تحديث قوانين الأحوال الشخصية في المغرب، ومنح الإيرانية المسلمة «شيرين عبادي» جائزة «نوبل للسلام»، والإجراءات الأخيرة لتعديل قانون البلديات في الكويت لمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب، وتوجه الهيئات المتخصصة في دول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة دور المرأة الخليجية السياسي، كلها تعد قفزات شجاعة توفر عامل الصعود «للسلطة الأنثوية» في عالمنا العربي والإسلامي.

ولا خلاف أبدا على ما قيل، لكن الأمر ليس بالصورة الوردية التي نتصورها، فالجميع يدرك - على سبيل المثال - أن الخطاب النسائي العربي لم يجدد نفسه بحقائق الواقع، إذ إنه لايزال بعيدا كل البعد عن طموحات العامة من النساء في مجتمعاتنا، ويحق القول أنه يمثل حالا من الفصام والاغتراب التي تعيشها النساء المثقفات والمتعلمات عن باقي أخواتهن في المجتمع. وليس لنا إلا أن نراقب الخطاب النسائي اللصيق بالتيارات الدينية، فهو - أي الخطاب - يتشكل وتنحصر جل طموحاته وأفكاره في تبعية جوهرية لشعارات وأهداف التيار الديني ومرجعياته العقائدية، كما أنها تشكل مصدره الأساسي لبناء برامج وخطابات هؤلاء النسوة، بغض النظر عن مدى ملاءمة هذه الخطب والشعارات لمصالح النساء جميعهن أم لا، ولا أدل على ذلك غير رفض بعض التجمعات النسائية لمسودة قانون الأحوال الشخصية بحجة موقف علماء الدين (المرجعية) حيث إنه لا يحق لأية جهة أن تشرع في قوانين الأسرة إلا المشرع الديني، كما أن بعض الخطب تبتعد كثيرا أو قليلا عن قضايا الوطن والأمة العربية والإسلامية، ولا تتحرك قيد أنملة إلا بتوجيهات من المرجعيات الدينية والعقائدية، وفي سياق دوائر وخطوط الحلال والحرام، وعليه هل ينهض هذا الخطاب النسائي ويتبلور في تيار مستقل يمارس كامل إرادته الحرة، ويمثل الشرائح والفئات والقطاعات النسائية في المجتمع كافة، ويقول لا للعبودية... نعم للحرية؟! وقتها بالتأكيد سنقوم بتوجيه سؤال مهم للغاية، عن مفهوم هذا التيار للعبودية، والحرية؟ من من ولصالح من؟ على اعتبار أن هذه المفاهيم نسبية وقابلة للتداول والتنظير!

والحال لا يقتصر على هذا التيار دون ذاك، فالقطاع العريض من النساء المثقفات الديمقراطيات - إن جاز التعبير - ما زلن يعشن الزمن الماضي، ويتلبسن بذات الخطاب غير المتجدد، فيتملكهن الخوف والتردد من خوض العمل السياسي على اعتبار أنه ما برح تهمة يتم تجنبها في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، أو ما تزال بعضهن في حال غناء للزمن الفائت والتقوقع في مرجعياته الفكرية ومصطلحات وشعارات حركات تحرر المرأة التي سادت في فترة السبعينات، بغض النظر عن كونها ملائمة للعصر الحديث من عدمه... فتسمع من هنا وهناك أصواتا تنادي بأولوية مشاركة المرأة الاقتصادية في المجتمع، على اعتبار أنها بوابة التحرر من قيود المجتمع والرجل، وتناقش علاقة المرأة والرجال من زاوية ثنائية وعدائية لا مثيل لها، كما أنهن يعشن في حال من حالات الإصرار أنهن يمثلن كل نساء المجتمع فقط لأنهن أسسن مؤسسة نسائية تنطوي على عشر إلى خمس عشرة امرأة، حصلن على مباركة الدولة والرضاء العام من مؤسساتها الحكومية، هذا عدا أن لديهن مفاتيح الحلول لكل قضايا النساء بسبب قدرتهن التفسيرية المتعالية لهذه القضايا دون النظر إلى جوهرها كقضايا مجتمعية.

نزعم، أنه على رغم ما تحقق من تقدم، فإن الحركة النسائية العربية بطيئة الإنجاز، ولم ترتق بعد للمرحلة النضالية التي مرت بها النساء في أوائل القرن الماضي على رغم محدودية الإمكانيات فأسباب هذا الحال كثيرة، ولسنا بصدد تناولها في هذا المقال، لكنه من المؤكد أن التقدم محدود للغاية على مستوى سن القوانين والتشريعات لصالح المرأة العربية والمسلمة التي تحميها وتعزز موقعها وتمكنها من اختراق الحواجز والتفاعل مع الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام. نقول إن الحركة متعثرة، وقد يختلف معنا البعض، لكنه بالمطلق سنتفق على حاجتها لهزة عنيفة، إذ إن دائرة الإشكالية التي تمر بها المرأة العربية في توسع، والمجتمع مسئول بشكل مباشر عن مظاهرها، كما لا تخلى مسئولية فئات واسعة من النساء المثقفات والمتعلمات في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فكيف يتعاملن مع هذا الواقع؟ وإلى أية درجة تثبت مسئوليتهن عن جمود هذا الوضع؟!

هناك إشكالية لواقع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، نعم أمر لا شك فيه، قد يقول البعض بأنه يتعلق بطبيعة النظم السياسية القائمة، أو العلاقات الاجتماعية المهيمنة والوعي الاجتماعي الذي لا يقر بالتنوع والتعدد، وهناك أمور تتعلق بهويتنا الثقافية والخيارات والرهانات المتاحة في ظل غياب الممارسة الديمقراطية وإرساء البناء الديمقراطي في بعض المجتمعات، أو بسبب الممارسة الديمقراطية المشوهة والمجزأة، والأهم من ذلك سيطرة ثقافة الاستهلاك السائدة على ذهنية قطاعات واسعة من النساء، وتعاظم دور بعض المثقفات والمتعلمات التبريري أما للثقافة والقيم السائدة، أو للفكر المتذبذب الحائر بين المواقف الانتهازية والمصالح الذاتية مع نظم الحكم بسبب الرغبة في الأمان والكسب والاستقرار.

وعليه نقول ثانية، لن تتجاوب المرأة العربية والمسلمة مع مؤشر التاريخ الذي لا يرحم عندما يبسط لها الظروف الموضوعية، إلا إذا شكلت رقما فاقعا في بناء الوعي وترسيخ الثوابت من خلال دورها في العملية النضالية الديمقراطية، ونشاطها المكثف في مؤسسات المجتمع الأهلية، ليكون لها فرصة المشاركة في صوغ القرار، وهذا بحد ذاته يتطلب الوعي لدور الشريك. هذه الأمور تتحقق بالمرونة، وطول النفس وبلورة خطاب يحترم الآخر فكرا وسلوكا وموقفا، وينطلق من أنه ليس الوحيد فكرا وشخصا ومؤسسة في هذا العالم، ويبلور خطابه الواقعي ليس لما يريده هذا الزعيم أو ذاك الفقيه أو لهذه الفئة أو الطائفة أو الجماعة، إنما خطاب نسائي يعبر عن مطالب وطموحات شرائح وقطاعات واسعة من النساء، تطالب بتحسين ظروفهن المعيشية والسكنية والصحية، وتؤهلهن للقيام بدور الأم النوعي، الذي يربي أجيال المستقبل، ويوفر لهن شيئا من الاحترام والأمان بعيدا عن العنف الجسدي واللفظي السائد، شيئا من الإنسانية بعيدا عن جعجعة الشعارات.

بيد أن أخطر ما في الأمر أن لا تتحول المرأة إلى لاعب وأداة تقنية تتاجر بها الحكومات أو فئات متنفذة لها علاقة بدوائر أجنبية، لتكون صورة دعائية لها في الداخل والخارج، ولتحسين صورة هذا النظام أو ذاك وتلميعه، كما تبرر للعامة ممارساته في التمييع والتهميش، أي لا تتحول إلى أبواق للنخب الحاكمة، أو الزعماء السياسيين، أو الدينيين أو للمحتلين والمستعمرين، مؤشر التاريخ عندما يتحرك صوب المرأة يعني أن الأجراس قد قرعت لها لمشاركة أكثر حيوية، في الحركة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية عربيا وإسلاميا وعالميا وليس فقط سياسيا، يعني التصاق بقضايا الوطن والأمة وابتعاد عن الإحباط والمواقف العدائية واللامبالاة وحالات الاستسلام للتهميش والتمييز التي تمارس من قبل الدولة أو السلطات الاجتماعية المرتكزة على القيم والموروثات، يعني إدراكا لقيمة استثمار الوقت واللحظة والقدرات والإمكانيات النسائية، لغاية التقدم بواقع المرأة للأفضل، وانتزاع الفرص من خلال الممارسة الديمقراطية والمشاركة في الترشيح والانتخاب التشريعي أو البلدي أو مجالس إدارات المؤسسات السياسية أو مؤسسات العمل الأهلي، فالمشاركة تعنى تجسيدا للإدراك العميق والالتزام الحر المسئول الواعي، وإن لم تشارك فليكن لها رأي علمي مجادل يفسر الأسباب والمبررات، ويأخذ له موقعا في الحراك المجتمعي، وهكذا في ذات السياق، تكون مساهمتها في العملية المجتمعية والإنتاجية في جميع القطاعات ما يكسبها الخبرة والوعي ويوفر لها القدرة الموضوعية لبلورة وجهات النظر والرأي الخاص والمختلف للموضوعات المطروحة في الحياة العامة كافة، بعيدا عن الاستسلام لفكرة أن دورها الأساسي يكمن فقط في الأقفاص الذهبية وأمام المرايا، على رغم أهميته.

أما الأولوية فهي للتعليم واكتساب الخبرات والمهارات والمعارف، فالمربية هي مربية الأجيال وليس عليها التخلي عن هذا الدور الإنساني، إنما إجادته بكفاءة عالية ونوعية متميزة، تستدعي فيها شريكها الرجل ليساعدها، بدلا من إلقاء عبء هذا الدور على كاهلها ثم وضعها في دائرة اللوم لعدم الإيفاء بالتزاماتها، فالالتزام مشترك وهذا يتطلب نظرة «جندرية» حديثة لأدوار كل من المرأة والرجل في المجتمع، بمعنى أننا لا نخلي مسئولية كل من الرجل والمجتمع في حقيقة معاناة المرأة العربية والمسلمة.

إذن هذه بعض المفاتيح التي ألقاها مؤشر التاريخ لنا كي نقول لا للعبودية... نعم للحرية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً