التصريحات المفاجئة التي صدرت عن رئيس مكتب حماية الدستور هاينز فروم حين لبى دعوة محكمة هامبورغ للإدلاء بشهادته في محاكمة المغربي عبد الغني مسعودي، وكشفه عن أن التخطيط لهجوم 11 سبتمبر/ أيلول لم يتم في مدينة هامبورغ اثارت جدلا. وهذه هي الرواية الأميركية المعروفة حتى اليوم، إذ سبق وأن وجه الأميركيون اللوم إلى سلطات الأمن الألمانية لفشلها في الكشف مبكرا عما كان يخططه محمد عطا ورمزي بن الشيبه على رأس خلية من الإسلاميين لتنفيذ الهجوم على أهداف داخل الولايات المتحدة. وانتقمت ألمانيا قبل شهر ومع مرور الذكرى الثانية لهجوم 11 سبتمبر وكشفت عن أن أجهزة الأمن التابعة لها زودت «سي آي ايه» بمعلومات عن عدد من المواطنين السعوديين وكذلك مروان الشحي من دولة الإمارات العربية المتحدة الذي قاد الطائرة الثانية التي ارتطمت بمركز التجارة العالمي بعد أن قاد المصري محمد عطا الأولى. وتعتبر تصريحات رئيس مكتب حماية الدستور مهمة في الدعوى المرفوعة ضد مسعودي وهو المتهم الثاني الذي يحاكم على أرض ألمانية بعد أن سبق وأدانت محكمة هامبورغ ابن بلده منير المتصدق بالحبس 15 سنة وهذه العقوبة القصوى في قانون العقاب الألماني، بعد أن أدانته بالانتماء إلى تنظيم إرهابي أجنبي والمشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر والتسبب بمقتل أكثر من ثلاثة آلاف. ويواجه مسعودي اتهامات مماثلة وجهها إليه المدعي الفيدرالي العام. وأبلغ فروم المحكمة الخميس الماضي أن التخطيط للهجوم على الولايات المتحدة تم في العام 1999 في أفغانستان وكان في عهد طالبان مرتعا لمنظمة «القاعدة» إذ حصل محمد عطا على أوامر ودعم للقيام بهذا الهجوم. وفي ضوء تصريحات فروم طالب محامو مسعودي المحكمة بأن يجري الإفراج فورا عن موكلهم لأن المعلومات التي أدلى بها رئيس مكتب حماية الدستور تبرئ ساحة مسعودي.

وكانت هيئة المحكمة قررت استدعاء فروم للإدلاء بشهادته أمامها بعد أن قامت صحيفة «زود دويتشه» الصادرة في ميونيخ بنشر تصريحات في مطلع سبتمبر الماضي أدلى بها هذا المسئول الأمني الألماني عن الهجوم. وأفاد فروم أنه كان من المخطط أن يتوجه أعضاء خلية هامبورغ إلى الشيشان للقتال إلى جانب فصائل الإسلاميين لكنهم انضموا إلى معسكر تابع لمنظمة «القاعدة» وتعرفوا على أشخاص أعدوا خطة الهجوم على نيويورك منذ وقت. وحصل فروم على موافقة خاصة من وزير الداخلية الألماني للمثول أمام محكمة هامبورغ. ويبقى في علم المجهول ما إذا ستؤثر تصريحاته على سير محاكمة مسعودي الذي وجه إليه المدعي العام اتهامات مماثلة للاتهامات التي وجهها في السابق لمنير المتصدق. لكن محامي الدفاع ميشائيل روزنتال قال إن تصريحات رئيس مكتب حماية الدستور من شأنها أن تحدث تحولا في القضية وتبرئ ساحة موكله لأن الاتهامات الموجهة ضد مسعودي تقول إنه أمضى وقتا طويلا مع أعضاء «خلية هامبورغ» وإذا ثبت أن خطة الهجوم على الولايات المتحدة جرى وضعها في العام 1999 يكون مسعودي لم يشارك بوضعها ولم يكن على علم بما يضمره أعضاء «خلية هامبورغ».

المثير أن رأي محامي الدفاع يؤيده أيضا القاضي كلاوس روهلي الذي قام بمحاكمة منير المتصدق وقال: إذا صحت المعلومات التي صدرت عن فروم فإنه كان ينبغي الحكم بالبراءة على المتصدق.

غير أن المدعي العام فالتر همبيرغر ظل متمسكا بمضمون الدعوى وقلل من أهمية تصريحات فروم وقال: «إن رئيس مكتب حماية الدستور يسعى إلى تبرئة ساحة أجهزة الأمن الألمانية بسبب تقصيرها في اكتشاف خطط «خلية هامبورغ» لكن أجهزة الأمن الألمانية فشلت في التنبه لخطط الإسلاميين». وأوضح همبيرغر «أن محمد عطا أسس «خلية هامبورغ» في مطلع صيف 1999 بهدف القيام بهجمات ضد الولايات المتحدة تستخدم فيها الطائرات». في المقابل يتمسك البوليس السري الألماني بالرأي القائل «ان أعضاء الخلية اصبحوا متطرفين قبل ديسمبر/كانون الأول العام 1999».

ويتفق الرأي الذي عبر عنه فروم ما ورد في التقرير السنوي لمكتب حماية الدستور للعام 2002. كما صدر رأي مماثل خلال المقابلة التي أجرتها محطة تلفزيون «الجزيرة» في العام 2002 مع مخططي هجوم 11 سبتمبر، خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبه قبل اعتقالهما في باكستان إذ اعترفا بأنهما المسئولان عن التخطيط للهجوم. عوضا عن أن الصحافي المصري يسري فوده أتى على ذكر فروم كمصدر في كتاب له عن مخططي الهجوم، لكن محكمة هامبورغ لم تأخذ كل هذه المعلومات على محمل الجد. وقال فروم «إن مكتب حماية الدستور لم يلحظ وجود نشاطات ملفتة للنظر لأعضاء الخلية قبل سفرهم إلى أفغانستان ولم تتوافر لدى أجهزة الأمن الألمانية أية معلومات تشير إلى عزم بعضهم التدرب على قيادة الطائرات أو السفر إلى الولايات المتحدة»