مع بدء الاستعدادات لتوقيع «وثيقة جنيف» التي توصلت إليها شخصيات من اليسار الإسرائيلي والفلسطينيين، والأجواء «التخوينية» التي واكبت الكشف عن هذه الوثيقة في «إسرائيل» آخرها الاتهام بـ «الخيانة» الذي وجهه النائب الإسرائيلي شالوم يعالوم من الحزب القومي الديني «المفدال» إلى الإسرائيليين الذين ساهموا في صوغ الوثيقة وطالب بإعدامهم. وقال في رسالة إلى المستشار القانوني للحكومة الياكيم روبنشتاين «ان الذين اتخذوا مبادرة وثيقة سويسرا ارتكبوا جريمة خيانة يجب معاقبتهم بالإعدام أو السجن المؤبد». لكن اللافت هو دخول بحاثة أميركيين على «خط» الوثيقة، فقد تناول روبرت ساتلوف (مدير التخطيط السياسي والاستراتيجي في معهد واشنطن، وهو باحث مقرب من «إسرائيل») في موقع «بيس ووتش» «الأميركي» على نحو لافت «اتفاق جنيف»، شارحا تفاصيل الاتفاق.
واعتبر ان «اتفاق جنيف» ليس في الأساس اتفاق ثنائي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلاّ ان الجديد الذي قدّمه الاتفاق يكمن في الدور الشامل والدائم الذي يضطلع به المجتمع الدولي ولاسيما الولايات المتحدة، في تطبيق بنود الاتفاق الافتراضي والمحافظة عليها.
ولاحظ ساتلوف، ان ثمة تفاصيل أغفلها الاتفاق تتعلق بالمياه والعلاقات الاقتصادية والتعاون القضائي بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، إلى جانب الخرائط التي ترسم حدود الدولتين ولاسيما داخل القدس، إضافة إلى هيكلية المؤسسات الدولية التي ستشرف على تنفيذ الاتفاق وآلياتها وطرق عملها. ولاحظ ساتلوف أيضا، ان الاتفاق لم يذكر تفاصيل تتعلق بالدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح التي ستنشأ، على رغم انه شدد على ضرورة أن يكون لديها قوة أمنية قوية، موضحا بأن وثيقة الاتفاق لم تذكر نوعية الإجراءات الأمنية التي يجب أن تتخذ من أجل الحد من التسلح في الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها. إلى ذلك، لفت ساتلوف، إلى ان الاتفاق يركز بشكل مذهل على الدور المسند للفريق الثالث في الاتفاق أي الدول الأخرى والمنظمات والمؤسسات الدولية وخصوصا الولايات المتحدة.
وأوضح ان الاتفاق يلحظ إنشاء مجموعة للتنفيذ والتحقق ترأسها مجموعة اتصال ويديرها ممثل خاص يعمل بصفة مدير تنفيذي. ويقترح الاتفاق أيضا إسناد مهمة مراقبة تطبيق البنود المتعلقة بالقدس إلى مجموعة دولية، كما يقترح استقدام قوة متعددة الجنسيات لمراقبة المسجد الأقصى.
أما قضية اللاجئين فشدد الاتفاق على أن يعهد بها إلى لجنة دولية وعدد من اللجان الفرعية. وخلص ساتلوف، إلى ان الفلسطينيين والإسرائيليين سيتنازلون بموجب الاتفاق عن صلاحيات كثيرة للمؤسسات والمجموعات المذكورة إلاّ انه لاحظ ان الولايات المتحدة، تضطلع بدور محوري في الاتفاق. وأوضح انها عضو مؤسس في مجموعة التنفيذ والتحقق ولجنة اللاجئين كما انها ستشارك في القوة المتعددة الجنسيات. ولاحظ الكاتب الأميركي ان الاتفاق يورد 123 إشارة إلى المشاركة الأميركية بما في ذلك أسماء المؤسسات التي تحتل فيها الولايات المتحدة مكانة أساسية.
وختم ساتلوف، بملاحظة ان المشاركين في صوغ «اتفاق جنيف» لم يبدوا مقتنعين بأن السلام ممكن من دون أن تضطلع الولايات المتحدة، بدور طليعي في تنفيذه ومراقبته ولا سيما ان مقدمة الاتفاق تشير بشكل واضح إلى انه تطبيق لرؤية الرئيس بوش التي عبّر عنها في خطابه في 24 يونيو/حزيران العام 2002. في المقابل، تحدثت شرميلا دافي في «فايننشل تايمز» البريطانية عن الأوضاع في الأراضي المحتلة وخصوصا مع وقوع الاعتداءات الإسرائيلية على غزة. وإذ أوردت عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين جراء الغارات الإسرائيلية، لاحظت الكاتبة البريطانية، ان آمال السلام خفتت كثيرا بعد أن تعهدت الجماعات الفلسطينية بالانتقام من «إسرائيل» التي صعدت عملياتها العسكرية في غزة.
وكشفت ان الولايات المتحدة لا تعتزم إرسال مبعوث الرئيس الأميركي جون وولف إلى المنطقة مرة أخرى. كما نقلت عن محللين مطلعين على الأوضاع ان غياب الدور الأميركي الفاعل في الصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد حوّل «خريطة الطريق» إلى مؤشر على ان المستقبل سيكون مظلما. ولاحظت الكاتبة البريطانية، تشاؤم عدد من الدبلوماسيين والمحللين المطلعين، من نظرة الولايات المتحدة لعملية السلام في ظل ظروف انشغالها بالشأن العراقي، والانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل.
ولفتت في نهاية مقالها إلى ان ناشطي سلام فلسطينيين وإسرائيليين دعوا إدارة بوش، إلى تقديم دعمها لمبادرة تقضي بقيام دولتين واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية وفقا لحدود 1967 إذ يعطى للفلسطينيين حق العودة. في إشارة قد تكون إلى مؤتمر حق العودة الذي اختتم أعماله في لندن السبت الماضي والذي أكد تمسكه بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وأعلن عزمه على إنشاء قوة ضغط (لوبي) في كل بلد توجد فيه جاليات فلسطينية بهدف العمل على تحقيق حق العودة
العدد 418 - الثلثاء 28 أكتوبر 2003م الموافق 02 رمضان 1424هـ