كيف يمكن قراءة العمليات «الانتحارية» ضد مواقع مدنية في بغداد حصلت في غرة رمضان المبارك؟ وفي أي سياق تصعيدي يمكن وضعها، وهل هي حقا ضد الاحتلال أم ضد المقاومة العراقية؟
في حال الفوضى التي يعيشها العراق من الصعب تحديد هوية الطرف المسئول مباشرة عن تلك الضربات العشوائية التي تطرح علامات استفهام عن الجهة المستفيدة والجهة المتضررة من نتائجها. ولا شك في ان توقيت العمليات في اليوم الأول من رمضان، وضد مراكز مدنية وهيئات دولية انسانية يثير القلق ويقرع جرس انذار ويحذر من وجود قوى غير مسئولة تحاول اثارة التوتر وإدامة الفوضى من دون نية في تحقيق هدف سياسي واضح.
هذا النوع من العمليات قصده في النهاية الاثارة الاعلامية وحرف انظار الناس عن العدو الحقيقي للشعب العراقي. إلى الاثارة هناك محاولة لتثوير الشارع ضد المقاومة العراقية. فهذا النوع من التصرف العشوائي الذي يستهدف مراكز مدنية ويقتل الابرياء ولا يطاول قوات الاحتلال بالأذى يثير الدهشة ويسهم لاحقا، في حال تكراره، في انكفاء الناس عن المقاومة وعدم التجاوب أو التردد في دعمها.
العمل العسكري يجب ان يكون في خدمة الهدف السياسي، هذا من بديهيات اعمال المقاومة ضد الاحتلال. كذلك من اهداف المقاومة حماية الناس وكسب المدنيين إلى جانب قواها. فمقاومة من دون محيط مؤيد لها يعزلها سياسيا ويعطل عليها تحقيق اهدافها وهي، في حال العراق، اخراج قوات الاحتلال وانتزاع الاستقلال واستعادة السيادة والوحدة الوطنية. وكل عملية عسكرية تصب خارج هذه الاهداف المشتركة تعني انها تجلب الضرر للمقاومة ويستفيد منها الاحتلال لانه سيتحول إلى قوة أمنية تدعي أمام الناس ان من اهدافها حماية المدنيين.
لذلك يمكن وضع العمليات الأخيرة والمشابهة لها التي حصلت ضد مراكز دولية وسفارات ومواقع دينية ومقدسة في سياق ثلاث فرضيات:
الأولى: عدم وضوح رؤية استراتيجية للمقاومة. والغموض السياسي يفتح باب المزايدات ويعطي فرصة للمتطرفين للقيام بأعمال عشوائية لا وظيفة سياسية لها سوى الضرب من اجل الضرب من دون وعي للنتائج الكارثية التي تسببها للفصائل الجادة في حرب الاستقلال والتحرير.
الثانية: تفكك الجهات والمنظمات المقاومة. والتشرذم التنظيمي يفسح الطريق للمصطادين في مياه الفوضى توجيه ضربات الهدف منها تأليب الرأي العام ضد المقاومة ودفع العراقيين للانكفاء عنها وعدم حمايتها أو مدها بالمساعدة عند الحاجة.
والفرضية الثالثة: الطابور الخامس. وهذا يعني احتمال وجود طرف ثالث له صلة بالاحتلال نفسه. وهذا الاحتمال، وهو مرجح، ان تكون هناك جهات تريد التخريب على المقاومة وعزلها، كذلك تريد ضرب كل المنظمات الدولية المنافسة لوجود قوات الاحتلال مثل هيئات الأمم المتحدة والصليب الأحمر... واخيرا وهذا هو الاخطر لتوجيه ضربات ضد تجمعات مدنية عراقية أو مراكز شرطة عسكرية عراقية. كل هذه الاعمال العشوائية لا وظيفة سياسية لها سوى اجبار المنظمات الدولية والانسانية على تخفيف وجودها أو الانسحاب نهائيا وترك الساحة للقوات الاميركية حتى تنفرد بتوجيه قيادة ما يسمى بالتحالف ومنع اية جهة اخرى من القيام بمهماتها الموازية للاحتلال.
والسؤال: ما الفائدة من تفجير سيارة مدنية في ميدان شعبي يرتاده العراقيون العاديون وربما أهل القوى التي تقف وراء فصائل المقاومة؟ الفائدة الوحيدة هي شراء الغضب الشعبي والمزيد من القهر وانكفاء الناس عن حماية المقاومين... وكل هذه السلبيات يستفيد منها الاحتلال. فمن مصلحة قوات الاحتلال تبرير وجودها العسكري بعد ان فشلت سياسيا في تحقيق اغراضها الكبرى وكسب ود الناس وثقة الشعب. وآخر الاستطلاعات يؤكد ان غالبية العراقيين ضد الاحتلال، فما جدوى ان تضرب المقاومة الناس عشوائيا وهي تعلم ان هذا النوع من العمل يصب في مصلحة الاحتلال ويغذي ذرائع وجوده في بلاد الرافدين؟
أحيانا يجب قراءة الاسباب من خلال دراسة النتائج. والنتائج تقول إن الخاسر الاول من هذه الاعمال هو المقاومة والمستفيد هو الاحتلال. وعلى هذا يمكن ترجيح وجود طابور خامس (طرف ثالث) يعمل على تأجيج الوضع واثارة الناس ضد فصائل مجهولة لا يعرف اسمها ولا عنوانها ولكنها بالتأكيد تعرف ما هو القصد من وراء اثارة البلبلة وربما الكراهية ضد المقاومة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 418 - الثلثاء 28 أكتوبر 2003م الموافق 02 رمضان 1424هـ