البعض يعتقد أن توجيه النقد الذاتي يضر بالبلاد بدلا من تطويرها، ويتصور هذا البعض أن مقولة أن بلادنا عليها أن تتعلم من جيراننا، أو أننا تخلفنا في هذا المجال أو ذاك، يؤدي الى احباط الجهود المبذولة للنهوض بالبلاد في هذا المجال أو ذاك.
هذا الاعتقاد خاطئ، فنحن لسنا أول بلد نواجه اشكالية تقدمنا (في الماضي) على غيرنا الذي يتقدم علينا حاليا. والبلدان التي فسحت المجال للحديث عن ذلك استطاعت استرجاع موقعها المتقدم على الآخرين. وليس هناك أفضل مثال على ذلك من دول مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وكندا، أو ما يسمى بالدول السبع الكبرى (قبل ان تضاف اليها روسيا لأسباب سياسية وليست اقتصادية، لأن الاقتصاد الروسي ليس في صف الدول السبع).
في نهاية السبعينات وطوال فترة الثمانينات من القرن الماضي اهتز الموقع الاقتصادي الأميركي قليلا بينما اهتز الاقتصاد البريطاني كثيرا وأصبحت بريطانيا أضعف اقتصاديا من ايطاليا في فترة من الفترات.
الأميركان والبريطانيون كانوا جريئين جدا، (ولاسيما البريطانيين) في انتقادهم لأنفسهم وكيف أن بلدا مثل بريطانيا بدأت قوته الاقتصادية تنخفض وكيف أن هذا البلد الذي علّم الآخرين ما هي الصناعة أصبح متخلفا في كثير من صناعاته... وطوال فترة الثمانينات انصبت الدراسات على أسباب نجاح الاقتصاد الياباني في السبعينات والثمانينات وفشل الاقتصاد الأميركي والبريطاني في اللحاق به.
ولكن سرعان ما بدأت ثورة حقيقية في هذه البلدان وبدأت بريطانيا تقلب مفاهيمها القديمة وقبلت بموقعها وبدأت تتعلم من الدول الأخرى التي سبقتها. ولكن ما إن حل عقد التسعينات وإذا بالاقتصاد البريطاني (المثل الذي نسترسل في ذكره) يصعد الى مرتبة أعلى من الاقتصادين الايطالي والفرنسي. بل ان الموضوع انقلب في التسعينات وأصبحت اليابان هي صاحبة المشكلة وساد الكساد اقتصادها. ومشكلة اليابانيين انهم لم يقبلوا بالحقيقة ورفضوا الاقتناع بأن عليهم الآن أن يتعلموا من البريطانيين والأميركان وغيرهم، إلا في ثلاث السنوات الأخيرة.
وهكذا تبدأ دورة أخرى، فاليابانيون الآن يدرسون النجاح البريطاني والأميركي ويحاولون اتباع عدد من الأساليب التي اتبعها الآخرون ونجحوا فيها.
لا عيب إذا في أن ننتقد أنفسنا ولكن شريطة أن يكون هذا الانتقاد بناء ويسعى لطرح الحلول ولا عيب في أن نتعلم من غيرنا الذين يسبقونا حاليا وكنا نسبقهم في الماضي، فالعلم للجميع والانسان الذي يستفيد من علمه وعلم غيره يصبح خبيرا، وسرعان ما ينهض بذاته ويصعد بها الى درجات أعلى... وهذا ما نبتغيه عندما نقارن أنفسنا ببعض جيراننا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 418 - الثلثاء 28 أكتوبر 2003م الموافق 02 رمضان 1424هـ