من المفارقات العجيبة، أن تستمر بعض الأقلام في اتهام الرموز المعارضة بالتحشيد و«التكوِّك» فيما يخص حوادث «مركز المعارض» وغيرها من الحوادث، في حين أن المعارضين أنفسهم يشكون من عدم سماع المتظاهرين لهم أثناء اشتعال المظاهرات، وأنهم يتَلقّون كغيرهم الكلمات النابية، من باب أنكم أي (الرموز والوفاق) لم تفعلوا لنا شيئا، فمن يُحَشِّدُ من؟ مَنْ فَقَدَ السيطرةَ على شارعٍ مأزوم ومحتقن من عوامل كثيرة، يمكن أن نجردها كالعادة «البطالة، التمييز، الحرمان التهميش» والقائمة تطول؟ أم من اعتاد التحشيد ضد الناس، وأمعن في كيل التهم لهم، واستفز مشاعرهم؟ أو ليس التحشيد المضاد تحشيدا و«تكوّك» ولو بالطريقة العكسية؟
ليس هذا تأليبا على هؤلاء المغبونين، ولا دفاعا عنهم أيضا، وإنما وقفة مصارحة مع الكل. مع الحكومة التي مازالت رعايتها ناقصة ومتحيزة وغير شفافة، والمعارضة التي فقدت جزءا كبيرا من صدقيتها أمام الشارع، لكونها ابتعدت كثيرا عنه، ومع التصرفات اللامسئولة المندفعة من دون حساب العواقب، والسؤال: في أي ميزان وفي أي قانون، يمكن تنزيه السلطة أو المعارضة واتهام الشارع؟ ومن الذي يعطي لتصرفات السلطة أو المعارضة الشرعية ليسلبها عن السواد الأعظم؟ أو ليس الأولى أن تحاسب السلطة والمعارضة على تصرفاتهما قبل محاسبة الناس؟ ولماذا يقبل المثقفون لأنفسهم أن ينظروا للهرم مقلوبا؟ هل لأنهم أفضل من الناس، أم لأنهم أكثر تَقَلُّبا منهم؟
إذا صح أن نقول بوجود مشروع إصلاحي يدبّ على هذه الأرض، فهذا المشروع لن يكون بغير أهله وناسه الذين ضحوا من أجله، ولن يكون من دون السواد الأعظم، ومن يذم هؤلاء، فعن أي مشروع يتكلم؟ وأي شعب يخاطب؟ إنها دعوة للتعقل، والأخذ بأيدي الناس إلى ما يصلح حالهم، لا ما يصلح حال فئة قليلة، ويفسد حال الكثيرين
إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ