افتتح الرئيس الصيني هو جين تاو اجتماع زعماء «الآبيك» في بانكوك في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2003م بحضور زعماء 21 كيانا اقتصاديا أعضاء المنظمة أو ممثليهم بما فيهم جورج بوش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط خلافات عميقة على القضايا الأمنية. دول آسيا والباسيفيك ترغب في ان تحظى المنطقة باستقرار امني لكونها تحقق اكبر معدلات النمو الاقتصادي في العالم. فقد استطاعت الصين على سبيل المثال الوصول إلى نسبة نمو اقتصادي تصل إلى 13 في المئة، نسبة قياسية لدول يصل عدد سكانها إلى أكثر من مليار نسمة. السؤال هل تتخلى دول متقدمة اقتصاديا في آسيا كالصين وماليزيا وكوريا الجنوبية عن الرخاء الاقتصادي لمحاربة خطر وهمي غير موجود يسمى «الإرهاب الإسلامي»؟ منطق لا يقبله القادة الكبار لآسيا. استراليا الدولة الوحيدة المساندة للرئيس الأميركي في استراتيجيته ضد «الإرهاب الإسلامي» يتعرض رئيس وزرائها جون هاورد لأكبر هزة داخلية بسبب تأييده لأميركا في حربها على العراق.
الرئيس هو جين تاو قدم ثلاثة مقترحات عن تعزيز التعاون بين أعضاء المنظمة وهي تعزيز الثقة المتبادلة للحفاظ على استقرار المنطقة، واتخاذ اجراءات فعالة لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتناسقة والعمل على فتح الأسواق امام بعضها بعضا، واستكمال نظام تجاري متعدد الأطراف. ناقش الزعماء على مدى يومين: كيفية دفع تطوير النظام التجاري المتعدد الأطراف وتحرير التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي في منطقة آسيا والباسيفيك ومكافحة الارهاب وغيرها من الموضوعات تحت شعار «عالم متنوع: شراكة للمستقبل».
رئيس الوزراء التايلندي تاكسين شيناواترا بذل جهودا مضنية لتقريب وجهات النظر للوصول إلى حل دائم للمسألة الكورية والتسلح النووي الكوري الشمالي. اثمرت جهود شيناواترا بالحصول على قرار من قادة دول «الآبيك» يتعهدون فيه العمل من أجل السلام في شبه الجزيرة الكورية، آخذين في الاعتبار قلق كل الأطراف المعنية بما فيها كوريا الشمالية التي تخشى حربا أميركية مفاجئة تشن عليها. دول «الآبيك» التي تضم قرابة 2,5 مليار نسمة وتمثل نصف المبادلات التجارية في العالم، اعتبرها بوش رصيدا استراتيجيا، وصيدا سهلا لتسويق حربه على الارهاب بدلا من الاستفادة تجاريا من القوة الشرائية الضخمة لشعوب المنطقة وكثافتها السكانية بتسويق البضائع الأميركية ووقف الاغراق الصيني للسوق، حتى ان رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد والرئيس الصيني اتهما بوش باستغلال القمة لتحويلها إلى قمة أمنية لتسويق مشروعه الذي اطلق عليه الحرب على الارهاب، بعد توالي الفشل الأميركي في العراق بسقوط المزيد من الضحايا. مشروع بوش يلاقي معارضة شديدة من مسلمي شعوب المنطقة. كما ان جهوده الرامية لاشراك دول المنطقة في عملية اعمار العراق تعتبره شعوب المنطقة مسئولية اخلاقية اميركية، اميركا هي التي شنت حربها على العراق ودمرت بنيته الأساسية، إذا فهي المسئولة عن تعمير ما دمرته. ليس هذا فحسب بل يريد بوش توريط دول المنطقة في حرب غير عادلة ضد كوريا الشمالية الأمر الذي رفضته الصين، كما رفضت دول المنطقة ما عدا استراليا أي حل للمسألة البورمية، واصرت على العمل على استقرار الوضع الأمني في المنطقة.
عن قضية الارهاب الدولي الزعماء قرروا تفكيك المجموعات الارهابية، وقالوا في البيان الختامي: «نحن متفقون ان الارهاب في العالم وانتشار أسلحة الدمار الشامل يشكلان التحديات المباشرة والعميقة لرؤية المنتدى الذي يسعى إلى اقتصادات منفتحة ومزدهرة». وعن المفاوضات التجارية قرر الزعماء دعم تحريك المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف بعد فشل الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في كانكون المكسيكية.
أشكال التعاون الاقتصادي
منتدى «الآبيك» هو منتدى اقتصادي في الدرجة الأولى، لهذا فان نجاح دول المنظمة في هذا التكامل الاقتصادي يعتمد على ما تم تحقيقه في مجال التعاون الاقتصادي. وهناك اشكال من التعاون الاقتصادي مثل: ان مدينة فانغ تشنغ قانغ تنشط في تحسين ميناء فانغ تشنغ الذي تطور بعد 35 سنة من العمل من قرية حدودية صغيرة لصيادي السمك في منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ، إلى اكثر ميناء بحري في جنوب الصين الغربي وليتحول إلى موقع للتعاون في منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول «الاسيان» في مجالات المواصلات وتداول السلع وبناء الموانئ والصناعات القريبة من الحدود والمطلة على البحر.
في هذا الميناء العصري حاليا 28 مرسى ورصيفا منها 14 مرسى لسفن حمولة فوق 10 آلاف طن. وفي النصف الاول من هذا العام بدأ هذا الميناء ينفذ مشروع قناة ملاحية لسفن حمولتها 50 الف طن ورصيف لسفن حمولتها 150 الف طن.
كما سيدخل مشروع رصيف لسفن حمولتها 200 الف طن حيز التنفيذ قريبا. وفي مجال الصناعات المطلة على البحر اتفقت الشركة القابضة الصينية التابعة لشركة اي بي ام الاميركية وهي من اكبر 500 شركة عالمية وشركة مجموعة الحبوب الغذائية الصينية وشركة ويمار السنغافورية في العام الماضي على المشاركة في استثمار شركة البحر للغلال والزيوت التي أصبحت حاليا اكبر مؤسسة صناعية في هذه المدينة. وخلال السنوات العشر الأخيرة استثمرت مدينة فانغ تشنغ اكثر من 800 مليون يوان لاجراء اصلاحات فنية للصناعات التقليدية مثل صناعة تكرير السكر والصناعة الكيماوية وصناعة الأدوية.
ويذكر أن الميناء شهد شحن وتفريغ 11,16 مليون طن من البضائع في العام 2002 وأقام قاعدة لتداول السلع في مدينة دويون في مقاطعة قويتشو ومدينة ناننينغ علما بأن له معاملات مع 220 ميناء في أكثر من 80 دولة في العالم.
العلاقات الصينية الأميركية
بعد أن أدركت الإدارة الصينية الحالية أهمية الاقتصاد، وبعد أن حققت نهضة صناعية وتكنولوجية هائلة وصلت إلى إرسال رواد فضاء واستكشاف صواريخ صينية للفضاء الخارجي. تغيرت السياسة الصينية القديمة القائمة على دعم نضال شعوب العالم الثالث، وأصبحت المصالح هي اللغة التي يفهمها قادة الصين الجدد. وعلى ذلك الأساس بنت الصين علاقتها بأميركا والغرب. هذه السياسة تبدو واضحة من موقف الصين من القضايا التي تطرحها أميركا في المحافل الدولية، كتصويتها في مجلس الأمن الأخير.
في الاجتماع الذي عقد في بانكوك في 20 أكتوبر بين الرئيس الصيني والرئيس الأميركي عشية الاجتماع الحادي عشر لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا الباسفيك (الآبيك)، ناقش الطرفان تنمية العلاقات الصينية الأميركية والعلاقات التجارية والاقتصادية وقضية تايوان والحرب على الارهاب والعراق والقضايا النووية في شبه الجزيرة الكورية. لا شك في أن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين يحقق منفعة لكلا الشعبين على رغم الخلافات السياسية بين الطرفين. كلا الجانبين يرغب في حل مشكلات القطاع الاقتصادي والتجاري عن طريق الحوار. الرئيس الصيني أكد أن الرئيس بوش يتمسك بسياسة صين واحدة، بمعنى الاعتراف بشرعية انضمام تايوان إلى الأرض الأم (الصين) والبيانات المشتركة الثلاثة اضطرت بوضوح إلى معارضة الصين لاستقلال تايوان. لكن الجانبين اتفقا أيضا على تعزيز التعاون في «مكافحة الارهاب» ويقصد بذلك مجموعة من «مسلمي الصين» التي تتهمهم الصين بالارهاب وهم «لا حول لهم ولا قوة». وعن القضايا النووية في شبه الجزيرة الكورية أعربت الصين عن رغبتها في مواصلة تعزيز اتصالاتنا ومشاوراتنا مع مختلف الأطراف المعنية وإننا سنواصل العمل لتعزيز عملية محادثات بكين السداسية الأطراف. وكان بوش دبلوماسيا في تناول مسألة تسابق الصين مع الولايات المتحدة وروسيا في مجال غزو الفضاء، قدم بوش التهنئة للانطلاق الصيني الأخير إلى الفضاء، وهو في الواقع يعبر عن مخاوفه من النجاح الصيني. شكر بوش الصين على موقفها لإقرار قرار مجلس الأمن الأخير الخاص بالعراق، وهذا يعكس مدى التغيير الذي طرأ على مواقف الصين من قضايا «الشرق الأوسط» القضية النووية وعن شبه الجزيرة الكورية، تم الاتفاق بين الطرفين على جعل شبه جزيرة خالية من الأسلحة النووية، وفقا لمبادئ أقرها الطرفان في محادثات بكين، وتركت المخاوف الأمنية لكوريا الشمالية للمعالجة في سياق المحادثات السداسية المقبل
العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ