بينما قوبلت الغارات الإسرائيلية على مخيم غزة بتنديد دولي، ندد البعض في «إسرائيل» بهذه الغارات وحض وزير البنى التحتية الوطنية يوسف بارتسكي حكومته على تقديم الاعتذار والتعويضات اللازمة لأسر ضحايا هذه الغارات. وأثارت الصحف الإسرائيلية مسألة التصعيد فكتبت «هآرتس» افتتاحية تنتقد فيها الجيش الإسرائيلي وبالتالي الحكومة الإسرائيلية على قتل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء خلال عمليات عسكرية تهدف إلى القضاء على البنى التحتية «للإرهاب». ولاحظت في مستهل افتتاحيتها انه في الوقت الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، يلقي خطابه الفارغ من أي رؤيا سياسية واقعية في الكنيست الإسرائيلي، كانت القوات الإسرائيلية تقصف غزة وتقتل وتجرح عشرات الفلسطينيين الأبرياء. وأشارت إلى ان عمليات القصف هذه هي انعكاس لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية أي سياسة اللجوء الدائم والمتزايد للقوة. وطالبت في هذا السياق كل إسرائيلي يخشى على صورة «إسرائيل» وسمعتها، بأن يركز جل اهتمامه على القوة المتزايدة التي تمارسها بلاده. وتابعت انه يجب على الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية أن يحترما المعايير الأخلاقية التي يعتقد الكاتب ان «إسرائيل» تبنتها لأعوام خلت، وفي حال لم يحصل ذلك فإن شرخا كبيرا سيظهر داخل المجتمع الإسرائيلي وذلك عندما يتوقف الشعب الإسرائيلي عن الشعور بالثقة تجاه زعمائه السياسيين والعسكريين.
ولاحظت «يديعوت أحرونوت»، ان الوضع تدهور لدرجة اننا لم نعد نطرح تساؤلات ويتم وصف أولئك الذين يتجرأون على ذلك بأنهم خونة. ورأت ان الغارات الإسرائيلية قد تأتي بنتائج عكسية، لأنها توسع نطاق الحقد الذي يمتد على أجيال... ولدينا شعور بأن العنف أصبح هدفا بحد ذاته هل يصح أن يكون شخص منا قد قرر اعتبار المجتمع الفلسطيني كله هدفا؟ إذا كان الأمر كذلك لم تعد هناك حدود واننا نواجه حربا من أجل الحرب وأعمال قتل بهدف القتل. وقالت «معاريف» تحت عنوان «الرسالة: «إسرائيل» أصيبت بالجنون»، انه لن نتمكن من تسوية نزاعنا مع الفلسطينيين بهذه الطريقة. وتطرق زئيف شيف في «هآرتس» إلى الجدل المشتعل بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول أعداد القتلى والجرحى من الفلسطينيين خلال الغارات على قطاع غزة أخيرا. وأورد انه بعد نشر الفلسطينيين تقارير تفيد بأن 14 فلسطينيا قتلوا وجرح حوالي 80 مدنيا في الغارة الصباحية على غزة طلبت وحدتان في الجيش الإسرائيلي من القيادة في تل أبيب معرفة ما حصل فعلا في غزة. وأضاف شيف، ان الجيش الإسرائيلي ظل صامتا لوقت قصير بعد نشر التقارير وحتى بعد أن طالبه أحد أعضاء الحكومة الإسرائيلية يوسف بارتسكي، بالاعتذار إلى أهالي الضحايا وتقديم تعويضات إليهم. إلاّ ان شيف، أشار إلى ان الجيش لم يبق صامتا طويلا بل قام بعرض شريط فيديو يشير إلى ان قوات سلاح الجو الإسرائيلي لم تطلق أي صاروخ باتجاه شارع مكتظ بالناس إلى جانب «مصنع الصواريخ» أو السيارة التي تقل «إرهابيين» كما «زعم» الفلسطينيون. غير ان المعلق الأمني الإسرائيلي، أكد ان ما توصل إليه الشريط ليس كافيا لأنه لا يفسر كيف ان عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين وصل إلى ما وصل إليه في حسابات الفلسطينيين. وأشار شيف في هذا السياق إلى احتمال وجود تفسيرين لاختلاف الأرقام بين الجيش الإسرائيلي والجهات الفلسطينية، أولهما أن تكون السلطات الفلسطينية تكذب في ما يتعلق بالخسائر البشرية في صفوفها. والاحتمال الثاني أن يكون الجيش الإسرائيلي أخطأ في معرفة عدد القتلى والجرحى من الفلسطينيين في الغارة على «مصنع إنتاج الصواريخ» في غزة بمعنى ان عددهم فاق العدد الذي يشير إليه شريط الجيش الإسرائيلي. وختم بالقول (من دون أن يرجح أحد الاحتمالين) ان قوات سلاح الجو الإسرائيلي تشعر بالخجل لأنها لم تستطع شرح سبب التباين في الأرقام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في ما يتعلق بالخسائر البشرية في الغارات على قطاع غزة. غير انه رجّح ان ذلك لن يجعل تلك القوات تعتذر لأحد ولن يردعها من مواصلة الغارات على القطاع، مؤكدا وجود خطط تهدف إلى شن غارات جديدة على غزة.
ولاحظ جدعون ساميت في «هآرتس» ان ثمة مؤشرات تفيد بأن المجتمع الإسرائيلي بات يفهم بأنه لا يمكن بل لا يجب أن تبقى الأوضاع السياسية الإسرائيلية على حالها. كما ان هذا المجتمع بات يعي ان لا منفعة من سياسة الانتقام العسكري التي يتبعها الإسرائيليون وبات يتنبه إلى ان قيادته عاجزة. واعتبر ساميت، ان المجتمع الإسرائيلي بكل بساطة مقتنع أكثر من أي وقت مضى بأنه لا يجب إضاعة أية فرصة للتغيير بعد الآن. وعدّد الكاتب الإسرائيلي بعض مظاهر التغيير التي رأت على المجتمع الإسرائيلي بدءا بالانتخابات البلدية، وصولا إلى حال الوعي التي تسيطر في المرحلة الراهنة على المعارضة الإسرائيلية التي كانت تعيش حالا من الغيبوبة منذ انهيار حكومة باراك. وأوضح ان ما حصل لوزير الخارجية الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، الذي يمثل حزبه هو دليل على ان التغيير بات أمرا واقعا. مشيرا إلى ان بيريز، قد وافق على مبادرة يوسي بيلين أي «اتفاق جنيف» مرجحا أن يكون بيريز وجد في هذا الأمر طريقة فضلى لتوجيه صفعة إلى وجه الحكومة الإسرائيلية الحالية. ولفت ساميت، إلى ان أحد المؤشرات إلى التغيير في المجتمع الإسرائيلي أيضا هو ان الشعب الإسرائيلي قد سئم ما يردده تكتل «ليكود» وبات معظم الإسرائيليين يرون بالعين المجردة الخدع التي يلجأ إليها التكتل. على ان الدليل الأبرز على بلوغ التغيير المجتمع الإسرائيلي، هو التظاهرات ضد الحكومة التي كانت إلى وقت قريب ظاهرة ممنوعة لا بل مستحيلة. ورأى ساميت، انه مازال من المبكر إطلاق الشعارات بالتغيير لكن يبدو ان الصورة الحقيقية لليكود باتت تحل تدريجيا محل شعار «الأمن والسلام» الوهميين اللذين وعد بهما شارون. وأكد ان عددا كبيرا من الإسرائيليين باتوا مقتنعين بأنه ليس في جناح اليمين أي شخص يمكن التحدث إليه. وختم بالقول ان الغضب السياسي لم يسيطر على الساحة الإسرائيلية غير انه في طريقه إليها.
من جهة أخرى، وفي سياق مختلف تماما، تناول برادلي بورستون في «هآرتس» مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وذلك من خلال سيناريوهات وضعها مسئولون في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وبعض العناصر التابعة لوحدات من الجيش الإسرائيلي تعمل في الضفة الغربية. وأوضح بورتسون، ان هذه السيناريوهات تحمل اسم «يوم الزمهرير». وهي تصور أولا جنازة الرئيس الفلسطيني التي من المحتمل أن يشارك فيها عشرات ألوف الفلسطينيين الذين يقومون بحمل نعشه باتجاه القدس لدفنه في باحة المسجد الأقصى، والذين يقومون باختراق الحواجز العسكرية الإسرائيلية للوصول إلى المسجد.
وفي هذه الحالة تحاول القوات الإسرائيلية ردع الفلسطينيين من العبور باتجاه المسجد إلاّ ان ذلك يوقع خسائر بشرية فادحة من غير الممكن تفاديها. ويتابع بورتسون، عرض السيناريوهات لفترة ما بعد عرفات، فيقول ان السلطة الفلسطينية قد تقوم بحل نفسها وان المناطق الفلسطينية قد تدخل في مرحلة من الفوضى العارمة يصعب تصورها، كما ان الأراضي الفلسطينية ستشهد أيضا اشتدادا في حدة العنف والنهب والسطو على أيدي الميليشيات الفلسطينية. إلى جانب ذلك تصور السيناريوهات الفلسطينيين يستولون على المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يؤدي إلى رد عنيف من جانب المستوطنين الذين قد يقومون بتشكيل ميليشيات مسلحة. ولفت بورستون، إلى جانب ذلك، إلى ان الرئيس الفلسطيني لا يزال يحبس أنفاس غالبية الفلسطينيين على رغم تدهور صحته وحالة العزل التي فرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون عليه. وفي هذا السياق، رأى ان شارون، وضع كل سمعته السياسية والدبلوماسية رهنا بمبدأ يقول ان عرفات عقبة في وجه السلام وهو موقف اعتبره بورستون، السبب الرئيسي الذي أدى إلى منع حدوث تقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا سيما وان أي قرار يتعلق بمصير الفلسطينيين يجب أن يوافق عليه عرفات قبل أن يصبح ساري المفعول
العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ