الأزمة الإسكانية تتفاقم يوما بعد يوم بالنسبة إلى المواطن العادي، ولا يبدو ان هناك حلا في الافق. فالارض التي كانت بدينارين ونصف للقدم المربع الواحد قبل عام اصبحت بستة دنانير، والمنزل الذي كان بسبعين الف دينار اصبح بمئة الف دينار. وهذه اخبار حسنة جدا بالنسبة إلى من لديه ارض ليبيعها او منزل يعرضه للبيع، ولكنها اخبار سيئة جدا بالنسبة إلى المواطن العادي الذي لن يستطيع التفكير في الحصول على ارض في بلده يعيش عليها.
سماسرة العقار يعيشون أحلى ايامهم، وهنيئا لهم بذلك، ولكن المستفيد من كل ذلك هم اقلية من المجتمع لديها المال الوفير الذي لايأبه بمئة او مئتي الف دينار فحسابهم يتحمل مثل هذا المبلغ واكثر. أما اكثرية المواطنين الذين لم تتحسن مستويات معيشتهم بما يناسب هذا الصعود في الاسعار فإنهم يشعرون بانهم الاسوأ حظا في هذه الاحوال.
لاشك ان السوق الحرة تفرض شروطها، ولكن الحكومات لم تنته فاعليتها ويجب عليها ممارسة دورها في حماية غالبية المواطنين. والحكومة لديها وسائل كثيرة تستطيع من خلالها مساعدة المواطنين. فبإمكان الحكومة زيادة العرض على المخططات الاسكانية، وبذلك ينخفض او يستقر السعر (على الاقل). كما بامكان الحكومة فتح مساحات اخرى للسكن بدلا من التركيز على مناطق صغيرة في شمال البحرين او في بعض المناطق الاخرى. فجنوب البحرين مازال ارضا عذراء، ويمكن تخفيف الضغط على المواطنين بفتح بعضها.
من جانب آخر يمكن للحكومة أن توفر الدعم لبعض المؤسسات الخيرية لتأسيس مجمعات سكنية لذوي الدخل المحدود. فالاوقاف الجعفرية (مثلا) لديها مئات الاراضي التي لم تستطع تسجيلها في المحاكم لحد الآن، كما ان لديها مئات الاراضي الاخرى التي لايستفاد منها بطريقة مثلى. بإمكان الحكومة ومن يعنيهم الامر التدخل وتسهيل الامور لإنشاء شقق ومنازل يستفيد منها ذوو الدخل المحدود.
المدينة الشمالية بإمكانها ان تحل جزءا من المشكلة فيما لو تم تسريع برامج تنفيذها مع وضع ضوابط لعدم استغلال البعض الفرصة والاستحواذ على ما سيتم عرضه وبالتالي لايستفيد منها المواطن العادي.
سوق القروض ليس لها وجود بالمعنى المتطور مع انخفاض مستوى ما يقدمه بنك الاسكان - عندما يقدم قروضا لبعض المواطنين - مع ما هو معروض في السوق من اسعار للاراضي، ولذلك فإن المواطن يحتار في امره بحثا عن سكن يأويه ويحفظ كرامته.
في السبعينات كان ذوو الدخل المحدود يرثون من آبائهم واجدادهم سكنهم، وكانت هناك برامج اسكانية وطنية لدعمهم. وفي الثمانينات بدأت الاوضاع تتغير مع ازدياد البطالة، وتفاقمت في التسعينات مع ازدياد الفجوة بين الذين يملكون والذين لايملكون. ونبدأ القرن الحادي والعشرين مع شحة شديدة وغير معقولة في الاراضي وتضاعف في الاسعار والتكاليف بينما لم يتحرك مستوى المعيشة لغالبية الناس الى الاعلى بالدرجة التي تناسب الصعود في كلفة الحياة اليومية. إنها أزمة حقيقة تلامس الاكثرية والحكومة مطالبة بالتدخل لحلها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ