في مفترق الطرق يتجلَّى ذهب الروح. في الضِيق يَخْلق الحرُّ سعتَه. في العواصف تعمد سكينة الثبات على الموقف إلى خلق موازينها. في التملص من المسعى، ينبثق انحياز إلى صواب الجادَّة والخيار. في اختبار الذهب والفضة، ثمة ذهب أصيل ومقيم وباقٍ تحدده الجهة التي إليها تنتمي. في اغتياب السفهاء. في تجريح طلقاء كل عصر. في تناوب الكتبة والحرس على حطام يشبههم. في تكدُّس المقاهي بالناجين من القصاص. في غموض بعض أصحاب الطرق والتكايا وتجار الرقيق. في كل ذلك، ثمة رائعة نهار تتجلى كل يوم منذ أن سطرتَ للدنيا درس الذهاب إلى الخيار الذي أذن الله أن تكون أول السائرين في الطريق إليه. منذ أن قرَّ في علمك ألاَّ خيار إلا الدم والسيف، أزهرتَ في مفازات حاصرتْ وتحاصر الدنيا، وظللتَ برعمَ الرسالة الخالدة، درسا تسطَّرَ على رغم تعاقب الليل والنهار.
للهِ سطوة، هي في الحرير من جاذبيتها. لك مقام في ملاحم الدم لا يعادله مقام. لك في الأريج ضوع، وفي المسك شذى، وما أفاء الله به على الأرض من نفحِ مقامٍ سيد، يليق بأنفاسك في عالم الطهر، وكون من الكرامات.
لكأن دمك - بل هو كذلك - خرائط وسبل هي بعين الله، للذين أخذ منهم التيه كل مأخذ فثابوا إلى رشد الضمير، بعد ليل الدروب وأزل السفر. لكأن دمك مشكاة من نور في ليل العالم البهيم.
كلما نبتتِ المنافي في الدنيا كنت وطنا لأصحابها، ودليلا في السُّرى، وخاتمة تُجلَّل بطهر المسعى وطِيبه. كلما أمعن غاصبو الحياة في سكرتهم، وانتشوا لفرط الدم الذي احتسوه، والفظاعات التي راكموها، تظل في البهي من الموقف، والناصع من الصوت، والصريح من نداء الرسالة.
جعفر الجمري
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2664 - الإثنين 21 ديسمبر 2009م الموافق 04 محرم 1431هـ