العدد 2664 - الإثنين 21 ديسمبر 2009م الموافق 04 محرم 1431هـ

سياسة الهوية الأوروبية تلعب دورها

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بقي أن نرى، بعد أن صوّت 58 في المئة من السويسريين مؤخرا بشكل أثار الدهشة لصالح استفتاء حول منع بناء المآذن في سويسرا، ما إذا كانت نتائج الاستفتاء في صالح سويسرا، أو حتى أوروبا ككل.

قد يبدو أخذ ذلك بالاعتبار أمرا غريبا، حيث إن النتائج لا تعتبر مخجلة فحسب للحكومة السويسرية، وإنما قد تتسبب بتداعيات قانونية واقتصادية دولية لتلك الدولة. إلا أن نتائج الاستفتاء قد تمثل بداية عملية مفيدة لسويسرا وأوروبا في تقبّل الحاجة لتغيير أسلوبها في التعامل مع مفاهيم الثقافة وهوية الدولة والحقوق الفردية.

كشف تصويت سويسرا عدم استقرار متفشٍّ منذ فترة طويلة داخل أوروبا حيال الهجرة وأفراد المجتمعات العرقية الصغيرة، وخاصة المسلمين. لم يجرِ التعبير عن هذه الريبة الأوروبية من خلال العنف وعدم الاستقرار الاجتماعي فحسب، بما فيها التظاهرات الاحتجاجية في كولن بألمانيا ضد مسجد كان سيغطي على كاتدرائية المدينة، وإنما كذلك من خلال تشريعات على مستوى الدولة في بعض الدول. وربما يشكّل قانون صدر في فرنسا العام 2004 يمنع ارتداء رموز دينية بارزة، وخاصة الحجاب عند المسلمات في المدارس الحكومية، أبرز مثال على القيود التي تحميها الدولة وتوافق عليها على الحريات الدينية.

وفي الوقت الذي يتعارض فيه التصويت السويسري مع التشريع الفرنسي في جوهره مقارنة بأصوله التشريعية، إلا أنه يشكّل امتدادا لنفس المشاعر نحو نهاية أكثر ظهورا وعدائية، حيث إنه يستهدف بشكل خاص مجموعة دينية واحدة. وقد أشار البعض إلى أن التصويت يخاطب مخاوف العديد من الأوروبيين، وفي هذه الحالة السويسريين من «الأسلمة»، إلا أن النظر إلى ما حصل في سويسرا فقط عبر منظار معركة بين أوروبا والإسلام يشكّل تغاضيا عن قضية أعمق ابتليت بها القارة الأوروبية بمجملها.

في الوقت الذي جرى فيه تبنّي إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي وثيقة تبسّط بوضوح الحقوق المتأصّلة للفرد، في فرنسا، واستضافت جنيف المؤتمر الذي قام بصياغة بروتوكولات حماية الحقوق الفردية أثناء الحروب، يبدو أن هناك توجها سائدا في أوروبا بأن الحقوق الفردية تنتهي عند عتبة هوية الدولة. ما يعنيه ذلك هو أن المواطن مرحَّب به ليكون مسلما أو يهوديا أو بوذيا في أوروبا طالما أن هذه الهوية، أو ممارستها لا تتعارض مع تعريف ما يعنيه كون المواطن سويسريا أو فرنسيا أو أوروبيا.

وقد أثار هذا الوضع أسئلة غير مريحة ومثيرة للإزعاج، ما الذي يعنيه فعليا أن تكون سويسريا أو فرنسيا؟ أهو التقاليد والمعايير الاجتماعية، كأسلوب اللباس أو الحديث أو تناول الطعام، أم هو أن تكون لك قيمٌ ومثلٌ معينة؟ يبدو أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن العديد من الأوروبيين يشعرون براحة أكبر باعتناقهم التقاليد والمعايير الاجتماعية وليس القيم والمثل، الأمر الذي يجعل الهوية الأوروبية متماثلة مع مدونة غير مكتوبة من القوانين، يتم فيها تبنّي واحترام معايير غير واضحة.

لقد أجبر التصويت السويسري أوروبا على التفكير في أي الأمرين أكثر أهمية: أهو حماية الهوية المنظورة للدولة أم حماية حقوق الأفراد الذين يعيشون في الدولة بغض النظر عن عرقهم أو دينهم؟

شعر الكثيرون بالراحة حتى الآن مع جواب غير واضح لهذا السؤال. ولكن كما أظهر التصويت السويسري، هناك حاجة للمزيد من الوضوح مع استمرار أوروبا بالنمو، وكذلك رغم استياء البعض، بالتغيير.

ما نحن بحاجة إليه إذن ليس مجرد التسوية مع واحتضان مواطني أوروبا المسلمين وإنما تحوّل أوسع في التوجه يحمل في طياته مُثل التنوير والتسامح والاحترام كهوية تفتخر بها أوروبا. سخرية الوضع الراهن بالطبع هي أن الكثيرين داخل أوروبا وخارجها ينظرون إلى التنوير والليبرالية على أنهما جزء لا يتجزأ من جوهر هوية أوروبا.

إذا كان التصويت يجعل سويسرا وكل أوروبا تتوقف لتفكر ما إذا كانت تريد اعتناق هذه الهوية الفاضلة وأن تتأكد من أن السماح للأفراد بممارسة الأديان المتنوعة واعتناق ثقافات متنوعة تدعم هذه الهوية وتعززها، فإن التصويت كان للصالح العام.

مدير النشر ومحلل باحث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2664 - الإثنين 21 ديسمبر 2009م الموافق 04 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً