كما يخدع الهدوء كذلك يخدع الصخب، وكما يوحي الضعف فكذلك للقوة إيحاءات خاطئة، أشياء كثيرة في الحياة قد تعطي بقراءتها الأولى بعض المؤشرات ذات اليمين وذات الشمال، لكن الزمن وتغير الأحوال قد يكشف بنتائجه وصفعاته تلك اللحظات التي وجهتنا بظواهرها إلى الخطأ وعدم الحكمة.
سياراتنا تعطينا أحيانا شعورا بالأمان والاطمئنان فنندفع بسرعة قد تكون جنونية ونحن لا نشعر، فتطور التكنولوجيا جعلنا لا نشعر بشكل ملموس بأننا في معدل السرعة الخطر، فهدوء السيارة وانخفاض صوت محركها وثقلها على الطريق يغرينا أحيانا بسرعة أكبر، وهكذا نفعل حتى يحصل ما تحمد عقباه.
وفي أقرب الأشياء لنا وهو جسدنا يحصل أن يغرينا بحركته وحيويته فننساق معه، ونؤخذ بقوته وصلابته وتحمله، ونعتقده خشنا وصلبا لا يقهر، فنهمل فحوصاته ونتلكأ في علاجه، ونبخل عليه بالمال والوقت إلى أن يصدمنا بما كنا نحذر ونخاف، حينها يتبين لنا مدى التضليل الذي كنا فيه، ومقدار الجهل الذي كسانا فلم نبصر أجسامنا ولم نعرف سقمها من سلامتها.
ليست الأشياء دائما كما يوحي ظاهرها ولذلك ورد في الحديث «اتقوا غضب الحليم»، فهدوؤه وصبره واحتماله وقدرة امتصاصه وتجاوزه للصدمات يجب أن لا تقرأ خطأ فهي ليست كل شخصيته، بل هناك مناطق سيحركها إحتكاك ما، وستعبر عن هذه الشخصية بطريقة مختلفة.
يتصور كثيرون أن بعض الأخبار التي نسمعها كشابٍّ يقتل أباه، أو مراهق يشعل النار في منزل العائلة، أو زوجة تطعن زوجها أو تعذبه وتنتقم منه، أو زوج كذلك، إن كل هذه الأمور نابعة من سوء خلق وقلة دين وعدم تربية، والحق أن كل ذلك قد يكون صحيحا لكنها قد تكون ردة فعل نافرة لتصرفات لم تحسب بشكل مدروس من الطرف الآخر.
قبل حوالي أربع سنوات كانت لعبة الغنى والثروة تقودها الأسهم المصرفية، وكان بريقها أكبر من أن يقاوم، لقد اندفع الفقراء لدخول بوابة الغنى السهل فراحوا يبيعون أراضيهم ومساكنهم ومجوهرات زوجاتهم بحثا عن ثراء حسبناه في متناول اليد، لكن هذا الظاهر انحسر كلمح البصر مسفرا عن آلاف المفلسين والمديونين.
لقد دخل كثيرون ممن أعرفهم سوق الأسهم ليتذوقوا الغنى ويتمتعوا بسمعته وما وراءه، كل ذلك بسبب التيار الجارف، والعتب واللوم الشديد الذي ينال من لم يرد هذا الباب، لكني أتذكر أنني التقيت صديقا استمرت ثروته في النماء عقاريا ـ قبل وبعد ظهور الأسهم في وضعها المريض ـ فلم يتأثر بضجيجها ومكاسبها، ولذلك استمر رابحا وكاسبا ولم يصبه غبار من سنوات الكساد.
الحياة في مختلف جوانبها تعلمنا دائما أن لا نستجيب للصخب ولا ننخدع بالضعف، بل علينا أن نتأمل ونتمعن وننظر بعيدا عن المؤثرات التي تحيط بنا والتي قد تدعونا إلى بعض المواقف والتصرفات.
علينا أن نتأمل حقيقة الأمور دون التوقف عند ظواهرها، ومن أجل ذلك علينا أن نعمل العقل ونستدعي التجارب ونحاول الفهم لجوهر الأمور والقضايا.
ثم علينا أن نتصرف على ضوء وعينا للأمور، ونضع الأمور في مواضعها، فلا يأخذنا الاندفاع إلى مناطق مظلمة، ولا يغلب علينا الاطمئنان فنخدع على حين غرة.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2663 - الأحد 20 ديسمبر 2009م الموافق 03 محرم 1431هـ