العدد 2334 - الأحد 25 يناير 2009م الموافق 28 محرم 1430هـ

القمم العربية وداء الشخصنة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحد أمراض الحالة العربية تجلّت بكل وضوح في قمة الكويت الاقتصادية التنموية الاجتماعية الأخيرة، التي عقدت يومي 19 و20 الجاري.

الكويت أعدّت عدتها لنجاح هذه القمة، التي اقترحتها في قمة الرياض قبل عام ونصف، من أجل تدعيم العمل العربي المشترك. وهي أحلامٌ قديمةٌ منذ الستينيات، والخوف ألاّ ترى النور كل تلك التوصيات التي وضعها الخبراء العرب، بسبب أدوائنا المستعصية، من بيروقراطية وعدم مساواة أمام القانون وأنظمة سياسية ينخر فيها الفساد المالي والإداري، فضلا عن النزعة التسلطية لبعض الأنظمة التي تعتبر نفسها مركزية على حساب الأطراف.

الكويت وفّرت السبل لنجاح القمة، وسعت دبلوماسيتها لجمع الأطراف حول رأي واحد، أو التخفيف من حدّة الخلافات المتفجرة على خلفية مذبحة غزة. لكن من اليوم الأول للقمة، كان من الواضح وجود مناورة للخروج من مستنقع غزّة على طريقة «انسوا ما مضى»، و»ما فات مات»، حتى لو كان من مات 1300 فلسطيني نصفهم من النساء والأطفال، وأكثر من 5 آلاف جريح.

كانت المحاولة إعلان «مصالحة عربية» بعد لملمة أشلاء غزة، والرقص على جثتها في مؤتمر شرم الشيخ، وبمباركة دولٍ غربية لم يُعرف عنها تفهما لآلام الفلسطينيين. ولما التأم شمل الزعماء العربي في الكويت، كان الجو يسمح لإعلان تعاطفهم «الكبير» مع الشعب الفلسطيني الشقيق، بعد امتناعهم ثلاثة أسابيع عن عقد قمة يعلنون فيها تضامنهم مع غزة واحتجاجهم على «إسرائيل».

كانت المحاولة بيع «وهم» للجمهور العربي، الذي لم يعد يثق بما يُقال ويُسوّق، وكان عرّابه الأمين العام للجامعة العربية. فحين يزور المركز الإعلامي بالفندق حيث يحتشد مئات المراسلين والصحافيين، كان يمارس لعبته المفضلة، بإمساك العصا من الوسط، فيبيع شعارات على الجمهور، ويمرّر للزعماء مشاريعهم التي يريدون.

أحد المصريين الأقحاح، من صحيفة معارضة، وقف ليسأله: لماذا لا تستجيب لمطالب الشارع العربي بالاستقالة؟ فأجاب غاضبا: «لا لا لا، أنا لا أحد يملي عليّ موقفي. أنا الذي يستقيل متى ما رأيت ذلك. لا أحد يملي علي إلا ضميري»، وكان ذلك ضربا من الوهم أيضا.

الشخصنة هي أحد أدوائنا الكبرى، إحدى الصحف الكويتية نشرت في مربّع ملوّن على الصفحة الأولى، ما قاله الرئيس المصري عند نزوله من سلم الطائرة، إذ توّجه إلى سمو أمير الكويت بقوله: «أنا جيت عشانك يا سمو الأمير». ومع اعتزازنا الكبير بالكويت الشقيقة قيادة وشعبا، فقد كانت غزة وإنسانها وآلامها أكبر من العلاقات الخاصة والشخصنة.

الصحيفة الكويتية أوردته على سبيل المدح للمُضِيف بطبيعة الحال، ولكنها أغفلت ما يلحق بالضيف من ذم، وخصوصا أن الرأي العام العربي لم ينس الموقف من حصار غزة، وتضييق الخناق على أهلها وإغلاق المعابر، ومنع المعونات المصرية والخارجية من الوصول للمحاصَرين. ولم تفلح الفصاحة ولا الادعاءات الفارغة في استغفال الرأي العام العربي بأنهم سمحوا للمعونات من اليوم الأول.

ما وقع في غزة نكبةٌ كبرى جديدة، يُسجّل وزرها على النظام العربي المتهالك، الذي وقف متفرّجا على المذبحة، عاجزا حتى عن الاحتجاج على سفك الدم الفلسطيني في وضح النهار. وكلّ ما تمخّض عنه مليارا دولار لتضميد جراحهم، علما بأن هذا النظام خسر في العام الماضي 2500 مليار دولار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2334 - الأحد 25 يناير 2009م الموافق 28 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً