العدد 2662 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ

«الجمرات الودية» أتت بفنون جديدة من بحور الشعر

المرحوم الشيخ سليمان المدني في تقديمه لديوان الملا عطية الجمري

كتب المرحوم العلامة الشيخ سليمان المدني مقدمة مهمة للجزء الثاني من ديوان «الجمرات الودية... في المودة الجمرية»، الصادر في العام 1966، شرح فيها أهمية الشعر الحسيني الذي ابتكره صاحب الديوان المرحوم الملا عطية بن علي الجمري.

وجاء في ديباجة تقديم المدني للديوان «لقد حرت كثيرا وأنا بصدد الكتابة عن هذا الديوان، لست أدري عن أي شيء اكتب... أأكتب قصة الأدب الشعبي في البحرين والعوامل المتدخلة في سيره وتطوره، أم أكتب عن قائل الديوان وملكاته الادبية، أم تراني أريد أن اكتب تحليلا لبعض ما في الديوان من اشعار... حرت في أمري واستمرت بي الحيرة أياما ليست بقليلة وكل موضوع من هذه المواضيع الثلاثة يلاحقني ويعمل على اجتذابي إليه، فأعود لأقرأ الديوان من جديد عل قراءته تنقذني من الحيرة، ولكن الديوان يوحي إلى بهذه الفكر الثلاث مجتمعة وكأنها موضوع واحد متلاحم لا يجوز التفكيك بين أوصاله».

وتابع المدني: «إنه (أي الديوان) يقول لي... إنني آخر انتاج لأهم ركيزة من ركائز تاريخ الأدب الشعبي في هذه البلاد، وإذا أردت أن تكتب فاكتب عن تطور الأدب الشعبي خلال فكر صاحبه. وما أنا بقادر على ان أخوض الموضوع على النحو الذي يوحيه الديوان إلي ويوجبه علي، فيعود فكري لتجزئة الموضوع وتقطيع أوصاله محاولا ان يكتفي بدراسة جانب دون جانب فأقع في الحيرة من جديد».

ثم استرسل الشيخ المدني ذاكرا أنه «لم تعرف البحرين ادبا شعبيا منفصلا عن أدب الفصحى قبل بداية القرن الثاني عشر الهجري، واسبق شاعر نعرفه له بعض القطع باللغة الدارجة هو الشيخ عبدالنبي بن مانع الجدحفصي، غير انه لم يكن هو الأول في الواقع على ما أظن لان الشعر المنسوب اليه قد اكتمل انسلاخه عن اصله ولابد ان يكون قد سبق بمحاولات، ومما يؤيد ذلك بعض القطع الشعرية التي لم تقدر على الانسلاخ تماما عن اصل الفصيح»، مستشهدا بقول بعضهم:

«مطر الصيف ما في بلل

اطيح نقطه وتهدم جبل»

وأضاف «لا شك ان نشوءه كان مسببا عن عجز القائل لمتابعة قواعد الجملة العربية والجهل بالعمود ثم اخذ في التطور شيئا فشيئا حتى صادفنا مستقلا، لانه كان بسبب عجز الشعر العربي من متابعة ألحان الموسيقيين والمغنين كما يدعي البعض».

وبيّن المدني في تقديمه أن «الإنسان يريد أن يعبر عن مقاصده النفسية باللغة ولاجل ذلك وضعها وهو دائما وابدا يحورها ويضع لها القواعد التي تساعده على التعبير بها، فاذا زال ذلك الجيل ولم ينقل التراث اللغوي لخلفه أو تركهم يتأثرون بغيره فإنهم ولا شك سيبتدعون لهم لغة تناسب مستواهم فتبرز اللهجات المحلية للوجود، واذا طال بقاؤها وامحت أصولها أصبحت هي الفصحى وهجرت الأم، ولا أدل على ذلك من اللغات الأوروبية الحديثة المتفرعة عن اللاتينية، ولولا الدين الإسلامي ولولا القرآن الكريم لما فهم العرب اليوم بعضهم بعضا ولما عاشت العربية حية إلى هذا الحين».

وأشار إلى أنه «في أواخر القرن العاشر الهجري إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري كانت البحرين زاخرة بالعلم والعلماء والادباء بل كان معظم الفلاحين مثقفين وهم غير محتاجين ليلحنوا في القول أو يعجزوا عن العروض وفي أواخر القرن الحادي عشر الهجري وأوائل الثاني عشر الهجري ابتدأت البحرين تنتكس لعدم الاستقرار فيها». ورأى المدني أنه «لهذا السبب فشت الامية في البلاد وعجز أهلها من التصرف في لغتهم الأصلية وفشي اللحن في ألسنتهم فظهر هذا النوع من الشعر، ونحن لا نعرف أول من حاول ان يجعله فنا مستقلا، لأن احدا لم يحاول ان يؤرخ له من قبل، ولكننا نجزم ان استفاد من تجربة الشعوب العربية الأخرى في هذا الميدان وبخاصة العراق، كل ما نعرف ان أهم من نبغ في هذا الضرب من الادب هو الشيخ عبدالنبي الجدحفصي والسيدخليل الجدحفصي وابن فايز وهو احسائي الأصل وابن سليم وابن قنبر وملا عبدالله (البلغة) وشاعرنا صاحب هذا الديوان».

وتابع «لا يمكن ان نقارن بين هؤلاء الاشخاص فلكل منهم وجهة وطريقة تتأثر بمحيطه، الا انهم جميعا قد ساهموا في دفعه إلى الامام وترقيته وتهذيبه، غير ان أهمية شاعرنا بالنسبة لمن تقدم تظهر في ناحيتين، الأولى منهما انه معاصر لنا ولذلك فشعره مملوء بروح عصرنا ملائم لأمزجتنا، وثانيتهما انه حسب ما في هذه التجربة متميزة عن تجربة غيره من السابقين مع ما في هذه التجربة من ابداع وأصالة تكاد تجعلها كقفزة اذا ما وضعت في السلم التأريخي لتدرج هذا النوع من الادب، ولكن الشيء الذي يؤسفني كثيرا أن ألاحظه وأقوله، هو ان شخصيته القوية وتجربته الأصلية قد طغتا على شعراء هذا اللون حتى أصبحوا مقلدين ولا اعني بهم شعراء البحرين فحسب بل حتى شعراء القطيف، فأنت لا تجد لديهم ابتكارا أو تطويرا على الرغم من كثرة الدواوين التي أصدروها الا نادرا، حتى كأن الله لم يخلقهم الا ليحاكوا هذا الرجل، ويا ليتهم أحسنوا المحاكات، حتى ان أكثرهم يقول القطعة كاملة فلا تجد فيها الا معنى واحدا يكرره الشاعر في كل ابياتها، هذا عن الشعر والشاعر واما الديوان فالكلام عنه صعب ولكن لابد من كلمة تقال وان لم تف بحقه أو بحقي في الكتابة».

وعالج الديوان أغراضا متعددة، بحسب المدني، بعضها كان قد سبقه أخوه الأول في معالجتها فجاء هو مكملا ومتمما، ولكنه يمتاز على سابقه في محاولات إدخال اصطلاحات شعبية خالصة أكثر مما فعل الجزء الأول وبعضها اختص هو بها، وفي هذا الديوان عالج الشاعر موضوعات سبق ان عالجها في الديوان الاسبق ولكن علاجه لها هنا يختلف عن هناك، ففي الديوان الاسبق يعطيك الشاعر معنى مصبوغا بالألفاظ، اما هنا فهو يرسم لك صورة تاركا اليك استنتاج المعنى المراد منها، وفرق آخر بين العلاجين، فإنه في الديوان الأول يعطي المعنى المراد دفعة واحدة وكأنه يقذفه في ذهنك قذفا اما في هذا الديوان فهو يعطيك معاني جزئية من مجموعها ينتج لك معنى كليا». وضرب الشيخ المدني مثلا على ذلك بمخاطبة زينب لأخيها العباس، إذ يقول الملا عطية في الديوان الأول:

عنكم يبو فاضل ترى قوة خذوني

وكلما جرى دمعي على اخدودي اضربوني

كلكم ضياغم يخوتي واتضيعوني

ضيعة وسفر وايتام ما يخفاكم الحال

عباس خويه امن المدينة ابذمتك جيت

لجلك ولجل حسين عفت الوطن والبيت

واشوف جيت الكربلا ومني تبريت

بعت السهم مني وبليتوني ابهالعيال

بينما يقول في الجزء الثاني من ديوان «الجمرات الودية»:

وصدت لبو فاضل ودمع العين همال

نادت يخويه قوم حادي اضعونا شال

ما ضنتي ترضى الحراير تركب اجمال

عقب الخدر للشام تتودى هديه

وقفت على جسمه وهي عبره تناديه

دقعد يمن قطعوا على جوده اياديه

ما ظن يخويه الشام ترضى انشوف واديه

يكرام ما تاخذكم الغيره عليه

بظلالكم عشنا ولا نقدر على السير

والكل منا امعوده ابعزٍّ وتخدير

وتركب بليا هودج اعلى الجمل ميصير

وانت الجبتها ابذمتك للغاضريه

ولفت المدني إلى أن كلا القطعتين تعطيان معنى كليا واحدا، ولكن الأولى تعطيك المعنى دفعة واحدة اما الثانية فهي تعطيك اياه على دفعات، في كل دفعة تعطيك معنا جزئيا يكاد يبدو ان لا علاقة له بمراد الشاعر، ومن مجموع هذه الفكر الجزئية تتكون عندك الفكرة العامة، فهذه ترسم لك منظرا مؤلما وهي لا تنطق بكلمة عتاب وانما عذر واعتراف بعدم رضاء المخاطب بكون المتكلم في مثل هذا الموقف ثم تذكر له فضله عليها وتسأل منه ان يتكرم عليها كما كان سابقا، وكل هذا لا يبدو منه عتاب اذا اخذ متجزئا، ولكن الصورة العامة التي يخلص بها القارئ هو العتاب المر، وقد حاول الشاعر في آخر المقطع أن يساعد القارئ على هذا الفهم وكأنه يقول له لا تغرنك الصورة الجزئية في المنظر ولكن خذه ككل.

كما لم يفت الشيخ المدني أن يشير إلى أن الشاعر حاول في الديوان أن يأتي بفنون جديدة من بحور الشعر وتركيبه، كما حاول ان يجرب أكثر من طريقة لعرض المواضيع التي يعالجها، وقد نجح في هذه المحاولات. وقال إن «الأمثلة على ذلك كثيرة، غير أني لا أطيل بضرب الأمثلة، وعلى القارئ ان يلاحظ، وفي هذا الديوان قطعة هي من أعظم آيات البلاغة في الشعر الشعبي لأنها في واقعها قطعتان، وقد كتبت قطعتين ولو كان الخيار لي لكتبت قطعة واحدة وترك تقديرها للقارئ من دون ان يساعد على ذلك أو ينبه لأن الشيء الذي يفرض نفسه خير من أن يفرض، وهذه القطعة ستفرض نفسها بل ان الديوان كله سيفرض نفسه، وسيهب من خلق لتقليد الناس وسرقة ابتكارهم لمجاراته، وسيعجز حتى عن المحاكات، ويا ليته لا يفعل ذلك وينصرف لصقل موهبته ليكون مبتكرا، ولكن هيهات أن ينال المجد من كان يحب الدعة والراحة».

وختم المدني تقديمه، الذي كتبه في 21 ذوالحجة سنة 1385 هجرية، بالقول: «استميح القارئ عذرا عن التقصير في إيفاء الديوان حقه وعدم كتابة تحليل لكل محتوياته، فقد بقى الديوان عندي اياما كثيرة ولم اكتب عنه لما اصابني من انبهار وعليّ أن أرجعه لصاحبه، كما أرجو ان يعذرني الشاعر ويغفر تطفلي على ديوانه اذا لم اقدّره كما يجب»

العدد 2662 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:53 ص

      سوأل

      ممكن تكتب لي لطميتين من الكتب
      ابي لاجل الشاب راسي شاب ذبح المعرس ما افجعه
      تاج الروس مات بطوس عن الامام الرضى
      وشكرا لك خوي

    • زائر 5 | 4:02 م

      محبــــــ ال البيت ـه

      ماعـــــــــرفة بس سمعت عنه والله يرحمـــــه
      وانه احب لاجل الشــــــــــــاب لان بابا على طول
      اقولهــــــا لنا وخاطري اسمعهـــــــا بس مالقيت
      الجمرات الودية كامل ياريت نسمعهاا بعد وشكرا

    • زائر 4 | 5:37 م

      شعراء بالفطرة والحب

      لقد داب شعرائنا القداما على تسليط الضوء على الحدث واستخدام الصور البلاغية الجميلة التي لها تاثير بليغ على القارئ والمستمع نعم الملا عطية من الشعراء الذين استحوذو على القلوب وكان والدي رحمه الله يعشق الملا كثير ويحفظ اكثر ما احتوى الديوان بالاخص الجزء الاولى فهنيئا لكم الولاء ياخدام ابا عبدالله وثبتنا الله على ما سرتم عليه
      رحم الله الملا عطية ووالديه ووالدي وجدي الشاعر ملا علي بن محمد خليفة من السعودية سيهات

    • زائر 3 | 3:00 م

      رحمكم الل جميع يا خدام اهل بيت النبوه

      ملا عطية الجمري ومن سبقة من الشعراء كانوا يكرسون اوقاتهم للكتابة وليتقربو بها الى اهل البيت عليهم السلام رحمك الله يا ابا طاهر ورحمك الله ياشاعر اهل البيت ويرحم جميع المؤمنين

    • زائر 2 | 3:02 ص

      بناي ومحرقي

      رحمك الله يا ملانه ياملا عطيه الجمري

    • زائر 1 | 10:10 م

      ربي..

      اجعلني من خدمة ابا عبد الله .. لأفوز فوزا عظيما كما فاز هذا الشاعر المبدع .. مفخرة البحرين الذي شهد بإبداعه وكرمه الغرباء .. ونسته مؤسسات بلده الرسمية .. ولكن ما نقول .. هذا هو حال البلد .. غرباء حتى في ابداعنا !

اقرأ ايضاً