شارف العام 2009 على الانتهاء وملف كوريا الشمالية بشأن سلاحها النووي لم يتغير فيه أي شيء رغم الضغوطات التي تعرضت لها من قبل معظم دول العالم وعلى رأسها أميركا، فقد تمسكت كوريا الشمالية بتاريخها المفعم بالاستفزاز في العام 2009 وبلغ ذلك ذروته بإجرائها تجربة نووية ثانية في مايو/أيار الماضي الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى تشديد العقوبات ضدها. ففي ظل الانخراط في مسائل جديدة مثل اعتقال الأجانب وإجراء ثلاث تجارب صاروخية على فترات منفصلة تكون بيونغ يانغ قد تمسكت باستراتيجية شيطانية لإثارة التوترات ثم بعد ذلك تقديم تنازلات مقابل الحصول على مساعدات والدخول في محادثات بين الحكومات.
وقال الأستاذ بجامعة كوكمين في سيئول، أندريه لانكوف وله عدة مؤلفات عن كوريا الشمالية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «لقد كان عاما محموما ومضطربا». ومضى يقول «عملت (كوريا الشمالية) جاهدة على خلق الإحساس بوجود أزمة على أمل أن تكافئها كوريا الجنوبية بالمزيد من المساعدات والتنازلات السياسية». هذه المناورات من جانب بيونغ يانغ تجلت بوضوح في الشهور الأولى من العام باتخاذها الاستعدادات لإطلاق صاروخ طويل المدى قالت إنه صاروخ يحمل قمرا اصطناعيا لأغراض الاتصالات. وفي مارس/ آذار الماضي قام جنود سلاح حرس الحدود الكوري الشمالي باحتجاز صحافيتين أميركيتين من أصول آسيوية بالقرب من الحدود مع الصين اتهمتهما بيونغ يانغ باقتراف «عمل عدائي « ضد النظام. كما قامت السلطات في المجمع الصناعي الكوري المشترك الذي يقع شمال المنطقة المنزوعة السلاح باعتقال مهندس كوري جنوبي بشركة هيونداي بزعم انتقاده للنظام الستاليني.
في الخامس من أبريل/ نيسان الماضي أطلقت كوريا الشمالية ما وصفته بصاروخ يحمل قمرا اصطناعيا لبث الأغاني التي تمتدح كيم إيل سونج مؤسس النظام وكيم جونج إيل الزعيم الحالي. غير أن مجلس الأمن الدولي أدان عملية إطلاق ما وصفه بصاروخ باليستي عابر للقارات الأمر الذي دفع بيونغ يانغ إلى الانسحاب من المحادثات النووية سداسية الأطراف مع كوريا الجنوبية واليابان والصين وروسيا والولايات المتحدة وإعلان البدء في خطوات استئناف برنامجها النووي. ثم مالبثت في الخامس والعشرين من مايو/ أيار الماضي أن أجرت تجربة نووية ثانية ما ضاعف من حنق كوريا الجنوبية والمجتمع الدولي.
وآنذاك أعلن المكتب الرئاسي بكوريا الجنوبية «تمثل التجربة النووية تهديدا خطيرا للسلام والأمن في شبه الجزيرة الكورية وفي شمال شرق آسيا وباقي دول العالم. كما أنها تشكل تحديا خطيرا للبرنامج الدولي لمنع الانتشار النووي». على إثر ذلك أدان مجلس الأمن الدولي التجربة وقرر تشديد العقوبات وتوسيع نطاق الحظر المفروض على واردات وصادرات الأسلحة وتعزيز الإجراءات التي تم اعتمادها عقب التجربة النووية الأولى التي أجرتها كوريا الشمالية في أكتوبر/ تشرين الأول 2006. وفي هذا الصدد قال نائب رئيس معهد كوريا لأبحاث الدفاع، كيم تاي وو «لقد عانت كوريا الشمالية بشدة بسبب القرار رقم 1874». وأردف يقول «ذلك يعود بصفة خاصة إلى اشتراك الصين في العقوبات، ولذا كان (القرار) موجعا بالنسبة لكوريا الشمالية» مشيرا إلى وضع بكين المتمثل في كونها الراعي الأكبر لبيونغ يانغ. على الرغم من توالي المزيد من المظاهر العدائية في يوليو/ تموز الماضي - بما في ذلك تجربة إطلاق لصاروخ قصير المدى وهجوم على شبكة الانترنت الخاصة بكوريا الجنوبية يشتبه أن كوريا الشمالية هي التي دبرته - قام النظام بغتة بتغيير لهجته. لذلك يقول كيم «لقد طرأ تحول كبير في موقف كوريا الشمالية في أغسطس/ آب الماضي، إذ قدمت بادرات سلمية من أجل التعاون الاقتصادي». بل أكثر من ذلك أبدى النظام عبر قنوات رسمية وغير رسمية استعداده لعقد قمة أخرى بين الكوريتين. وتمكن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون من إقناع كوريا الشمالية بالإفراج عن الصحافيتين الأميركيتين من خلال زيارة قام بها لبيونغ يانغ في ذلك الشهر. وفي وقت لاحق استطاعت رئيسة مجموعة شركات هيونداي، هيون جونج تأمين الإفراج عن المهندس الكوري الجنوبي وبدأت محادثات بشأن إقامة مشروعات استثمارية للشركة في كوريا الشمالية. كما قامت بيونغ يانغ بتحركات تصالحية أخرى، إذ وافقت على فتح حدودها من أجل المساعدة في لم شمل الأسر المقسمة وإيفاد مبعوث رسمي إلى سول لحضور جنازة الرئيس الكوري الجنوبي السابق كيم داي جونج. ويقول لانكوف إن السلطات الكورية الشمالية أخفقت في خلق الإحساس بوجود أزمة كما أن نهجها المتسم بالرقة واللطف الآن لم يفلح أيضا. ومع كل ذلك لا تزال الصراعات مستمرة في ظل استمرار التجارب الصاروخية والمناوشة البحرية الأخيرة في البحر الأصفر. وعلى رغم هذا التأرجح من جانب بيونغ يانغ يؤكد الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك أن هدفه الرئيسي الذي يرمي إليه هو أن تكون شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية تماما مقابل الأمن والمساعدات الاقتصادية التي عرضها «كصفقة كبرى». لكن رغم تراجع حالة الشقاق بين الكوريتين لا يرى كيم تاي وو ثمة تحول جوهري في موقف بيونغ يانغ. وقال «لايوجد أية مؤشرات تدل على أن كوريا الشمالية ستتخلى عن خياراتها النووية». وفي محاولة لحل المأزق النووي أوفدت واشنطن مبعوثها الخاص ستيفن بوسوورث إلى بيونغ يانغ في الثامن ديسمبر/ كانون الأول الجاري. كما أشار الرئيس الكوري الجنوبي في أواخر نوفمبر الماضي إلى احتمال موافقته على عقد قمة مع كيم جونج إيل. فقد نقلت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) عن لي قوله «بسبب أهمية مسألة جعل شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية أعتزم لقاء (كيم) في أي وقت وفي أي مكان طالما أن هدفنا سيتحقق من خلال هذه القمة»
العدد 2662 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ