انتهت أعمال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ في كوبنهاغن أمس (السبت) بعد 13 يوما من المناقشات عن التحرك الدولي الواجب القيام به لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وتمثل الإنجاز الرئيسي للمؤتمر في «اتفاق كوبنهاغن» الذي توصل إليه ليل الجمعة/ السبت نحو ثلاثين رئيس دولة وحدد سقف ارتفاع حرارة سطح الأرض بدرجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وإنشاء صندوق مالي لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة تداعيات هذه الظاهرة.
كوبنهاغن - رويترز
تجنبت محادثات مؤتمر المناخ التي نظمتها الأمم المتحدة الانهيار الكامل أمس (السبت) من خلال الالتفاف على معارضة مريرة من جانب عدة دول لاتفاق غير ملزم رعاه الرئيس الأميركي باراك أوباما وخمسة اقتصاديات ناشئة من بينها الصين. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «أخيرا حصلنا على اتفاق». واضاف ان «اتفاق كوبنهاغن» قد لا يشمل كل شيء يأمل فيه كل شخص لكن هذا القرار ... بداية مهمة».
غير أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في محادثات مطولة شاركت فيها 193 دولة اكتفى بمجرد الإشارة غلى الاتفاق الجديد وهو اتفاق غير ملزم لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية تزعمته الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا. ولم تصل الدول المشاركة غلى حد إقرار الخطة التي تضع هدفا بتحديد الزيادة في درجة حرارة الأرض عند حد أقصى يبلغ درجتين مئويتين على الفترة التي سبقت عصر الصناعة وتقديم مساعدات قيمتها 100 مليار دولار من العام 2020 للدول النامية.
والخطة لا تحدد الخفض الذي هناك حاجة إليه من الغازات المنبعثة من الصوبات الزراعية لتحقيق هدف الدرجتين مئويتين اللتين ينظر غليهما على أنهما بداية للتغيرات الخطيرة مثل مواجهة مزيد من الفيضانات والجفاف والانهيارات الطينية والعواصف الرملية وارتفاع منسوب مياه البحار.
وفي جلسة عاصفة استمرت طول الليل قبل الفائت وصلت المحادثات إلى حافة الانهيار بعد أن اتحد السودان ونيكاراغوا وفنزويلا وبوليفيا للتنديد بالخطة التي تقودها الولايات المتحدة بعد أن غادر 120 من زعماء العالم القمة يوم الجمعة.
وتستهدف محادثات الأمم المتحدة التوصل إلى اتفاق بالإجماع. وبموجب حل وسط يتجنب الانهيار يشمل الاتفاق قائمة بأسماء الدول التي أيدت الاتفاق وأسماء الدول التي اعترضت عليه. وقد تؤدي هذه النتيجة إلى مبادرة فيما يتعلق بصياغة سياسة خاصة بالمناخ العالمي للولايات المتحدة والصين وهما أكبر دولتين تنبعث منهما غازات مسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وتؤكد في الوقت ذاته على أوجه القصور في عملية الأمم المتحدة التي تسودها الفوضى. والجلسة التي عقدت برئاسة رئيس وزراء الدنمارك لارس لوك راسموسن وصلت إلى نقطة الانهيار عندما قال مندوب سوداني إن الخطة في إفريقيا ستكون بمثابة محرقة. وقال المبعوث السوداني لومومبا ستانيسلوس دي أبينج إن الوثيقة عبارة عن «حل يعتمد في اعتقادنا على المعايير نفسها التي أرسلت ستة ملايين شخص في أوروبا إلى المحارق». وقال كبير المفاوضين السويديين أنديرس تروسون «الإشارة إلى محارق النازية في هذا المجال أمر بغيض».
وحثت دول أخرى بينها الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي واليابان وممثلون عن الاتحاد الإفريقي وتحالف دول الجزر الصغيرة المبعوثين على قبول الخطة كورقة عمل تابعة للأمم المتحدة من أجل مكافحة التغيرات المناخية. وقال رئيس جزر المالديف محمد ناشيد «هناك خطر حقيقي بأن تسير المحادثات الخاصة بالمناخ في المسار نفسه الذي سارت عليه محادثات منظمة التجارة العالمية ومحادثات أخرى متعددة الجنسيات» وحث المبعوثين على دعم الخطة حتى لا تستمر العملية لأعوام.
وأشارت الكثير من الدول إلى أن الاتفاق لم يرق حتى إلى تحقيق طموحات الأمم المتحدة من محادثات كوبنهاغن والتي كان المقصود منها أن تكون نقطة تحول لدفع الاقتصاد العالمي في اتجاه الطاقة المتجددة وبعيدا عن الوقود الأحفوري.
وقبل المغادرة قال أوباما إن الاتفاق نقطة بداية مضيفا بعد محادثات مع رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو وزعماء الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل «هذا التقدم لم يأت بسهولة ونعرف أن هذا التقدم وحده غير كاف... قطعنا شوطا طويلا ولكن علينا الذهاب إلى مدى أبعد». وقال كبير المفاوضين الصينيين بشأن المناخ شيه تشن هوا «الاجتماع كانت له نتيجة إيجابية ويجب أن يكون الجميع سعداء».
ووافق الاتحاد الأوروبي على مضض على الاتفاق الذي قلص بعض الأهداف التي ذكرت من قبل في مسودات نصوص مثل هدف خفض الانبعاثات العالمية للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول العام 2050.
وكانت العديد من الدول الأوروبية تريد من أوباما أن يقدم عرضا بخفض أكبر للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بحلول العام 2020 . ولكنه لم يتمكن ويرجع ذلك جزئيا إلى أن مجلس الشيوخ رفض التشريع الخاص بخفض انبعاثات الكربون. وأيدت واشنطن خطة بتقديم مئة مليار دولار كمساعدات للدول الفقيرة اعتبارا من العام 2020 .
ويحدد الاتفاق نهاية يناير/ كانون الثاني العام 2010 كمهلة نهائية لكل الدول لتقديم خططها الخاصة بكبح الانبعاثات للأمم المتحدة. ويقترح نص منفصل تحديد نهاية العام 2010 كمهلة زمنية لمتابعة ما جرى الاتفاق عليه ولكنه تخلى عن خطة بضرورة التوصل لمعاهدة ملزمة قانونيا.
ومن جهتهم، انتقد دعاة الحفاظ على البيئة اتفاق الحد الأدنى إذ قام نشطاء بحلق شعر رؤوسهم بسبب خيبة الأمل التي أصيبوا بها.
- ينبغي إبقاء معدل ارتفاع الحرارة الشامل للكرة الأرضية دون درجتين مئويتين مقارنة بالمستويات ما قبل الصناعية (1800). لكن هذا الهدف لم يرفق باي ضمان، فالاتفاق لا يذكر تقليص الانبعاثات الملوثة إلى النصف مع حلول 2050 ولا أي موعد لتوقف ازديادها.
- حدد موعد 31 يناير/ كانون الثاني مهلة للدول الصناعية لتعلن أهدافا لتقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة مع حلول 2020، وللدول النامية لتعلن إجراءات تنوي اتخاذها لتقليص انبعاثاتها. ولم يشمل النص أي هدف بالأرقام.
- على التزامات الدول الصناعية أن تكون «قابلة للقياس، والملاحظة، والتدقيق» من أجل مراقبة صحتها.
- على الدول النامية أن تعلن بنفسها كل عامين معلومات عن سياساتها المحلية تتضمن عناصر تسمح «بالمشاورات والتحليلات الدولية» مع «احترام سيادتها الوطنية» (تسوية من أجل الصين). ينحصر تطبيق قاعدة «القياس والملاحظة والتدقيق» في الإجراءات التي تلقى دعما دوليا ماليا أو تقنيا.
- تخصص مساعدة فورية من 30 مليار دولار على ثلاثة أعوام (2010 - 2012) لدعم تأقلم الدول النامية مع نتائج الاحتباس، وتعطى «الأولوية» للدول الأكثر فقرا لا سيما في إفريقيا والجزر الصغيرة.
- بين 2013 و2020 تتعهد الدول المتطورة تخصيص مبلغ 100 مليار دولار تدريجيا، يقتطع «من مصادر منوعة عامة وخاصة، ثنائية ومتعددة الطرف، بما فيها وسائل تمويل مجددة»، بلا ذكر ضريبة محددة في هذه المرحلة.
- إنشاء «صندوق المناخ الأخضر» في كوبنهاغن لدم مشاريع الدول النامية لخفض انبعاثاتها، على غرار حماية الغابات ومكافحة تدمير الغابات، والتأقلم، وتعزيز القدرات ونقل التكنولوجيا.
القيود القانونية:
- يرجح ألا يشهد «شبح» كوبنهاغن، أي مؤتمر المكسيك المقبل في أواخر 2010، اتفاقا ملزما جديدا. بالتالي يبقى بروتوكول كيوتو الأداة القانونية الوحيدة لمكافحة الاحتباس، لكنه لا يعالج أكثر من ثلث انبعاثات العالم
العدد 2662 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ