لم تتوصل قمة المناخ في كوبنهاغن إلى قرارات حاسمة بشأن حماية الأرض من الاحتباس الحراري وتدمير البيئة وجرف الأتربة وقطع الغابات. فالدول التي اجتمعت اختلفت على تحديد الأطراف المسئولة عن تفاقم الأزمة بسبب عدم تجانس رؤيتها في التعامل مع مشكلات أخذت تتراكم في العقود الماضية.
الاختلاف في وجهات النظر تأسس على مجموعة معطيات تتصل مباشرة بمصالح الدول وتلك الشركات والمؤسسات واللوبيات التي تتحكم بالقرارات وتوجه سياسة الحكومات. فهناك دول فقيرة تعتمد على الاقتصاد الطبيعي. وهناك دول نامية يقوم اقتصادها على الريع. وهناك دول تعتبر اقتصاديا خارج التصنيف بسبب اعتمادها على مواردها الطبيعية ولكنها غير قادرة على استخراجها وتصنيعها من دون مساعدات تقنية من الشركات المتعددة الجنسية.
التفاوت بين الدول لا يقتصر فقط على تلك الشريحة المتأخرة اقتصاديا أو تلك التي لا تزال في طور متخلف في نمطها الإنتاجي. فهذه الطبقة من الدول الفقيرة والنامية تعتبر تقليديا غير مسئولة عن كارثة المناخ لأنها تصنف في موقع الاقتصادات الطبيعية والريعية التي لا تنتج البضاعة وإنما تستوردها من الدول الصناعية وتقوم بتسويقها واستهلاكها.
مشكلة المناخ تتحمل مسئوليتها الدول الكبرى وتحديدا الولايات المتحدة وأوروبا والمجموعة الآسيوية التي دخلت حديثا حلبة التنافس ونجحت في احتلال الصدارة الدولية في بعض القطاعات الإنتاجية. وبسبب خصوصية المشكلة واتصالها مباشرة بموقع الدول القوية والغنية والقادرة على تطويع القرارات التي تتأثر بها مختلف الأمم تحولت الأزمة إلى مشكلة علاقات متأزمة بين الأقوياء والأغنياء. فأصحاب السلطة في مجال التصنيع يمتلكون الحل وفي الآن يتمتعون بمواصفات تمنعهم من التحرك للسيطرة على تفاقم المشكلة وتهديدها لاستقرار البشر والتوازن البيئي ونمو التفاوت بين تطور حاجات الناس وتراجع ثروات الأرض.
مشكلة المناخ تنحصر في تلك الطبقة من الدول التي تتحكم مباشرة بمفاتيح الحل. أما الدول الفقيرة والنامية والريعية التي اجتمعت في كوبنهاغن إلى جانب الدول الصناعية الكبرى كانت مجرد إضافة على مشهد استعراضي لا تستطيع التأثير عليه الا بحدود بسيطة ونسبة لا تؤخر ولا تقدم في مجال الأزمة. فالدول المشاركة بلغ عددها 193 وحضر منها 120 رئيس دولة وحكومة إلا أن الطبقة المعنية بالمشكلة لا يتجاوز عددها العشر باعتبار أن الاحتباس الحراري يتولد من مصانعها. ولان المشكلة تنحشر في شريحة من الدول تحولت السجالات النظرية إلى صراع مصالح بين القوى الكبرى التي تحتل المواقع الأولى في قيادة الاقتصاد العالمي.
الهند مثلا تعهدت أنها مستعدة بخفض الوحدة الكربونية لاقتصادها بين 20 و 35 في المئة في العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في 2005. والصين أيضا تعهدت بخفض حصتها الكربونية (انبعاثاتها من الغازات الدفيئة نسبة إلى وحدة إجمالي الناتج المحلي) بنسبة 40 إلى 45 في المئة بحلول 2020 مقارنة بما كانت عليه في 2005.
هذه التعهدات لم تلقَ التجاوب المطلوب من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لأنها اعتبرت نسبتها أقل من المتوقع وتحت المعدل الذي أوصى به الخبراء وعلماء البيئة والمناخ. الاختلاف على مقدار النسبة أدى إلى تفاقم الاتفاق على حل دولي للأزمة لأن الصين والهند والبرازيل تعتبر نفسها من الدول النامية ولا تزال في الطور الأول من التصنيع بينما تعتبرها الدول الغنية (أوروبا وأميركا) من الطبقة الاقتصادية الأولى وبالتالي عليها أن تشارك في الحل ولا تكتفي بتلقي المساعدات والتهرب من المسئولية والاستمرار في مفاقمة المشكلة.
أدى الاختلاف على مسئولية كل طرف في حل الأزمة وتحديد النسب المئوية لكل جهة إلى فتح ملف التصنيف الدولي لاقتصادات الدول وإعادة البحث في المعايير والأقيسة التي كانت معتمدة سابقا في فرز الشعوب وتبويبها في هذه الفئة أو تلك. الصين مثلا كانت مصنفة قبل 40 سنة من الدول النامية التي تتلقى مساعدات للسيطرة على الأمية والفقر. والهند أيضا كانت تعتبر من الدول الفقيرة قبل 40 عاما وكذلك البرازيل.
الآن اختلف التصنيف بعد أن حققت الصين معدلات نمو سنوي تجاوز نسبة 10 في المئة خلال العقود الثلاثة الماضية. كذلك الهند حققت تقدما في مجالات التقنية والتصنيع بلغ نسبة عالية خلال العقدين الماضيين. ومن جانبها نجحت البرازيل في التقدم خطوات متسارعة من النمو الاقتصادي في العقد الماضي. هذه التحولات على صعيد مراكز القوى الدولية استخدمتها الولايات المتحدة ودول أوروبا للتهرب من المسئولية بقصد توزيع المشكلة بالتساوي مع تلك الدول الثلاث التي لا تزال في طور النمو ولم تتوصل إلى درجة الاستقرار على معدل ثابت من التقدم الاقتصادي.
رفض الصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول الآسيوية واللاتينية التعامل معها في إطار متقدم من التصنيف الدولي للاقتصادات العالمية أثار مشكلة الأقيسة والمعايير والنسب التي يجب اعتمادها لتحديد طبقات الأمم وفرزها إلى فقيرة ونامية وغنية. الصين تعتبر اقتصادها من صنف الدول النامية بينما أميركا ترفض هذا التحديد باعتبار أنها أصبحت من القوى التي تنافسها في الكثير من القطاعات. والهند تعتبر أنها لا تزال في طور النمو ولم يستقر اقتصادها على معدل ثابت في التقدم. كذلك البرازيل وغيرها من الدول الصاعدة من طبقة الفقراء إلى درجة أعلى في التصنيف الاقتصادي.
إعادة تصنيف الدول أثارت مشكلة إضافية تمثلت في الاختلاف على تحديد الأقيسة والمعايير لتعريف الاقتصادات وتوضيح دورها في المعادلة الأممية ومدى مساهمتها في التدخل لتوزيع ثروات الأمم. فهل الصين مثلا دولة نامية أم فقيرة أم غنية تمتلك قدرات خاصة تؤهلها للمشاركة في حل مشكلة الاحتباس الحراري وتدهور البيئة والمناخ؟ الاختلاف على الجواب أدى إلى الدخول في مشكلة جديدة وهي المعايير والاقيسة وتصنيف الدول. الرأي الأميركي يعتمد على ثروة الدولة (الاحتياط النقدي) ونسبة مساهمتها في الإنتاج العالمي بينما الرأي الصيني يعتمد على ثروة الناس (دخل الفرد السنوي من دورة الإنتاج) ومدى مشاركة القوى المنتجة في المعادلة الاقتصادية الداخلية.
بهذا المعنى تعتبر وجهة نظر الصين صحيحة لأن الدولة غنية نقديا في التصنيف الأميركي ولكن المجتمع لا يزال في طور الفقر والنمو وهذا يتطلب فترة زمنية لتحقيق التوازن (التساوي) بين دخل الدولة المرتفع ودخل الفرد المتدني. وفي هذا الإطار يختلف وضع الصين كليا عن الولايات المتحدة باعتبار أن الدولة في أميركا مديونة (الخزانة الرسمية فارغة) بينما المجتمع في حال متقدمة من الرفاهية والاستقرار الأمر الذي يعطي الاقتصاد الأميركي في قطاعاته المختلفة قوة دفع متقدمة تاريخيا عن المجال الذي توصلت إليه الصين في العقود الأربعة الأخيرة.
في الصين الدولة غنية بينما شعبها لا يزال يصنف في طور الفقر والنمو. كذلك اقتصاد الهند وأيضا البرازيل. في المقابل تعتبر الدول في أوروبا وأميركا مفلسة نقديا ولكنها تمتلك احتياطات وثروات وشبكة آمان من المؤسسات والشركات التي تضمن لشعوبها الاستقرار في معادلة التقدم الاجتماعي وما يحتاجه الناس من رفاهية وثبات في الحصول على الوظائف.
الاختلاف على تصنيف طبقات الأمم وترتيب الدول ساعد على عدم توصل قمة المناخ في كوبنهاغن إلى قرارات حاسمة بشأن حماية الأرض من الاحتباس الحراري. المشكلة الحقيقية ليست في إعادة تعريف الاقتصادات وإنما في اختلاف المصالح وتضارب السوق وعدم استطاعة الحكومات في تحديد آليات قادرة على التحكم بشروط المنافسة والمزاحمة وطموح الشركات المتعددة الجنسية لمراكمة ثروات من دون اكتراث لسلبيات تدمير البيئة وجرف الأتربة وقطع الغابات واستهلاك موارد الطبيعة واستنزاف موادها الأولية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2661 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ
الاجندة العربية
نشكرك على هذا الشرح السهل الواضح فكلنا نعرف مسبقا ان كوبنهاجن لن تسفر عن شىء لان هناك تناغم بين بلاد الفيل والتنين لقد اعدا اجندة مشتركة لانهم يعلمون انهم المعنيين الحقيقين الذين سوف يستمروا فى نموهم فى غفلة وفقر وحاجة كثير من البلاد التى يستهلكون منها مواردهم الطبيعية الغير مقيمة ولكن فى النهاية نحن كدول عربية المتأثريين الحقيقين مع افريقيا من الاحتباس الحرارى ومع ذلك ذهبنا بدون اجندة محددة وواضحة ومجتمعة - والله المستعان
أشرف عمران