العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ

«الفنون التشكيلية» تستضيف معرض الراحل مفيز

استضافت صالة جمعية البحرين للفنون التشكيلية المعرض الشخصي الرابع للفنان الراحل عبداللطيف مفيز رحمه الله، وذلك برعاية الشيخ الرئيس الفخري لجمعية البحرين للفنون التشكيلية راشد بن خليفة آل خليفة.

في تقديم الجمعية لمعرض الفنان أشادت بجهوده مؤكدة أن مفيز «أفنى عمره محبا للفن والفنانين وكان غيورا ومخلصا ومحبا لفنه، وإذ إنه ترك كما كبيرا من اللوحات الفنية وأسلوبا لن يتكرر بسبب رحيله، لذا فإن الجمعية تعرض جزءا مهما من اللوحات التي تركها الفنان والتي لايزال لها صدى كبير عند أهل الثقافة والفن»، آملة أن يتذكر الجمهور الكريم ذلك الفن من تلك اللوحات المعروضة كتعبير عن عدم نسيان ذلك الفنان.

يحتل الفنان الراحل عبداللطيف مفيز حيزا في ذاكرة الفن التشكيلي في البحرين كونه أحد الرواد والأكاديميين المؤهلين الذين عادوا من الخارج محملين بأفكار ورؤى عصرية ساهمت إلى حد بعيد في بلورة الفكر الثقافي والاجتماعي في البحرين.

وضمن هذا الخط برز مفيز متحديا لواقع ثقافي وتشكيلي سادت عليه أساليب تسجيلية وانطباعية تمسكت بمحاكاة البيئة المحلية وملاطفة أذواق الجمهور.

وظف مفيز قدراته الأصلية وخبراته الأولية إلى جانب تأهليه الأكاديمي ليطرح فكرا تشكيليا واعيا مطورا من أدواته البصرية ليرصد حالات مركزة تتخذ أحيانا هيئة شخوص مترامية بين أبعاد اللوحة، وفي أحيان أخرى تتراقص خطوطا وبقعا متناثرة في الفضاء تحمل نتاجه إلى مناح تجريدية راقية لا يتواصل معها إلا من عرف ويعرف ما يجول بمخيلة هذا المبدع المتواضع.

عرفه الكثيرون أستاذا وموجها تربويا وزميلا في التجمعات الثقافية والمعارض التشكيلية يسدد برأيه المبسط خطوات الباحثين عن التألق والتميز. ولأنه متميز فقد بقت علاقاته متميزة، سواء فيما يتعلق بنتاجه الشخصي أم بنتاجات الكثيرين ممن قدر لهم مشاركته همه في الارتقاء بمستوى العمل التشكيلي بمختلف أبعاده. جاست أنامله مختلف الخامات وتعامل مع العديد من النظريات ولم يهدأ له بال لتحديد مسار معين بل ظل مصرا على استشفاف منافذ خفية تتيح له اكتشاف الجديد في كل مرحلة من مراحل عمره التشكيلي المتجدد.

ويأتي هذا المعرض ليس من باب التذكار أو التذكر بما كان عليه عبداللطيف مفيز بل تأكيد تواجد فكره وفنه بيننا، رغم غياب جسده عنا منذ بضع سنين.

عبداللطيف كان ويظل دائما ذلك الوهج الشفاف في قراءتنا لتاريخنا الفني القصير نسبيا والمتعاظم أبدا بعطاءات الكثيرين من أمثال مفيز... وليبقى مفيز الفنان والإنسان في الذاكرة والقلب معا.

وفي حديثها عن المعرض أشارت زوجة الفنان مفيز، حياة الخطيب، إلى أن «ما حدث في يوم الافتتاح كان غير طبيعي؛ فالأمطار كانت تهطل بغزارة، وكان هناك جمهور مهتم رغم قلتهم ورغم ذلك ارتحت ليوم الافتتاح، وهذا هو المعرض الرابع الذي أقمته له بعد وفاته، وكان المرحوم يعد لمعرض شخصي لولا إصابته، وقد قدّم الكثير رغم ذلك بيده اليسرى، ومازالت لديّ أعمال لم أعرضها لحد الآن، وقد اقترح رئيس بيت القرآن عبداللطيف كانو أن يقيم له معرضا في بيت القرآن، ويسعدني ويشرفني هذا الاهتمام بمفيز وفنه. لقد أحب مفيز عمله وفنه وعشق وطنه وأخلص له، ورغم مرضه ما تخلى عن حبه للفن، وشارك مع أصدقائه في الكثير من المعارض، وبدل مفيز الكثير من الجهود الفنية مع أصدقائه مثل بوسعد والمقهوي وعبدالحميد سعيد الذين كانوا معه في رفقة طويلة من أجل الفن، وكذلك بلقيس فخرو التي شاركته في العديد من المعارض خارج البحرين لأنهما كانا عضوين في جمعية أصدقاء الفن التي تنتمي إليها مجموعة من الفنانين في منطقة الخليج وغيرها». وختمت «كنت أتمنى أن يكون الاهتمام والحضور والمتابعة أكبر».

وفي تصريحها لـ «الوسط» أشارت الفنانة بلقيس فخرو إلى أن «مفيز صديق رحلات ورفيق درب فني، فدائما كنا نعرض مع بعض، وفي هذا المعرض شدتني لوحة (صبرا وشاتيلا) التي تعود لسنة 89 وفيها أسلوب الكولاج. هذه اللوحة أثارت ضجة في القاهرة حين عرضها ولفتت إليه الأنظار وطرحت تساؤلات عديدة، وخصوصا أننا عرضنا في القاعات الرسمية في مصر التي لها إرثها الثقافي، وقد تم التداول بشأن هذه اللوحة بالذات لكونها مثالا على الفن الذي يطرح قضايا جادة، وهي ترصد العنف الذي يحدث في فلسطين، وهي لليوم مازالت موحية رغم قدم الصحف المستخدمة والأشياء الملصقة عليها وهي إلى الآن تقوم بدورها، فالعنف والحروب والقتل مواضيع أزلية، ومفيز سجّل ذلك في اللوحة، وبها تحوّل فنّه إلى فن هادف، عبر قضية معاناتها مازالت قائمة في فلسطين، جنوب لبنان، غزة، فما حدث في الثمانينيات مازال يتكرر».

وختمت فخرو بأن «مفيز من الفنانين القلائل الذين طرحوا قضايا إنسانية وسبق وقته بينما كان غيره يركز على التقنية اللونية والجمال الفني والضوء والظل ولكنه ذهب لشيء مغاير جدّا وسابق في طرح هذه المواضيع، وثمة لوحتان في المعرض وأعمال ترجع لسنة 92 استعمل فيها أسلوبا جميلا جدا أحسده تقنيا عليها، وقد مرض في التسعينيات، ولو واصل حياته لكان توصّل إلى شيء مغاير جدا؛ فلوحات 92 كان فيها متقدما تقنيا، ولكن مع الأسف الشديد أنه رحل ولم يواصل ما بدا به مغايرا حينها».

وفي كلمته أشار الدكتور عبدالمجيد محمد مفيز إلى أخيه بأنه الأخ المبدع والفنان الرائع والإنسان الحنون الرقيق. مكتفيا بالإشارة إلى إنسانيته الراقية «التي كان يغمرنا بها في العائلة فإذا فقدت البحرين الفنان التشكيلي البارع الذي حصل على جوائز عديدة منها جاء معرض وزارة الإعلام العام 1973م ومعرض البانوش 1974 ومعارض عديدة في جميع أنحاء العالم، فإنه فاز بجائزة القلب الكبير من عائلتنا - فإننا فقدناه فعلا إنسانا كنا نلجأ إليه ليغمرنا بحنانه وإنسانيته ومعاملته الراقية. فإنه بالنسبة لي كان الأخ الأكبر في كثير من الأحيان والموجه الأول وصاحب الرقة والرأفة الذي يمسح بإنسانيته كل مشاكلنا ويحلها لنا بكل اقتدار... فقدناك جسدا فإن لوحاتك مازالت باقية وفنك مازال في ذكرى الفنون التشكيلية البحرينية وسيظل تاريخك الفني باقيا ولن يموت، فإن الأجساد التي بدون فكر وفن هي التي تموت، أما أنت فإنك في قلوبنا»

وأشار الفنان القطري يوسف أحمد إلى أنه «يعد الفنان مفيز من جيل الوسط، إذ كان الممسك ما بين التقليد والتجديد في حركة الفنون التشكيلية البحرينية والتي أخذت على عاتقها دفع الحراك التشكيلي إلى الأمام عبر تواجده المستمر على الساحة الفنية، هذا ليس بالعجب إذ إن عبداللطيف والذي تتلمذ على أيدي كبار الفنانين العراقيين والذي أخذ روح الاندماج اللوني منهم والحلول الفنية لتكويناته بعد ذلك والذي ظهر جليا في مشاركاته المتعددة في المعارض البحرينية ومعارض أصدقاء الفن التشكيلي. وتابع ما تتميز به لوحات مفيز أنها ذات طابع بحريني محلي من خلال تناوله ومعالجته للون ودرجاته الترابية والبيئية، ومواضيعه وخاصة حياة الإنسان في الأزقة والبيوت البحرينية الجميلة. كان اللون لديه صادقا ومباشرا وعكست شخصيته بعلاقاتها مع الآخرين في نقائها وصفائها.

عرفت هذا الفنان منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما عندما أسسنا جماعة أصدقاء الفن التشكيلي بدول مجلس التعاون مع الفنان الكويتي الأخ عبدالرسول سلمان في أواسط القرن الماضي. وقتها كنا نبحث عن فنان مميز وله بصمات فنية حتى قدمه لنا الفنان البحريني محمد خميس المقهوي، سوف تظل الحركة التشكيلية مدينة لهؤلاء الذين أعطوا الحركة التشكيلية الفنية الصدق وعبداللطيف واحد من هؤلاء.

وأضاف الفنان عبدالله يوسف بأن لمفيز «حضورا رغم الغياب، وهو من الفنانين الذين مضوا عنا وهم في عنفوان تجربتهم الفنية، وفي زخم العطاء الفني التشكيلي الذي شهدته البحرين منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي لا يغادرون المشهد التشكيلي المتجدد ولا يبرحون الذاكرة، كون أعمالهم تطالعنا ونطالعها على جدران من تسنى لهم اقتناء عمل من أعمالهم، أو من كتيبات معارضهم الشخصية أو الموسمية المشتركة، أو مما اقتنته المتاحف والمعارض الدائمة من جيد أعمالهم.

المرحوم عبداللطيف مفيز أحد أولئك التشكيليين الذين كان لهم حضورهم الفاعل في الإنتاج والعرض التشكيلي العام والخاص والمشترك، وفي قلق البحث الدؤوب عن آفاق تشكيلية مغايرة، ومع تأسيس جمعية البحرين للفنون التشكيلية برزت إمكانيات المرحوم الإدارية وتماهت مع عطائه التشكيلي، فكان طاقة حيوية في المجالين وأيضا في مجال إبداعي ثالث هو الفن المسرحي الذي ولجه عبداللطيف مفيز باقتدار ووعي وبتضحيات تطوعية تجلت في كيانين مسرحيين هما: أسرة فناني البحرين ومسرح أوال، وفي الاثنين عاش البحث القلق المتطلع نحو آفاق جديرة بأصالة الشكلين الفنيين في المشهدين الثقافي والإبداعي في البحرين.

واليوم ونحن بصدد معرض استعادي لبعض مما بحوزة رفيقة دربه الوفية (أم زياد) من أعمال تشكيلية توارت كثيرا عن أبصار المشغوفين بفنون التشكيل بعد رحيل الفنان المرحوم (أبو زياد) فإن ذلك يعد بمثابة استعادة كاملة لتجربة تشكيلية كان لها حضورها الملفت في زمن قد مضى وكانت مقرونة في حينها بأمل تناميها واتساع أبعادها في سياق تجربة المرحوم الشخصية وتجربة الحركة التشكيلية في البحرين، لولا أن ما كل ما يتمناه المرء يدركه.

الفنان التشكيلي عبداللطيف مفيز بحضور أعماله في المعرض من حولنا، يكون حاضرا دوما معنا... وهو حضور يتجلى وتزهو به اللوحات حيثما أدرنا أبصارنا في أرجاء قاعة العرض، إذ في كل لوحة تكمن لمسة شفيفة من روح الفنان تحيلنا بالضرورة إليه، ليعود ذاكرة عصية على النسيان.

وأشارت الفنانة صفية سوار إلى أنها عرفته «من خلال الفن والعمل التربوي فنانا متميزا بطابع يخصك ذو تعبير برؤية عصرية ولو طال به لأسعدنا... عصبيتك دائما تحولها إلى روح المرح والبهجة، كنت أجدك جادا وناضجا في أفكارك أثناء نقاشاتنا في العمل التربوي، بالرغم من الفترة التي لم تدم طويلا في العمل معك لمفاجأة الحياة بحلوها ومرها... كنت من الزملاء المقربين مشاركا في الحوار، إن إشراك الآخرين فيما يخص الذات يستلزم الثقة والسماح لشخص آخر بمعرفة نفس الذات، وهو جوهر الألفة التي تميزت بها. مازالت كلماتك وحثك وإصرارك على عودتي للعمل الفني والظهور في الساحة الفنية يراوح محله رغم وعدي لك بأنه لابد من العودة لأنني مازلت منشغلة في تشكيل لوحة حياتي... بورتريه أحد أعمالك الفنية التي تستثيرني عند النظر إليها ماتزال ماثلة أمامي فأجد نفسي فيها. الفنان المبدع لا يموت فأعماله الفنية تظل شواهد مادية لا تغيبه عنا».

وتحدث الفنان محمد صالح المقهوي عن مفيز وأيامه الأخيرة... وساعة الألم، فأشار إلى أننا كلنا نعشق الحياة، ولكن القدر حال دون ذلك فكان هذا الصراع المر في ساعته الأخيرة أخرجها لنا القدر... محتفظا في كفه الموت وفي كفه الآخر فنه، ولم يستسلم والألم قد ملأ الأفق صرخته، مازجا إياها اللون (الأحمر والأبيض لون الدم والحياة)... فأسماها «الصرخة» وهي لوحته التي تزين الآن جدران أروقة المتحف ضمن مقتنيات الوزارة وقد عرفها الفنان لي قبل وفاته وهى تحمل في مضمونها شخصية الفنان وساعة الألم. لذلك لن ولن تفارقنا أبدا يا أبا زياد».

فيما أشار الفنان عبدالحميد سعيد إلى مفيز صديق الطفولة «عرفته صديقا وزميلا من الطفولة وحتى نهاية حياته... عرفته ثائرا في مجال الفن مدافعا عن الفنانين بشتى الطرق، ومحبا للفن والفنانين. امتاز أسلوبه بعدم الالتزام كثيرا بالتفاصيل في أعماله، إذ كان يركز على الألوان بطريقة جريئة وخطوط قوية، كما أنه يجنح إلى التبسيط في الخطوط الخارجية وكذلك في اللون إلى حد ما. وقد عمل بأسلوب لا يكون التجريد فيه شاملا بحيث لا تختفي فيه الأشكال العضوية نهائيا مما جعله مختلفا عن معظم فناني جيله. وكان أبو زياد رحمه الله ثائرا على وضع الفنانين في مملكة البحرين، مما دعاه لإقامة معارض مشتركة مع عدد من الفنانين البحرينيين والخليجيين الذين كانوا يشاركونه في أهدافه ومعاناته، إذ كان هو من أحد الفنانين المؤسسين لجمعية البحرين للفنون التشكيلية».

فيما أشار الفنان أصغر إسماعيل أكبر إلى أن مفيز شاهد على عصره، وهو أحد أنشط أبناء الساحة التشكيلية، حمل همومها وتطلعاتها. إذ كان شاهدا ومعاصرا على عصره، عرفته بأخلاقه وبساطة روحه لكن قسوة الزمن والقدر لا يفرق ولا يميز، كان الأستاذ والصديق الحميم عبداللطيف مفيز، عضوا وفنانا مؤسسا في الحركة المسرحية لأسرة هواة الفن آنذاك وثم جمعية البحرين للفنون التشكيلية، شارك في عدة فعاليات وندوات كان فيها رائدا ومعلما مخلصا لمبادئه.

العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً