العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ

الحكايات الشعبية في البحرين

«صراع الأخيار و الأشرار والنهايات السعيدة للأحداث» (1 - 4)

تعتبر الحكاية من أهم عناصر المأثور الشعبي، وهي اليوم محط اهتمام باحثي علم الفلكلور نظرا لثراء مادتها وارتباطها بالقيم الفنية والجمالية التي يعكسها الوجدان الشعبي والإبداع الجمعي. فمن خلال الحكاية الشعبية استطاع الإنسان أن ينقل كل تصوراته ومعتقداته وعاداته وتجاربه وخبراته في الحياة، ويقدمها في أسلوب وبناء قصصي محكمين. من هذا المنطلق نجد أن الحكاية الشعبية تستوعب ملامح المأثور الشعبي أكثر مما تستوعبه المرويَّات التراثية الأخرى. ونتيجة لسهولتها اللغوية وبساطتها من ناحية الشكل والأسلوب فقد تم انتشارها على نطاق واسع وانتقالها بحرية من شخصٍ إلى آخر ومن جيلٍ إلى جيل عن طريق الرواية الشفوية. «فالحكاية تُسمعْ، ثم تُكرر بقدر ما تعيها الذاكرة، وقد يضيف إليها الراوي الجديد شيئا أو يحذف منها. وقد تروى مرة أخرى كما هي دون حذفٍ أو إضافة، وإن أصابها بعض التغيير في تأخير بعض الفقرات. وقد تدوَّن هذه المرويَّات ويتناقلها بعض الناس عن طريق الكتابة أو القراءة» كما حدث بالنسبة للكثير من النصوص الأدبية مثل: «ألف ليلة وليلة» و «كليلة ودمنة». ولاتزال الحكايات الشعبية تحكى إلى اليوم وإن تراجعت بعض الشيء أمام أشكال قصصية فرضتها طبيعة الحياة المتطورة، إلا أن هناك الكثير من الناس ما يزالون يرددون هذه الحكايات ويجدون متعة وتسلية في روايتها. مما يدل على أن هذا النوع الأدبي الضارب في أعماق التاريخ لا يزال باقيا في ذاكرة الشعب ومؤثراَ في الحياة الثقافية الشعبية. ولهذه الأسباب كلها لا بد من أن يجمع ويُصنّف ويُدرّس وفقا للأساليب والمناهج العلمية في الدراسة والتحليل.


جمع الحكايات الشعبية في البحرين

أ - الجمع الفردي:

قامت عملية جمع الحكايات الشعبية في البحرين على الجهد الذاتي والاهتمام الفردي من قبل مجموعة من الهواة ومحبي الثقافة الشعبية. وقد جاءت الجهود المبذولة متزامنة مع الاهتمام بباقي عناصر المأثور الشعبي، مثل تجميع الأشعار والمواويل والألغاز والأمثال والألعاب الشعبية والحرف والصناعات التقليدية، وكثير من العادات والتقاليد المخزونة في الذاكرة الشعبية. وقد نشرت تلك التجميعات في كتب ودراسات تراثية. ويعتبر كتاب «من تراث البحرين الشعبي» من أهم الكتب التراثية التي صدرت في بداية السبعينيات، وهو تأليف كريم العريض وصلاح المدني. كما صدرت في الفترة نفسها مجموعة من المؤلفات التراثية للباحث راشـد العريفي وهي «فنون بحرينية» و «العمارة البحرينية» و «آفاق دلمونية» و»الألعاب الشعبية» و»الأشياء التراثية». كما اهتم الباحث محمد علي الناصري بتقديم مادة تراثية غنية عن الريف البحريني، وأصدر عددا من الكتب القيمة نذكر منها «الجلوات: أناشيد الناس في حفلات الأعراس» (1986) وكتاب «الجلوات: أغاريد الأنس في حفلات العرس» (1987) وكتاب «من تراث شعب البحرين» (1990) . أما النصيب الأوفر من النشر فكان من حظ الأمثال الشعبية، فقد صدر في مجال الأمثال الشعبية عدد كبير من الكتب مقارنة بغيره من التخصصات التراثية، ويعود ذلك لأهمية المثل في الحياة الشعبية في البحرين، ولسهولة حفظه وتداوله بين الناس بشكل واسع . وقد صدرت كتب عن الأمثال الشعبية من قبل الكثير من الباحثين، نذكر منهم الباحث جاسم العبدالله الذي أصدر كتاب «من أمثالنا الشعبية» (1984) وكتاب «مثل ومعنى» للباحثة فاطمة السليطي (1989). وكتاب «الأمثال الشعبية البحرينية» (1989) وهو من إصدار وزارة الإعلام. هذا بالإضافة إلى كتاب «الأمثال البحرينية - النظرية والتطبيق» للباحث صلاح المدني (1990). وبقدر الاهتمام الكبير بجمع وإصدار كتب الأمثال الشعبية وغيرها من الكتب المتصلة بالثقافة الشعبية، إلا أن الكتب الخاصة بالحكايات الشعبية لم تكن بتلك الوفرة، واقتصر الإصدار على نفر قليل من الباحثين نذكر منهم الباحث إبراهيم بشمي الذي أصدر كتاب «حكايات شعبية» (1986). وهو عبارة عن مجموعة من الحكايات الشعبية تم تجميعها من مختلف مناطق البحرين وأعيدت صياغتها لكي تتناسب مع مستويات الأطفال من الناحية التعبيرية واللغوية.

كما أصدرت الباحثة أنيسة فخرو كتاب «حزاوي أمي شيخة» في العام 2005، وهو يحتوي على أربعة أجزاء، كل جزء يضم 25 قصة وحكاية شعبية . قامت الباحثة بتجميع تلك الحكايات من قبل جدتها شيخة (1917 - 1999)، ويعتبر هذا الكتاب بأجزائه الأربعة، والذي يضم 100 حكاية موزعة بين الحكايات الخرافية والحكاية الشعبية وقصص الحيوان والجان والقصص المرحة - هو الجزء الأكبر في عملية تجميع الحكايات الشعبية، وقد عمدت الباحثة في إعادة الصياغة اللغوية لتلك الحكايات بحيث تتناسب مع روح العصر، ويستطيع أي باحث في متابعة القراءة والاستمتاع بمضامين القص الشعبي، كما وضعت الشروح اللغوية لكل المفردات الشعبية والكلمات المستعصية على الفهم.

كما قام الباحث يوسف النشابة بإصدار سلسلة الحكايات الشعبية (2008). اشتملت على أربعة أجزاء، كل جزء يحتوي على خمس حكايات شعبية، قام بجمعها وإعادة صياغتها من مختلف مدن وقرى البحرين . وقد اجتهد الباحث في اختيار نوعية محددة من القصص التي يتوافر فيها الشروط الفنية للقصص الشعبية، مثل تتابع وتنامي الأحداث، ووضوح الأفكار وجزالة الأسلوب، وجمالية العرض والمحتوى. من هذا المنطلق اختار الباحث القصص الشعبية ذات المنحى التعليمي والتثقيفي.

أما الباحث عبد العزيز صويلح، فقد اتخذ مسارا آخر في توثيق الحكايات الشعبية، هذا المسار هو الأقرب إلى السير الشعبية وإعادة كتابة الأحداث التي مرت بها البحرين من منظور قصصي. وقد أصدر كتابه المعنون «ديج الفريج»، وهو عبارة عن مجموعة قصصية مستوحاة من الموروث الشعبي البحريني، وذك في العام 2007 . ويضم هذا الكتاب بين دفتيه تسـع قصص، تميزت بامتزاج الأحداث الواقعية مع الخيال الرحب، وغرابة وطرافة الأحداث التاريخية التي مرت بها البحرين في السنوات الأخيرة الماضية.

ب - الجمع الرسمي

لم يبدأ الجمع المنظم للحكاية الشعبية إلا مع بداية فترة الثمانينيات، عندما قامت وزارة الإعلام متمثلة في إدارة المتاحف والتراث بتدريب مجموعة من الباحثين الميدانيين وإقامة دورات متخصصة لهم في داخل البحرين وخارجها. وقد أسفر هذا الاهتمام عن تكوين فريق عمل متخصص في جمع وتدوين المأثورات الشعبية. وقد عهد إلى هذا الفريق جمع الحكايات والقصص الشعبية وذلك في العام 1983، وعليه أصبح الاهتمام جادا بالتفتيش عن الرواة وحفظة الفلكلور وحصر مناطق تواجدهم في مختلف قرى ومدن البحرين.

وفي العام 1986 بدأت عملية الجمع الثانية للحكايات الشعبية بالتعاون مع مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي، بإشراف بروين نوري رئيس وحدة الأدب الشعبي، التي قادت بدورها فريق الجمع الميداني. وقد شمل الجمع مناطق كثيرة في البحرين بعد الإفادة من الخطوات التمهيدية والزيارات المسبقة التي قام بها قسم الدراسات والبحوث في مراحل الجمع الأولى. وقد تم تقسيم فريق الجمع الميداني إلى ثلاثة أفرقة، مهمة الفريق الأول تسجيل الحكايات الشعبية من أفواه الرواة، ومهمة الفريق الثاني تفريغ الحكايات المجمعة من أشرطة الكاسيت، أما الفريق الثالث فكانت مهمته هي إعادة صياغة الحكايات الشعبية وتشذيبها من كثير من المفردات العامية غير المفهومة أو التي تتجاوز حد المسموح به في النشر والتداول.

العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً