العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ

أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن (9)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

استمر توتر الأوضاع في الشارع البحريني، أما داخل المعتقل فقد كان يجري حوار حول إبرام صفقة بين الجهاز الأمني ممثلا بمسئولي وضباط وزارة الداخلية والمخابرات وبين قيادات التيار الإسلامي الشيعي المعتقلين فيما سمي لاحقا بالمبادرة، وقد استمر الحوار داخل المعتقل من أبريل/ نيسان إلى أغسطس/ آب 1995. دخل شهر أغسطس 1995 لتتبدى واضحة نتائج الحوار والاتفاق الذي أبرم داخل المعتقل بين القيادات الدينية الشيعية وبين الجهاز الأمني بوزارة الداخلية. أعلن الاتفاق في 14 أغسطس 1995 ويتلخص في: يطلق سراح الرموز الدينية ومجموعات من المعتقلين على خلفية الأحداث على دفعات، ويتولى الرموز المطلق سراحهم تهدئة الشارع، ويؤجل طرح المطالب السياسية إلى ما بعد عودة الهدوء والاستقرار إلى البلاد.

جرى الحوار داخل المعتقل طوال خمسة أشهر دون أن تحاط لجنة العريضة الشعبية المتصدرة للحراك المطلبي بأي علم بما كان يجري وراء القضبان، وقد تفاجأ أعضاء اللجنة بما جرى من اتفاق وما تمخض عنه من إطلاق سراح الرموز الدينية والمعتقلين خلال شهري أغسطس وسبتمبر. وقد شكّل صيف العام 1995 مرحلة انعطاف في مسيرة عمل لجنة العريضة عن خط الحراك الوطني الواحد الموحد.

القيادات الإسلامية التي أطلق سراحها بدأت محاولات تهدئة الشارع وأخذوا يقدمون أنفسهم باسم «لجنة المبادرة»، مما أشعر أعضاء التيار الوطني الديمقراطي في لجنة العريضة الشعبية بخطر تحول مسار الحراك المطلبي عن منحاه الوطني الجامع. وقد بذل باقي أعضاء اللجنة جهودا كثيرة للاتصال والحديث مع الرموز الدينية بهدف إيضاح نوايا السلطة وحقيقة المطب الذي أوقعت فيه ممثلي التيار الإسلامي الشيعي.

يقول أحمد الشملان: «التقيت مع الشيخ عبدالأمير الجمري بعد الإفراج عنه، وتحدثت معه عن خطأ عقد اتفاق داخل المعتقل بين سجين وسجان، وعن خطورة المنحى الانعزالي الذي أصبحوا ينتهجونه بعد الإفراج عنهم بعيدا عن لجنة العريضة الشعبية وباسم «لجنة المبادرة». اتجهتُ لاتخاذ موقف يُظهر اعتراضي على هذا النهج الخطر الذي يؤثر سلبا على وحدة الحركة الوطنية، رغم ذلك لم تتأثر علاقتي وصداقتي الحميمة مع الشيخ الجمري ولم ينقطع التواصل بيننا. من جانب آخر وفي اجتماع للجنة العريضة حضره عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع، أبديت وجهة نظر تعارض بوضوح وبشدة الاتفاق الذي تم في المعتقل وما تمخض عنه من نتائج تمثلت في قيام ما سمي بلجنة المبادرة، وقلت لهما بأنهم حين يتنقلون بين المناطق لمنع التحرك في مدرسة هنا أو لوقف تحرك مظاهرة هناك فكأنهم يؤدون مهام وزارة الداخلية، وذلك لا يليق برموز وطنية تقود الشعب في حراكه للمطالبة بحقوقه السياسية. وأبديت لهما تحفظي على نقل القيادة إلى ما سمي بلجنة المبادرة وذلك عمليا يضعف ويجهض لجنة العريضة التي تمثل الوحدة الوطنية، كما طرحت النقاط ذاتها على الشيخ عبدالأمير الجمري ولأكثر من مرة».

ونتيجة لسياسات السلطة التي أفرغت المبادرة من محتواها واحتجاجا على ممارساتها المجافية لروح الاتفاق أعلن أصحاب المبادرة اعتصامهم وإضرابهم عن الطعام بدءا من تاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1995. في اليوم التالي لإعلان الإضراب عقدت لجنة العريضة اجتماعا في مكتب المحامي الشملان واتخذت قرارا - على رغم تحفظها على المبادرة - بزيارة المعتصمين المضربين وتقديم الدعم المعنوي لهم.

شارك أحمد الشملان زملاؤه في لجنة العريضة في أكثر من زيارة للمعتصمين في الوقت الذي كان فيه رافضا رفضا تاما للاتفاق الذي جرى في المعتقل، وكان الشملان أكثر أعضاء لجنة العريضة تحفظا على قيام لجنة المبادرة، لكنه قام بزيارات للمعتصمين المضربين عن الطعام دعما لصمود اعتصامهم وإضرابهم عن الطعام بعد اكتشافهم الخديعة التي أُوقعوا فيها، وأملا في عودتهم للعمل تحت مظلة لجنة العريضة الشعبية.

في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 أنهى أصحاب المبادرة اعتصامهم وإضرابهم في مهرجان كبير أقيم في بني جمرة ألقى فيه المضربون بيانا شرحوا فيه للحشود التي حضرت تفاصيل الاتفاق مع السلطة داخل المعتقل، وكيف أخلّت السلطة ببنود الاتفاق. وقد وُجهت دعوة لأعضاء لجنة العريضة لحضور المهرجان فوافقوا على الحضور، لكن أحمد الشملان عارض حضور المهرجان مثلما عارض من قبل قيام ما سمي بلجنة المبادرة.

أوضح الشملان أسباب عدم حضوره المهرجان بقوله: «لم أكن الوحيد الذي لم يحضر المهرجان فلم يحضره من أعضاء اللجنة محمد جابر صباح وهشام الشهابي والشيخ عبداللطيف المحمود ولا أعرف أسبابهم في ذلك، أما أسباب عدم حضوري فكانت انقطاع الأخوة أعضاء لجنة العريضة من أصحاب المبادرة عنا وتوقفهم عن التنسيق معنا في لجنة العريضة الشعبية. لقد أيدناهم في الاعتصام والإضراب كونه احتجاجا منهم على السلطة التي أخلّت بالاتفاق معهم. لكن أن يوقفوا التحرك تحت مظلة لجنة العريضة وهي اللجنة الأساس في مسار الحركة المطلبية آنذاك، وألا يكون للجنة العريضة صوت أو كلمة في مهرجان خطابي جماهيري دعيت إليه مثلها مثل أي مدعو عادي، ذلك عزز شعوري حينها بخطر يهدد الحراك الوطني العام الذي جمعنا في عمل نضالي موحد؛ بل شعرت بوجود مؤشرات مقلقة تشي بالانحراف عن الوحدة الوطنية والتقوقع في حدود طائفية ضيقة، لهذه الأسباب اتخذت قرارا بعدم الحضور كتعبير عن موقف رافض لما يجري».

كل الإمكانيات من أجل القضية المطلبية:

جنّد أحمد الشملان كافة إمكانياته الشخصية وإمكانيات مكتبه للمحاماة لخدمة القضية الوطنية المطلبية التي كانت تتصدرها لجنة العريضة الشعبية والتي كان الشملان ضمن أنشط أعضائها، وقد ذكر أكثر من عضو من أعضاء لجنة العريضة أنه إلى جانب دوره في صوغ العريضة تولى الشملان - في الغالب - صوغ رسائل اللجنة الموجهة للجهات الرسمية والأهلية في داخل البحرين وخارجها. قال الشيخ عيسى الجودر: «كان أحمد الشملان يصوغ الرسائل التي تصدر باسم اللجنة وكانت تطبع في مكتبه».

كما هيّأ الشملان مكتبه لاحتواء العديد من اجتماعات لجنة العريضة الشعبية، قال الشيخ عيسى الجودر: «كانت الاجتماعات الاستثنائية تعقد دائما في مكتب أحمد الشملان». وقال عبدالوهاب حسين: «كان أحمد الشملان يحتضن الكثير من اجتماعات اللجنة في بيته ومكتبه في ذلك الوقت العصيب؛ إذ كان احتضان هذا النوع من الاجتماعات في مرحلة القمع في ظل قانون أمن الدولة، يحتاج إلى شجاعة كبيرة واستعداد للتضحية».

وبعد عودة رجال المبادرة إلى لجنة العريضة عملت المباحث على إحكام الرقابة على تحركات أعضاء لجنة العريضة ومراقبة منازلهم ومكتب المحامي أحمد الشملان خصوصا.

ووضع الشملان معدات وأجهزة مكتبه رهنا لاحتياجات لجنة العريضة، وشكل المكتب مركزا إعلاميا للجنة العريضة الشعبية لاستلام المراسلات الموجهة للجنة من الداخل أو الخارج وإرسال رسائل وبيانات اللجنة. فكانت تطبع في المكتب وثائق ورسائل اللجنة وترسل من المكتب سواء تلك الموجهة للقيادة في الداخل أو للقوى السياسية والمنظمات الإقليمية والعربية والعالمية خارج البحرين.

قال سعيد العسبول: «أكثر البيانات التي أصدرتها اللجنة خرجت من مكتب أحمد الشملان».

ومنذ فترات اعتقاله في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم واعتقاله الطويل في الثمانينيات الفائتة وبفضل حملات التضامن التي دعمت القابعين في معتقلات البحرين حقق أحمد الشملان شهرة على صعيد الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان العالمية كمناضل وطني. ومع انخراطه في الحراك السياسي في مرحلة التسعينيات حقق الشملان مزيدا من الشهرة على صعيد أكثر من منظمة عالمية كناشط سياسي وصاحب رأي ومحام مدافع عن حقوق الإنسان.

وقد سعى الشملان لتوظيف شهرته لصالح النضال المطلبي الذي خاضه مع زملائه في لجنة العريضة الشعبية، وبناء على ذلك توجه ممثلو الهيئات والمنظمات العالمية ووكالات الأنباء إليه للوقوف على واقع الوضع في البحرين وتطوراته.

استقبل الشملان الوفود الصحافية وممثلي المنظمات الحقوقية والباحثين والتقى بهم في مكتبه وخارج مكتبه. يقول منصور الجمري: «من الأدوار المهمة التي قام بها أحمد الشملان وهناك كثيرون لا يعرفونها هي أنه كان يلتقي بوفود حقوق الإنسان وبالصحافيين الذين كانوا يأتون خفية إلى البحرين، كان الشملان بالنسبة لهم مصدرا للمعلومات الموثوقة. أن تكون المعارضة في الخارج، وأن تقول ما تقوله هذا شيء، لكن أن تأتي المعلومات من الداخل وتوثق بأسلوب قانوني وعلمي فهذا شيء آخر، وكثير من المقابلات التي جرت مع الشملان وُثقت من قبل منظمات حقوقية كبيرة على أنها وثيقة معتمدة. ممثلو منظمة «هيومن رايتس ووتش» التقوا به، وضمّنوا معلوماته كتابهم الذي صدر في 107 صفحات في يوليو/ تموز 1997، جاء «جو ستورك» والتقى بالشملان وأخذ منه مصادره الرئيسة في هذا الكتاب الذي عمل هزة كبيرة».

وعدا عن اللقاءات وجها لوجه مع ممثلي منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأنباء كان أحمد الشملان على اتصال عبر تبادل الرسائل «بالفاكس» مع عدد من أبرز الناشطين الأجانب في مجال حقوق الإنسان من المتابعين للحالة البحرينية خلال الأعوام 1994 إلى 1996 ونخص بالذكر هنا عضو مجلس اللوردات بالمملكة المتحدة اللورد «ايريك ايفبوري»، إضافة لذلك جرت مراسلات بين الشملان وكل من «جو ستورك» نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وإفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» و»روبرت ويلكنسن» عضو المجموعة البرلمانية البريطانية لحقوق الإنسان ونجلا سماكيا من منظمة العفو الدولية، كما يرد ذكره في سياق السيرة.

واهتم الشملان بالدور الكبير للإعلام في دعم القضية الوطنية والمطلبية البحرينية، ولم يتوان عن طرق كافة الأبواب الإعلامية من اتصال بمحطات إذاعية كمحطة الإذاعة البريطانية «البي بي سي» وبلجان حقوق الإنسان وبوكالات الأنباء كوكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس»، وبالشخصيات الإعلامية والعالمية، لقد سعى لاستثمار علاقاته وصداقاته كافة للترويج للقضية.

وفي ظل محدودية انتشار الاتصالات عبر شبكة الاتصال الدولية «الإنترنت» في ذلك الوقت وظف الشملان وسائل الاتصال المتاحة كافة من هاتف و»فاكس» في الترويج للعريضة الشعبية وللحركة المطلبية، وأجمع من تحدثت معهم ممن عايشوا الشملان على أن ما تميز به من جرأة وجسارة كان هو العامل الحاسم في تفعيله الإيجابي لتلك الوسائل.

يقول عبدالوهاب حسين: «ارتبط اسم أحمد الشملان بمواقف ذات جرأة وشجاعة، وكان يعلن عن مواقفه في لقاءاته الصحافية مع إذاعة لندن ومونت كارلو وطهران وغيرها، فلم يكن يعمل تحت الستار، ولم يحجب آراءه ومواقفه كغيره بين صفوف النخبة والأخدان، وإنما كان يعمل في الفضاء المفتوح، ويفصح عن آرائه في الصحف والإذاعات من خلال المقالات والمقابلات الصحافية. كانت له مواقف شجاعة ومتميزة في دعم الانتفاضة الشعبية، انتفاضة الكرامة المباركة، وهذه الميزة لم تكن لدى الكثير من الأشخاص؛ إذ كان الكثير من الأشخاص مستعدون للكلام بين الجدران المغلقة في صفوف الأصدقاء والأخدان، ولكنهم غير مستعدين لدفع الثمن بالإفصاح عن آرائهم للرأي العام وفي وسائل الإعلام، ما كان يشكل نوعا من الخذلان للقضايا الوطنية في تلك الأوقات العصيبة، بخلاف الأخ المناضل أحمد الشملان، الذي كان يصدع بآرائه في وسائل الإعلام ويحرص على وصولها إلى الرأي العام في الداخل والخارج، فكان يفصح عن آرائه في عموده الصحافي الذي يكتبه في إحدى الصحف المحلية بعنوان «أجراس» إن لم تخني الذاكرة، وفي وسائل الإعلام الأجنبية من خلال المقابلات الصحافية مع الإذاعات والصحف ومحطات التلفزة».

وحدثني صادق الجمري بشأن انطباعه عن تصريحات الشملان فقال: «اليوم تجدين الكل يتجرأ ويتكلم بينما في التسعينيات لم يكن يجرؤ على الكلام سواه، كان أحمد الشملان يتكلم بشجاعة ملفتة من إذاعة لندن. ومما يميز الشملان أن لسانه كان لبقا، ليس بحديثه ما يمس القيادة السياسية أو الأسرة الحاكمة، كان كلامه في منتهى الاحترام، مازلت أذكر كلامه وكيف كان جريئا وفي الوقت ذاته تنطوي كلماته على احترام الطرف الثاني. وكانت إذاعة طهران تنقل تصريحاته عن وكالة الأنباء الفرنسية، هذه أذكرها أكثر من مرة، كانت الوكالة الأكثر دقة عن أحداث البحرين هي الوكالة الفرنسية، كانوا يأخذون من الشملان تصريحات وتبثها عنهم إذاعات لندن وطهران ومونت كارلو».

العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً