العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ

ثقافة النخلة

النخلة ربما تكون الشجرة الوحيدة في منطقتنا التي صنفت فيها الكتب والموسوعات وأفردت معاجم خاصة بها، وذلك لأنها ارتبطت ارتباطا كبيرا بالشعوب منذ قديم الزمان، هي الشجرة الوحيدة التي يجب أن تخدم بالطريقة الصحيحة لكي يتمكن الفرد من الاستفادة منها، بقدر ما يخدمها الفرد تعطيه. لا نعلم بالتحديد منذ متى قدست النخلة من قبل الشعوب التي سكنت الخليج العربي إلا أننا نستطيع الجزم أنها كانت مقدسة، فنلاحظ كيف نقشت النخلة على الأختام الدلمونية ونلاحظ اسمها يتكرر في الأساطير السومرية، يقول مايكل رايس (رايس 2002م) إنه وفق تقاليد سومر فإن النخلة قد جلبت إلى أرضهم من الخليج للإكثار منها وقد نظر السومريون إليها باحترام نظرا لجدب أرضهم وقد اعتبروها صهر النحاس إلا أن النخلة كانت الفائقة في تقديرهم إذ كانت مكرمة في الشعائر والأساطير. ففي ترنيمة للآلهة ننسينا تعلن فيها عراقة مدينتها أيسين فهي أقدم حتى من دلمون فتقول «بيتي وجد قبل دلمون وكان طرازه من شجر النخيل».


«كانوا يدللون ملوكهم كما تدلل نخيل دلمون»

لم تكن النخلة مقدسة فقط كرمز بل كانت النخلة نفسها تقدس وتدلل كونها الشجرة الوحيدة التي تخدم بعناية فحتى التكاثر في النخيل يفضل أن يقوم به الإنسان حتى يكون المحصول مضمونا ووافرا، وربما كان منظر خدمة النخيل ورعايتها في دلمون مألوفا وهكذا خرج لنا هذا المثل السومري «كانوا يدللون ملوكهم كما تدلل نخيل دلمون» الذي يصور لنا كيف كان الدلمونيون يقدسون النخيل حتى أن كل نخلة كانت تدلل أي تعامل بصورة خاصة حتى ضرب بها المثل في كثرة التدليل وهناك قصائد سومرية يظهر لنا فيها هذا المثل جليا فهذا هو الملك شلجي الذي حكم سومر بين (2094 ق. م.- 2047 ق. م.) يسطر قصيدة يمدح فيها نفسه فيأتي في سياق الوصف: «أنت مدلل من قبل ناينيجالا كنخلة في أرض دلمون المقدسة».


الشجرة المقدسة عند الآشوريين

تم العثور على العديد من النقوشات التي تمثل شجرة مقدسة عند الآشوريين وقد أطلق عليها اسم «الشجرة المقدسة عند الآشوريين» ومن بين الرموز العديدة يبدو أن هذه الشجرة هي الأكثر نقاشا عند المؤرخين فعلى مدى أكثر من 150 عاما تم نقاش هذه الشجرة أو الرمز. في عام 2004م قدمت ماريانا جيوفينو أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه والتي نشرت في عام 2007م في صورة كتاب (Giovino 2007). وقد ناقشت الباحثة جميع المراجع ما بين الأعوام (1849م - 2004م) التي درست ماهية هذه الشجرة المقدسة وقد تبين أن هناك ثلاثة آراء حولها والرأي الأكثر رواجا بين الباحثين هو أن هذه الشجرة هي النخلة, وأن بعض النقوشات التي عثر عليها توضح آلهة تقدس النخلة أو آلهة تقوم بعملية التلقيح الصناعي للنخلة.


تشريع القوانين للاهتمام بالنخيل

إن وجود قوانين تحث على الاهتمام بالنخيل يعتبر منطقيا وذلك لأنها شجرة مقدسة ومدللة فنقرأ في قائمة قوانين حمورابي القانونين رقم 64 و65 إذ يرجح غالبية المترجمين على أنها تنص على إجبار ضامن الأرض على الاعتناء بالنخيل وتلقيحها، وقد توارث شعب البحرين منذ القدم قوانين منظمة للري وزراعة النخيل وقد كان المزارعون في قرى البحرين المختلفة تطبقه حتى تم جمع مواد القانون ونشرها تحت مسمى قانون مياه النخيل الذي ناقشناه في فصل سابق، وتنص إحدى تلك القوانين وهو القانون رقم 20:

«شروط التلقيح وهو قطع الكرب اليابس على الضامن قطعه في أحد وقتين الأول بعد جمار النخيل بعد النبات ويجب على الضامن أن يترك دورا واحدا يابسا عن ضرر النخيل وفي الوقت الثاني في أول بشرة الرطب على أن يترك دورين أو ثلاثة وإذا ترك الضامن التلقيح في الوقتين المذكورين فللمالك الحق أن يؤجر على التلقيح وقطع الكرب اليابس من النخيل ويحسب المصرف على الضامن لأنه ملزوم به كشرط أساسي إلا إذا سمح عنه المالك».


قطع النخيل بمثابة تدمير للحضارة

على مر العصور لم يكن الشخص الذي يقطع نخلة متعمدا لينجو من العقاب فنقرأ في لائحة قوانين حمورابي القانون رقم 59 الذي يجبر الشخص الذي يقطع نخلة بدفع غرامة. وفي قانون شعب البحرين القديم الذي توارثه أهل قراها فإن القانون يعاقب على قطع «سعفة» واحدة إما بالحبس أو الغرامة ونجد التفصيل في القانون رقم 21:

«شروط قطع السعف اليابس يكون في أول طلوع الثريا أي وقت ابتداء موسم البارح وإذا سمح المالك بقطعه قبل ذلك فلا بأس على أن يقطع اليابس فقط ويترك الأخضر والوقت الثاني في نفاض إثمار النخيل فللضامن الحق في قطع السعف اليابس فقط وإذا تعدى وقطع سعفا أخضر يعاقب الضامن على قدر جرمه إما بحبس أو غرامة بحسب ما تراه المحكمة».

أما في حال سقوط نخلة فالقضية ليست بالسهلة فيجب أن تشكل لجنة تحقيق لتتقصى الحقائق ليتم التأكد هل سقطت النخلة من جراء نفسها؟ أي أن موتها طبيعي أو أنها قتلت أي اجتثت من أرضها وهي مازالت على قيد الحياة، هذا ما ينص عليه القانون رقم 22 من قانون مياه النخيل البحراني:

«النخلة الساقطة والميتة ليس للضامن فيها حق التصرف إلا بعد كشف المالك أو من يقوم مقامه وإذا عمل بخلاف ذلك فهو مسئول للمالك عن ثمن النخلة في ما لو كانت حية تثمر وإذا تعمد المالك عدم الحضور فللضامن حق التصرف»

النخلة كانت ثروة لا تقدر بثمن في الحضارات القديمة التي قامت في منطقتنا وبسقوطها تسقط الحضارة وهذا كلام غير مبالغ فيه، ويؤكد ذلك دانيال بوتس (Potts 2002) في كتابه عن النخلة إذ يستشهد بما وثق عن الملك الآشوري سرجون الثاني (721 ق. م. - 705 ق. م.) فبعد عودته منتصرا من حملة شنها على المناطق الجنوبية الغربية من إيران قال مفتخرا «قطعت نخيلهم التي يعتمدون عليها، ثروة منطقتهم»


أجزاء النخلة

هناك كم كبير من الأسماء التي تخص النخلة ولكل اسم عدد كبير أيضا من المترادفات ومعاجم اللغة تزخر بها ومن تلك المترادفات الأسماء المستخدمة في البحرين وشرق الجزيرة العربية خصوصا والخليج عموما وقد استخدمت هنا الأسماء العربية القريبة من لهجتنا وتركت الغريب منها، وقد اعتمدت في إثبات المصطلحات على كتاب النخلة للسجستاني (المتوفى 869م) والمخصص لابن سيده ولسان العرب لابن منظور.

1 - الجذع

الجذع أسطواني مستقيم لا يتفرع ويكون عادة ذا سمك واحد، وفي نهاية الجذع توجد أوراق خضراء وهي السعف والتي عادة ما تقطع بعد يباسها ولكن تبقى قواعد تلك السعف أي الكرب محيطة بالجذع ما يعطي الجذع الشكل المدرج. وعادة ما ينتهي الجذع ببرعم ضخم مستدير وهو منطقة نمو النخلة وهي التي تحتوي على الجذب (تسميه العامة الجدب). وتكون القمة مغلفة بالليف والذي يعمل بمثابة عازل يحمي القمة من تقلبات الجو.

2 - السعف

السعفة عبارة عن ورقة مركبة تتكون من قاعدة عريضة تسمى (كربة) وساق طويلة تسمى (جريدة) تنمو عليها وريقات تسمى (خوص) والمفرد (خوصة)، وينمو الخوص من قاعدة السعفة حتى نهايتها إلا أن الخوص الذي في قاعدة السعفة يكون صلبا ومدببا على شكل أشواك يسمى (السلاء) ومفردها (سلاءة) إلا أن العامة تسميه (سِلّا) والمفرد (سِلّاية). ويسمى الجزء السفلي من السعفة (بالقذف) وتسميه العامة (الگدف) أو (الگادوف)، ويطلق الاسم الأخير على السعفة كاملة أي من القاعدة حتى قمتها عندما يجرد عنها الخوص. والسعفة في بداية تكوينها تعرف محليا باسم (السِفّانة) وهي تؤكل من قبل البعض.

3 - الفسيلة والراكوب

تتكاثر النخلة خضريا وذلك بتكوين نخلة جديدة من أحد البراعم الطرفية التي تنمو بها، وهناك نوعان من النخيل الجديدة التي تتكون، الأول ويتكون من برعم طرفي قريب من قاعدة النخلة الأم وهو الأجود للتكاثر ويسمى الفسيلة الأرضية، وقد ينمو برعم أبطي وهو برعم يوجد في إبط السعفة أي عند الكربة من الداخل وينمو هذا البرعم ليصبح نخلة، وتكون مرتفعة عن قاعدة النخلة وهذا يسمى (راكوب) وتسميه العامة (الكاروب) وهو لا يصلح للإكثار. جاء في المخصص لابن سيده عن (الراكوب) :

«فإذا كانت الفسيلة في الجذع ولم تكن مستأرضة - أي متمكنة فهي خسيس النخل ويسمى الراكب، أبو حنيفة هي الراكوب والركوب واللاحقة ولا خير فيها، والركابة - الفسيلة تخرج في أعلى النخلة عند قمتها وربما خرجت في أصلها وإذا قلعت كان أفضل لأمها».

والحديث ذاته يروى عند العامة عن (الكاروب)، يقول الشايب (الشايب 2004م) في كتابه عن الأمثال المرتبطة بالنخلة في الإحساء في شرح المثل الشعبي «أگول له كاروب يگول فسيلة»:

«الكاروب هو ما ينمو من خلال جذع النخلة ولا يصلح أن يزرع أو يكون نخلة وبقاؤه يضر النخلة بينما الفسيلة تظهر من عند جذر النخلة».

4 - الأزهار

الأزهار هي أعضاء التكاثر في النخلة وهناك زهور مذكرة تسميها العامة (نبات) وبالعربية الفصحى تسمى (السَّف) وأخرى مؤنثة تسمى (الطلع) إذ إن النخيل ثنائية المسكن أي أن أعضاء التذكير أو الزهور المذكرة توجد على نبته مختلفة عن التي تنمو عليها أعضاء التأنيث، وتسمى تلك التي تحمل الزهور المذكرة (فحال) وتسمى تلك التي تحمل الأزهار المؤنثة (نخلة). وتكون الأزهار سواء المذكرة أو المؤنثة محاطة بغلاف خارجي بصورة تامة، ويسمى هذا الغلاف (الكافور) أو (القفور) وتسميه العامة (گروف).

5 - العذق والثمار

العذق هو ذلك الجزء من النخلة الذي يحمل الثمار أي أنه أعضاء التأنيث في النخلة بعد أن تنضج. ويتكون العذق من العود أو الساق الذي يربط العذق بالنخلة ويسمى (عرجون)، ويرتبط بالعرجون زوائد تحمل الثمار تسمى (شماريخ). ويسمى الجزء العلوي من الثمرة الذي يربطها بالشمراخ (القمع) وتلفظه العامة (گمع).

أما الثمار فلها عدة مسميات بحسب مراحل النمو:

أ - الحبابو أو الحبمبو

تعرف أول مرحلة من تكون الثمرة باسم (الحبابو) أو (الحبابوك) أو (الحبمبو) إذ تكون الثمرة كروية الشكل تقريبا وخضراء اللون، وهذه تسمية محلية ولا أعرف ما يقابلها بالعربية الفصحى إلا أنه في كتب اللغة عادة ما يعمم الاسم (خلال) على (الحبابو) في نهاية مرحلته ودخوله للمرحلة الثانية التي تتميز بتغير في الشكل والحجم، وهذه الألفاظ العامية مشهورة في الخليج عموما، وخاصة البحرين وشرق الجزيرة العربية وشط العرب وقد ارتبطت هذه التسميات بمثل شعبي مشهور هو «بعد ما رطبت ردت حبابو» أي بعد أن نضجت وتحولت لرطب عادت لتبدأ دورة حياتها من جديد ويضرب عادة في الشيخ الذي يتصابى أو يتشبب.

في نهاية فترة الحبابو وبداية مرحلة الخلال تتعرض الثمار لعديد من الآفات والحشرات فيتساقط على الأرض ويرطب أي ينضج ويتغير لونه للبني المسود ويعرف حينها باسم (الخمال) ويتم جمع الخمال وأكله وأحيانا يتم نظم الحبابو في خيط على شاكلة عقد ويؤكل.

ب - الخلال

وهي المرحلة الثانية إذ تكبر الثمرة وتبدأ بالشكل الكروي ثم تتحول تدريجيا للشكل البيضاوي تقريبا، ويبقى لون الثمرة في هذه المرحلة أخضر. وقد يتساقط الخلال ويرطب ويسمى أيضا حينها (خمال) ويؤكل.

ج - البسرة

وهي مرحلة تلون الثمرة فتكتسب اللون إما الأصفر (كبسرة البرحي والبرحي) أو الأحمر (كبسرة المواجي والخنيزي) أو الأشهل أي الأحمر المصفر (كبسرة الأشهل والحلاو) أو الأبيض (كبسرة الحلاو الأبيض). وبعض أنواع البسر تؤكل قبل أن ترطب كالبرحي والخنيزي.

د - الرطب

عملية نضج البسر تسمى ترطيب فيقال رطبت البسرة أي نضجت فتصبح لينة ويتغير لونها للبني.

هـ - التمر

هي الثمرة عندما يتم نضجها فيتغير لونها للأسود وتفقد جزءا من رطوبتها فتصبح جافة أو شبه جافة.


النخلة الشيصاء

عندما لا يتم تلقيح النخلة أو لا تلقح بصورة جيدة تنمو الأزهار غير الملقحة لتتحول لثمرة لكنها لا تحتوي على بذور، وعادة ما تكون هناك ثلاث ثمرات ملتصقة في قمع واحد، تعرف حينها هذه الثمار باسم (الشيص) وهي تمر بمراحل الثمرة الطبيعية نفسها لكن طعمها ليس جيدا. وفي اللغة الفصحى يقال أشاصت أو شيصت النخلة أي أثمرت الشيص والعامة تقول (نخلة مشيصة) و(شيصت النخلة).

العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً