العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ

يحتفلون بالقدس عاصمة الثقافة على طريقة الفن العابر

أنس الشيخ ورفاقه من أقرب نقطة في البحرين إلى فلسطين (2)

كعادته دائما، يغط الفنان أنس الشيخ، في لجة عميقة ولا يعود إلا محملا بدرر مختلفة، كما هي اشتغالاته السابقة، ولا يكفيه أن ينفرد بالسر ويطمره في دفائن ذاته، أو يحتفظ به لنفسه، بل لا يقر له قرار إلا أن يعمل ضمن مجموعة يبوح لهم بالسر المكنون ويوزع الألق بينهم، ويدلهم على موضع النور الذي ربما لا يتراءى له إلا ضمن المجموع أو ربما هكذا يحمي ذاته ويسيّجها بسياجات أصدقاء يكتشفون الفن، ويصقلون الرؤية معه كما يشاء هو، أو يشاؤون هم، غواية أو هداية.

وهكذا يقف أنس هذه المرة مع أحد عشر فنانا، ربما شاركه بعضهم الألق سابقا، كما هو حال حسن الحايكي، ونور البستكي، وشذى الوادي، وبعضهم ربما يلتقيه لأول مرة في عمل مشترك، كما هي زهرة خميس، وحسين يوسف، وحورية منصور، وفيصل خلف، وسيد عدنان جلال، ومروة رستم، وفاطمة المهدي، وسعيد منصور.

ويسرد الشيخ فكرة المشروع والتي «هي عبارة عن تقديم تجارب فنية ذات مضامين متنوعة، تقامُ صباح كلِّ يوم جمعة، في أماكن مختلفةٍ من البحرين، ولمدة لا تتجاوز أربع ساعات، بحيث يتمُ إنجاز مجموعة من التجاربِ الفردية أو المشتركة، المرتبطة بتلك الأماكن. طبيعة هذه التجربة تعتبر مختلفة تعتمد على ما هو عابر وزائل وأدائي وتفاعلي وارتجالي ونقدي. ويتم توثيق المراحل المختلفة لكل التجارب في جميع الجولات».

ركزت الموضوعات الخمسة في عدة أماكن مفتوحة، خلال 11 أسبوعا تقريبا، (ما بين شهر فبراير/ شباط ويونيو/ حزيران 2009م) على البيئة بمفهومها الواسع، ومدى تأثيرها وانعكاسها على حياة الفرد والمجتمع، وعلى وعيهم بما يجري حولهم، وآثارها على حاضرهم ومستقبلهم.

هي تجارب متعددة ومتنوعة ومستقلة، منفتحة على جميع المجالات والاتجاهات والأفكار الفنية والعلمية والمعرفية، وخارجة عن أي تقييم لما أنجز من تجارب لأصحابها ، وبالطرق والأدوات والوسائط التي تسمح بالتوصيل ضمن إطار الفكرة ويهدفُ المشروع إلى تشجيع التعاون والتفكير المشترك ما بين أفراد المجموعة، من خلال فتح باب النقاشات والحوارات لخلق حالة من الوعي والتفاعل، واتخاذ المواقف المختلفة تجاه العديد من القضايا، والتعبير عنها عبر الممارسة الفنية.

المشروع الثالث

تحية

الجمعة: 8 مايو/ أيار 2009

المكان: ساحل بحري

المنطقة: قرية البديع

من أحد المشاريع التي طرحت من قبل اليونسكو في الدول العربية هو مشروع «عاصمة الثقافة العربية» حيث يتم سنويا اختيار إحدى الدول العربية لهذا المشروع.

وفي الدورة الحالية اختيرت مدينة القدس لتكون عاصمة للثقافة العربية للعام 2009. ولكن بسبب وجود مدينة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، فقد منعت السلطات الإسرائيلية إقامة البرامج والفعاليات المفترضة في مدينة القدس، ولم تسمح بإعطاء أي فرصة ممكنة لإبراز الوجه الإنساني والحضاري للشعب الفلسطيني ذي الثقافة العربية الإسلامية المسيحية وحقه في العيش على أرضه، والتعبير عن هويته وتراثه، وحقه في توجيه رسائل المحبة والسلام، ومدّ جسور التواصل مع كل دول العالم.

وبسبب منع الاحتفالات في مدينة القدس، انتقلت برامج وفعاليات تدشين هذه المناسبة إلى المدن الفلسطينية الأخرى. وقد تحركت جهودٌ فلسطينية وعربية عديدة من أجل إنجاح هذه المناسبة، من خلال إقامة فعاليات متنوعة على مدار السنة، في الدول العربية وغير العربية المتضامنة مع حقوق الشعب الفلسطيني، في وجوده وفي أرضه إلا إنها لم تحققْ الأهداف المرجوة منها.

وتضامنا من مجموعتنا مع حق مدينة القدس، في أن تكون عاصمة للثقافة العربية وأن تقام على أرضها الفعاليات الفنية والثقافية كافة، قمنا بتوجيه رسالة تحية وتقدير رمزية لمدينة القدس وللشعب الفلسطيني، من خلال إنجاز مجموعة من الأعمال الفنية على ساحل قرية البديع، شمال غرب البحرين، والتي تعتبر أقرب نقطة وأقصر مسافة تقريبا ما بين جزيرة البحرين وأرض فلسطين المحتلة.

المشروع الرابع

محطات النقل العام

الجمعة: 22 مايو/ أيار 2009

المكان: خط سير النقل العام ذهابا وإيابا (مدينة عيسى/ المنامة/ مدينة عيسى)

المنطقة: شمال البحرين

كان لمشروع «حكايا» والذي قدم في السوق الشعبي بمدينة عيسى الأهمية الكبيرة بالنسبة للمجموعة المشاركة في التجربة، لما لقيت تجربتهم من تفاعل وردود فعل مختلفة من قبل مرتادي السوق، ولذا شعرت المجموعة بأهمية مواصلة تقديم هذا النوع من التجارب، والتي تهدف إلى التواصل والتفاعل مع الناس، في أماكن تواجدهم وفي أماكن ممارستهم لحياتهم وأنشطتهم الطبيعية اليومية.

وبناء على هذا الشعور بأهمية هذا النوع من التجارب اقترحت زهرة خميس تقديم تجربة فنية في محطات النقل العام، عبر القيام برحلة ما بين المحطة المركزية في مدينة عيسى والمحطة المركزية في المنامة ذهابا وإيابا، والنزول خلال خط سيرنا في المحطات الفرعية، حيث يقوم كل مشارك في المشروع بعرض فكرته في تلك المحطات.

لأسباب عديدة اعتذر معظم أفراد المجموعة، عن المشاركة في هذا المشروع، إما بسبب حرارة الجو المرتفعة، أو بسبب ظروف خاصة. ولم يشارك في هذا المشروع سوى صاحبة الفكرة زهرة خميس وحسن الحايكي وأنس الشيخ. ورافقت المجموعة كذلك حورية منصور، حيث ساهمت معنا في توثيق هذه التجربة.

لم يكن هناك أي تنسيق أو اتفاق مسبق بيننا حول ماذا يمكن لكل فرد منا أن يقدم خلال التوقف في محطات النقل العام، ولكن عند التقائنا في نقطة التجمع في المحطة المركزية للنقل العام بمدينة عيسى اكتشفنا أن الأفكار الثلاث تلاقت وتكاملت بشكل عفوي ومن غير أي قصد.

استغرقت الرحلة في حدود الساعتين والنصف، حيث قام كل واحد منا بتنفيذ فكرته في كل محطة ننزل فيها. فكانت زهرة خميس تقوم بلصق عدد من الصور الفوتوغرافية المختلفة، التقطتها في فترات سابقة للناس وللعمال من مختلف الشرائح والجنسيات، سواء في أماكن انتظارهم في محطات النقل العام، أم في أماكن عملهم في الورش الصناعية، حيث يمكن للجالسين والواقفين عند محطة النقل العام مشاهدة وتأمل تلك الصور أثناء انتظار مجيء النقل العام. وكانت الغاية من عرض تلك الصور هي توصيل رسالة بأن هناك من يشاركهم ويشعر بهمومهم اليومية في مختلف الحالات والظروف.

أما حسن الحايكي فقد أحضر مرآة طويلة وكان يسندها على جدران المحطات المختلفة ليقوم الركاب أثناء الانتظار بتعديل هيئتهم أو تسريح شعرهم. وبسبب ارتفاع حرارة الجو فقد قام أنس الشيخ بإحضار مجموعة من علب المحارم الورقية ولصقها على جدران وأعمدة المحطات لاستخدامها من قبل الركاب أثناء انتظار وصول النقل العام.

كانت ردود فعل الناس المتواجدين في محطة النقل العام متباينة ومستغربة ومتسائلة عما يجري في المحطة. البعض منهم عندما رأى الكاميرات في أيدينا، اعتقد أننا صحافيون، ونقوم بعمل تحقيق حول محطات النقل العام، وحاول البعض منهم بث شكواه حول ما يعانيه في عمله، من مضايقات وعدم الحصول على حقوقه المادية، ويريد منا أن نوصل شكواه عبر نشرها في الصحيفة، ولكن عندما علموا بحقيقة ما نقوم به اختلفت ردود فعلهم حينها، بين المبتسم والمتسائل والمستغرب والمتفاعل والصامت، وقام العديدُ منهم بالاقتراب لمشاهدة الصور والتحدث عنها مع أصدقائه ومعنا. وكذلك وقف الكثيرون منهم أمام المرآة لتعديل هيئتهم وتجفيف عرقهم بالمحارم والورقية.

المشروع الخامس

أنظمة التلاعب

الجمعة: 5 يونيو/ حزيران 2009

المكان: كورنيش الملك فيصل

المنطقة: المنامة

إن الاستغلال المدمر للبيئة البحرية من خلال عملية ردم السواحل والبحر، وشفط الرمال البحرية أوجد واقعا مؤلما وخطيرا، أثر بشكلٍ سلبي وكبير على حياة الثروة البحرية، وكل ذلك يتم و «سيتم» من أجل إقامة «الكانتونات» الاصطناعية، سواء المتصلة مع الجغرافيا الطبيعية للبحرين، أو المنفصلة من خلال إنشاء جزر اصطناعية الغرض منها بناء مشاريع استثمارية وعقارية معزولة عن نسيج البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وربما حتى «السياسية» تهدف في نهاية الأمر وبالدرجة الأولى إلى خدمة مصالح النخبة المسيطرة والمتنفذة والتي تمتلك المال والقوة.

فلم تعدْ هناك مسافة كبيرة فاصلة بين الأصل والنسخة، بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي، بين الطبيعي والمهجّن، بل إن التكنولوجيا المعاصرة وخاصة في مجال الهندسة الوراثية قادرة في حال غياب البعد الأخلاقي والقيم والضمير ليس على القيام بالاستنساخ والتعديل الوراثي للكائنات الحية فحسب، بل على إيجاد أصل جديد، بواسطة التلاعب بالشفرات والبصمة الوراثية وخلق كائنات جديدة هجينة، ليس لها نماذج مسبقة وبالتالي فهي قادرة على أن توجد واقعا جديدا وخطيرا في حياتنا.

وربما تكتمل العملية مستقبلا في استغلال التكنولوجيا الرقمية والتكنولوجيا البيولوجية في «إنتاج» أفراد ومجتمعات ذوي مواصفات خاصة «شكليا وعقليا ونفسيا» يتم تشكيلهم على حسب مقاييس ومواصفات ورغبات القوة المسيطرة، القادرة على امتلاك هذه التكنولوجيا. وكل ذلك سيتم تحت ذريعة العمل على تحقيق الضبط الاجتماعي والأمن ومحاربة الإرهاب، وكذلك من أجل تحقيق الرفاهية والتقدم والسعادة والسلام للأفراد والمجتمعات. وهذا بالضبط ما تتذرع به النخبة المهيمنة صاحبة المصلحة في استغلال والتلاعب بالبيئة من خلال خلق وعي زائف وتوجيه العقول للقبول بالأمر الواقع عبر تكثيف الترويج الدعائي والإعلامي بأن كلَّ ما يحدثُ هو الأفضل والأحسن والأنسب من أجل تقدم ورقي ورفاهية الفرد والمجتمع والوطن.

العدد 2659 - الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 01 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً