العدد 2657 - الإثنين 14 ديسمبر 2009م الموافق 27 ذي الحجة 1430هـ

مخاوف المشاركة وهواجس المقاطعة (3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تلقيت مجموعة من الملاحظات حول حلقتي «مخاوف المشاركة وهواجس المقاطعة» التي يمكن حصر أكثرها أهمية في الفئات التالية:

1. تحميل المعارضة، وعلى وجه الخصوص جناحها الديمقراطي وزر أي فشل واجهه أي من المشروعات أو البرامج السياسية التي جاء بها المشروع الإصلاحي. وهي ملاحظة صحيحة، لكن الإيمان العميق بأن على المعارضة البحرينية، سوية مع الأفراد والمؤسسات الأخرى التي تتطابق، أو كحد أدنى تتقاطع، مصالحها وإيجابيات ذلك المشروع، تقع مسئولية حماية المشروع والدفاع عن النوافذ، التي يحملها في أحشائه، والمشرعة على عناصر التقدم نحو الأمام على طريق مجتمع مدني معاصر، من أجل تطوير المؤسسات الدستورية التي من شأنها بناء «المملكة الدستورية»، وتطويرها ووضع كل الضمانات التي من شأنها عدم استدارة المشروع الإصلاحي نحو الخلف. وطالما اقتنعنا بأن المعارضة هي صاحبة المصلحة الأكبر في تحقيق هذا الهدف، فهذا سبب آخر يجذبنا نحو نبذ المخاوف من المشاركة، ويدفعنا نحو رؤية تهاوي كل الهواجس الداعية للمقاطعة.

2. النفخ في روح مؤسسات هي عبارة عن جثث ميتة، ومن ثم فمن رابع المستحيلات أن تملك مثل هذه المؤسسات أية قدرة على إنتاج شيء هي لا تملك عناصر بناء مكوناته، ومن ثم ففي المشاركة، كما تقول الملاحظة «نوع من العبثية غير المجدية، التي قد تؤدي في حالات معينة إلى بعث أوهام القدرة على تحقيق مكاسب مجدية في نفوس القوى السياسية أو بعض أفراد قيادتها، الأمر الذي يهدر طاقات المعارضة السياسية من جانب، ويمد القوى الأخرى العاملة من أجل العودة بالبلاد نحو الوراء وإعادة العمل تحت مظلة قوانين شبيهة بقانون أمن الدولة من جانب آخر».

وعلى هذا المستوى، لا تقع المؤسسات التي جاء بها المشروع الإصلاحي، بأي شكل من الأشكال في نطاق الفئات التي تشير إليها هذه الملاحظة.

ليس في وسع أحد أن يكابر، فينكر أن هناك بعض عناصر النقص الذي تعاني منها تلك المؤسسات، والتي بحاجة إلى المعالجة، وبالمقابل ليس هناك من بوسعه أن ينفي وجود الكثير من الجوانب الإيجابية التي تتمتع بها تلك المؤسسات، والتي ينبغي التمسك بها، وعدم التفريط فيها، من أجل الاستفادة منها بل وتطويرها على حد سواء. وهنا مرة أخرى تبدو الحاجة إلى المشاركة أكثر إلحاحا وأكثر جدوى من المقاطعة.

3. عدم الإشارة إلى أي الاختلافات التي تميز مؤسسات معينة عن أخرى غيرها. بمعنى أن هناك مؤسسات، مثل معهد التنمية السياسية، والتي من حق القيادة السياسية تعيين من تراه مناسبا لشغر مقاعده، دون أن يكون للقوى الأخرى «حق قانوني» في المطالبة بإشراكها في قرارات التعيين.

لكن بالمقابل، وبالقدر ذاته، هناك فئة أخرى من المؤسسات مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي تحكمها مجموعة من المقاييس العالمية المتفق عليها دوليا، والتي لا يملك أحد حق تغيير تلك المقاييس سوى تلك المؤسسات التي وضعتها أو طورتها.

طبيعة تشكيل هذه المؤسسات، والدور المناط بها القيام به، تقتضي أن تكون آليات تشكيلها مهمة مشتركة تتولى القيام بها، القوى الحاكمة والمعارضة، أو منظمات المجتمع المدني والنشطاء المتحالفين معها.

كلمة حق تقال هنا، وهي أن هناك ضرورة لرسم خطوط فاصلة للتمييز بين هاتين الفئتين من المؤسسات. لكن في الحالتين ليس هناك من سبب يبرر عدم المشاركة، ويدفعنا نحو المقاطعة. لكل واحدة من الفئتين أساليبها المختلفة التي بوسع من يشارك فيها أن يلجأ إليها من أجل تحويلها من مؤسسات هامدة ذات دور سلبي أو غير مجد، إلى منظمات حية بحوزتها عناصرها الديناميكية التي تحولها إلى كائن إيجابي مفيد.

4. حالة الفساد التي يولدها إنشاء مثل هذه المؤسسات، حيث تحول البعض منها، كما تقول الملاحظة «بما فيها البرلمان إلى مصدر رزق إضافي من مصادر الدخل، استفادت منه فئة معينة ليست في حاجة ماسة إليه، بمن فيها أفراد من بين صفوف المعارضة، على حساب مشروعات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للوطن والمواطن».

إن هذه الفوائد لا تنحصر في الجوانب المالية، بل تتعداها، كما تضيف الملاحظة «كي تشمل الجوانب المعنوية...».

ربما حملت هذه الملاحظة بعض الحقيقة، لكن الحديث هنا يتناول التطبيق، والدعوة للمشاركة تقف عند حدود التخطيط، إن جاز لنا القول. أبعد من ذلك ربما يكون فساد بعض من نجحوا في نيل عضوية تلك المؤسسات، سواء بالتعيين، أو بالانتخاب، دافعا قويا للمشاركة، وعنصرا مهمّا لنبذ المقاطعة، فليس هناك وسيلة أفضل من «تنظيف» تلك المؤسسات، مثل مشاركة العناصر «النبيلة» فيها. حينها، ودون الوقوع ضحية ساذجة لأي شكل من أشكال المثالية الأفلاطونية، بوسع «المشاركين النبلاء» أن يزيحوا «الانتهازيين المتسلقين».

وفي الختام، وأخذا بعين الاعتبار ما جاء في الحلقتين، وما تلقيته من ملاحظات قيمة استحقت التوقف عندها والرد الودي عليها، تبقى ملاحظة أخرى مهمة وهي أن ليس هناك قرار مطلق يدعو للمشاركة أو ينبذ المقاطعة، إذ إن لكل منهما مصداقيته وجدواه بل ومبرراته. لكن اللجوء إلى أي منهما ينبغي أن يكون بناء على قراءة صحيحة غير انفعالية أو ذاتية للأوضاع السياسية القائمة في منطقة معينة، والتي تدعو إلى اتخاذ قرار في هذا الاتجاه المشارك أو ذاك الاتجاه المقاطع.

وما يدفعنا إلى الدعوة إلى المشاركة هو أن الظروف القائمة اليوم، كما أراها، هي أكثر ملاءمة للمشاركة منها للمقاطعة، أخذا بعين الاعتبار مصلحة شعب البحرين أولا وأخيرا، بعيدا عن أية دعوات أخرى قد يكون مصدرها مصالح تنظيمية حزبية ضيقة الأفق، أو رؤية فئوية قصيرة النظر غير قادرة على تلمس ما هو أبعد من أنوفها.

والأهم من ذلك كله هو أن مسئوليات المشاركة ومتطلباتها، بخلاف ما قد يعتقده البعض، أعقد بكثير، وأكثر عبئا، من المقاطعة، فليس هناك ما هو أسهل من إدارة الظهر، فهي تعفي من يقوم بها من مسئوليات يومية لا يعرف عبئها إلا من تصدى لها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2657 - الإثنين 14 ديسمبر 2009م الموافق 27 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:28 ص

      أنا لا أرى

      أنا لا أرى في مشروع المشاركة سوى التلميع
      لصفحة الحكومة وإلا هاهي 8 سنوات قد مرت ولم
      يحتلب من هذا المجلس ما هو مؤمل منه.
      مجلس عقيم ومن يرغب في الخلف من هذا المجلس فهو عقيم

    • زائر 2 | 1:42 ص

      المسألة ليست مسألة مشاركة أو مقاطعة ......

      الموضوع برمته يحتاج الى جدية من قبل
      الجميع وبالدرجة الأولى الحكومة اذا كانت
      فعلا تريد الاصلاح ,,,,,,,,,,

    • زائر 1 | 11:49 م

      لماذا؟

      لمذا لا يقف المسئولون الحكوميون على أسباب "التردد" في المشاركة من جهة و "الإصرار" على المقاطعة من جهة أخرى؟ أم أن هذا الشيء يحلو للحكومة كثيراً؟!!

    • مواطن مستضعف | 11:26 م

      نِعمَ المنطق

      بسم الله الرحمن الرحيم اقتباس: (ليس هناك قرار مطلق يدعو للمشاركة أو ينبذ المقاطعة، إذ إن لكل منهما مصداقيته وجدواه بل ومبرراته) منطق ينم عن الإعتدال والودّية إلى جانب الإدراك الواعي منك أستاذي الكريم. وافر التحية

اقرأ ايضاً