من حق النواب ان يردوا على من اتهمهم بـ «التحريض وثم غسل اليد» من الحوادث التي صاحبت أمسية المطربة اللبنانية نانسي عجرم. فالمطربة التي لا يتعدى عمرها عشرين عاما ولم تسمع قط باسم «صدام حسين» أو ابنه عدي (بحسب ما جاء في مقابلة صحافية معها)ا ستطاع البعض ان يحرك الاوضاع من كل جانب بمجرد ذكر اسمها. بل ان اسمها اصبح لديهم مرادفا لمصطلح «أسلحة الدمار الشامل» عندما كنا نسمعها من الولايات المتحدة قبل غزوها لعراق والتي لم تجدها إلى الآن على رغم اسقاطها طاغية العراق واحتلال ارض الرافدين منذ ابريل/نيسان الماضي.
لكن ليس من حق النواب ان يتنصلوا من تبعات ما يقومون به، لانهم يعلمون قبل غيرهم ان الحديث إذا كرر بأسلوب معين فان النتائج قد لا تكون حميدة. الصحافة تنقل ما يقوله النواب في البرلمان وفي المجالس الأخرى ومن حقها ان تطرح عليهم الاسئلة التي يبدأ بها اي صحافي: متى؟ وأين؟ ولماذا؟ ومن هو المتحدث عنه؟ ومتى سيحدث ما سيحدث؟ وكيف سيحدث؟ ومن خلال هذه الاسئلة يقوم الصحافي بتلخيص ما يقوله هذا الشخص أو ذاك وثم عرضه بصورة مسئولة ومستقلة على القراء في اسرع وقت ممكن.
لقد كانت أمسية نانسي عجرم واحدة من أمسيات اخرى، ولكن طريقة تناول النواب لها حوّلها الى قضية خرجت من اطارها العام. ولاشك في اننا - مجتمع البحرين - تتجاذبنا الحوادث لاسباب كثيرة. فهناك من ينطلق على اساس ديني - أيديولوجي، وآخر ينطلق على اساس ليبرالي - اقتصادي.
المنطلقون على اساس ديني - ايديولوجي قد لا يعيرون اية اهمية لتبعات ما يقولونه أو ما يصنعونه من حدث لانهم يفكرون في «المبدأ» بحسب ما يرونه جوهريا. اما المنطلقون على اساس ليبرالي - اقتصادي فينظرون الى الحوادث من وجهة نظر «الحرية الشخصية» وعدم اجبار غيرهم على شيء ما وخصوصا إذا كان هذا العمل ينشط الحال الاقتصادية.
اما نحن في الصحافة المستقلة فنرى واجبنا يحتم علينا الالتزام بمبدأ «المسئولية الاجتماعية» عما ننقله من خبر او تحليل لاننا «وسيلة اتصال» ننقل الخبر بعد ان نعالجه على اسس موضوعية. وهذا محور وصية الامام علي (ع) لاصحابه «اعقلوا الخبر اذا سمعتموه عقل رعاية، لا عقل رواية، فان رواة العلم كثير ورعاته قليل».
فبإمكان الصحافة غير المستقلة ان تتحول الى سيف مسلط باسم الدولة او باسم الايديولوجيا أو باسم المصالح، على الآخرين، ولكن هذا ما لا فائدة منه بالنسبة الى رأي مجتمع يبحث عن حياة أكثر حرية وأكثر كرامة.
ولذلك فاننا نرى دورنا في الحالات الحرجة التي مرت علينا أخيرا دور الناقل العقلاني للخبر، وسعينا جهدنا ان نغلب «المسئولية الاجتماعية» على اية عوامل اخرى. فالصحافة المستقلة مهنة صعبة، اصعب بكثير من الصحافة الايديولوجية او الصحافة السلطوية، ولكننا ينبغي علينا جميعا ان نرتقي الى مستوى التحدي... وبذلك يمكن اصلاح اوضاعنا وعدم تضييع مصالح المجتمع من أجل قضية لا تستحق من الاساس
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ