العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ

الطبع يغلب التطبّع

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

يقال ان المتنبي عندما حصلت الجفوة بينه وبين سيف الدولة وكان كما يبدو أن عضد الدولة البويهي ينتهز مثل هذه الفرصة لخلاف بينه وبين الآخر ما جعله يستضيف المتنبي، ولبى شاعرنا الكبير الدعوة وبالغ عضد الدولة في تكريم ضيفه واستقباله استقبال كبار الشخصيات، وبعد الانتهاء من مراسم الضيافة التي استغرقت ثلاثة أيام، مال المضيف على أذن ضيفه وسأله: من أكرم أنا أم سيف الدولة؟ فرد عليه أبو الطيب بكل بساطة: (سيف الدولة الحمداني أكرم)، فغضب المضيف أن يسمع منه ذلك بعد كل هذا الجهد الذي بذله لتكريمه فسأله لماذا؟ فقال: الكرم في سيف الدولة طبيعة بينما ما فعلته أنت تَطبّع.

وهذا ما يذكرني بما جرى وما يجري في بعض الدول العربية في محاولتها تبني عملية الانفتاح والإصلاحات التي لم تكن من طبيعتها، فهي تحاول أن تتطبع لكنها غير قادرة على هضمها واستساغتها ولهذا تصطدم بأية محاولة اختبارية في عملية جس نبض الديمقراطية وآلياتها التي من بينها الاحتجاجات والاعتصامات والتجمعات ورفع بعض المطالب المشروعة. ولهذا ترى في أي شكل من هذه الأشكال خروجا غير مألوف عليها فإن كانت القيادات السياسية في البلاد العربية الداخلة باستحياء وبمرارة إلى عالم الإصلاحات تصطدم بهذه المظاهر ما يجعلها ربما تتناقض حتى مع دعوة القيادة السياسية إلى إفساح المجال لدخول العالم الإصلاحي الجديد لتحسين وجهها وسمعتها أمام العالم.

وعلى الأجهزة أن تبقي سيوفها في غمدها وتتعود على التكتلات البشرية خارج المساجد التي وحدها كان مسموحا بها في السابق وإلا سيصعب عليها التعامل مع الأوضاع الجديدة، ولهذا نجد أن الدول التي لديها خبرات سابقة في هذا المجال من طبعها ألا تستنكر ذلك فهي مثل كرم سيف الدولة الذي قال عنه أبو الطيب طبيعة فيه بينما قال عن عضد الدولة بأنه كرم مصطنع، وخوفي أن تطول عملية تقبل الوضع الجديد.

وكان الإمام علي كرم الله وجهه قد شخّصَ ذلك جيدا حين قال:

الطبع والروح مقرونان في جسد

لا يخرج الطبع حتى تخرج الروح

فهل البلاد العربية التي تحاول أن تجعل الإصلاح من طبيعتها قادرة على تحقيقها أم يستحيل عليها ذلك وعلى شعوبها مزيد من الانتظار حتى «تظهر روح هذه القيادات»؟

العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً