لا يمكن أن يقتنع أي عاقل بأن ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي كان بسبب «غضبة» أصلها وصول مغنية عُرّفت بأن أداءها في الفيديو كليب فيه «نظر»، إذ ان ما حدث أكبر بكثير من مجرد احتجاج. فما دخل المغنية، بالتكسير وسد الشوارع وحرق الإشارات المرورية، وفرض «قانون» خاص على مستخدمي الشارع، ودحرجة الإطارات المشتعلة أمام السيارات المارة؟
إن هي إلا تراكمات من الإحباط و«التكويك» والشحن غير المسئول، وجمود الكثير من المواقف الأهلية والرسمية على حد سواء، وعدم قدرتها على مغادرة النقاط التي وقفت عندها قبل أكثر من سنة، وصار من العار على الطرفين أن يقدما أية تنازلات وإلا كان الشك أساسا موجها إلى «هيبة» كل منهم، وصدقيته في نظر الرأي العام المحلي.
غير أنه قبل المضي في تشغيل آلات نقد السلطة، من قبل المعارضة، وآلات نقد المعارضة الرسمية وغير الرسمية من قبل السلطويين، دعونا نسأل: أليست هذه بروفة مصغرة لما حدث في شارع المعارض؟ ألم نتحدث كثيرا عن أهمية البحث عن الأسباب التي قادت «شباب المعارض» إلى انتهاج ذلك النهج العقيم؟ والسؤال الأهم: ما الذي فعلناه (كأجهزة حكومية وأهلية) لتحليل ما حدث ووضع الحلول والبرامج المشتركة لكي لا نقع في المحذور ذاته؟ وهل انتهى الأمر بالعفو الملكي الذي شمل المشتركين في تلك الحوادث؟ وهل أغرى هذا العفو أناسا آخرين كي يفعلوا ما يحلو لهم استنادا إلى العطف الأبوي الملكي بعد شهر أو شهرين من التوقيف، وربما حلا في نظر البعض أن يظهروا بمظهر الأبطال ما دامت هناك جهات ستدافع عنهم بضراوة فقط لأنهم اصطدموا مع رجال الأمن؟
سيوقفنا المجتمع في المستقبل القريب إن نحن فرطنا في الحزم، سواء بالتمييع أو القسوة الزائدة... الحزم هنا أن يعاقب من ارتكب أي جريمة العقاب الذي يستحق بلا زيادة، والدعوة إلى الجلوس إلى طاولة البحث - وليس المفاوضات - رأفة بهؤلاء الأغرار، رأفة بالمعارضة نفسها، ورأفة بالوطن
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ